غرامات التأخير والتأمين النهائي في التعاقد مع الدولة
يترتب على إخلال المتعاقد بالتزاماته في العقود الإدارية توقيع جزاءات معينة عليه ، إذ من غير المتصور أن يتم احترام وتنفيذ تلك الالتزامات دون مواجهتها بجزاءات عقدية .
وتملك الإدارة توقيع جزاءات عقدية متعددة على المتعاقد ، كالجزاءات المالية والجزاءات الفاسخة والجزاءات الضاغطة .
وتســتطيع الإدارة أن تفرض هذه الجزاءات بقرار يصدر عنها ، دون حاجة للجوء إلى القضاء ، وذلك إعمالاً لسلطتها في التنفيذ المباشر .
وفي المقابل يتمتع المتعاقد ببعض الضمانات التي تعتبر قيداً على سلطة الإدارة في توقيع الجزاءات العقدية ، مثل إعذار المتعاقد وتسبيب القرار الصادر بالجزاء وإخطاره به ، وإلا تعرضت للمسؤولية العقدية .
الجزاءات المالية
يتعرض المتعاقد عند إخلاله بالتزاماته التعاقدية لتوقيع جزاءات مالية معينة ، منها ما لا يمكن توقيعه إلا إذا نص عليه العقد مثل غرامة التأخير ، ومنها يوقع على المتعاقد ، حتى ولم ينص عليه في العقد ، وهو مصادرة التأمين النهائي .
أولاً- غرامة التأخير :
غرامة التأخير هي تعويض جزافي منصوص عليه في العقد ، توقعها الإدارة على المتعاقد عند إخلاله بالتزامات عقدية معينة ، وخاصة عند التأخير في التنفيذ .
ومن المسلم به في فقه القانون الإداري ، أن غرامات التأخير في العقود الإدارية تختلف عن طبيعة الشرط الجزائي في العقود المدنية , ذلك أن :
# الشرط الجزائي في العقود المدنية يستحق في حالة إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه ، فيشترط لاستحقاقه ما يشترط لاستحقاق التعويض بوجه عام ، من وجوب حصول ضرر للمتعاقد الآخر وإعذار للطرف المقصر وصدور حكم به ، وللقضاء أن يخفضه إن ثبت له أنه لا يتناسب والضرر الذي يلحق بالمتعاقد .
# بيد أن الحكمة في الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية ، هي ضمان تنفيذ هذه العقود في المواعيد لمتفق عليها ، حرصاً على حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد . ومن ثم فلجهة الإدارة أن توقعها بنفسها دون حاجة إلى حكم بها ، إذا أخل المتعاقد بالتزامه قبلها ، ولا يقبل منه إثبات عدم حصول ضرر لها من تأخيره في تنفيذ التزامه ، فاقتضاء الغرامة منوط بتقديرها باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة .
وتجد غرامة التأخير مصدرها في نصوص العقد أو في كراسات الشروط العامة المطبق عليه ، فهي ذات طبيعة تعاقدية وجزافية .
- خصائص غرامة التأخير :
وقد قرر نظام العقود في سورية أن تفرض على المتعهد الذي يتأخر في تقديم احتياجات الجهة العامة عن المدة المحددة لذلك غرامات التأخير المنصوص عليها في العقد وفي دفاتر الشروط , ولو لم يلحق بالجهة العامة أي ضرر , على ألا تقل الغرامة اليومية عن واحد بالألف من القيمة الإجمالية , ولا يزيد مجموع الغرامات على عشرين بالمائة من القيمة الإجمالية للتعهد .
إن إضفاء الصفة التعاقدية والجزافية على غرامة التأخير , وارتباط العقود الإدارية بالصالح العام ، أدى إلى تمييز غرامة التأخير بنظام قانوني خاص ، سواء بالنسبة للجزاءات العقدية الأخرى في العقود الإدارية ، أو بالنسبة للشروط الجزائية التي تنص عليها عقود القانون الخاص .
1- إن نسب غرامة التأخير المحددة في العقد أو كراسات الشروط تكون واجبة التطبيق بالنسبة للإدارة والمتعاقد معاً :
فلا تستطيع الإدارة زيادة هذه النسبة أو المطالبة بأكثر منها ، حتى ولو كان الضرر يزيد على مقدارها المحدد في العقد .
وإذا تضمن العقد تحديداً لمقدار الغرامة ، فإن هذا المقدار يكون هو الواجب التطبيق دون حكم اللائحة ، أخذاً بقاعدة أن النص الخاص يقيد النص العام .
2- لا يجوز للإدارة أن تسعى إلى تطبيق غرامة التأخير على المتعاقد ، في حالة عدم النص عليها في العقد أو كراسات الشروط العامة .
3- لا يجوز الجمع بين غرامة التأخير والتعويض .
4- لا يجوز تطبيق غرامة التأخير عن فترة لاحقة لتاريخ فسخ العقد ، نظراً لانقضاء العلاقات التعاقدية بين الإدارة والمتعاقد .
5- يجوز حساب غرامات التأخير على أساس قيمة الجزء المتأخر في التسليم إذا نص دفتر الشروط الخاصة على ذلك , شريطة تحقق شرطين :
الأول أن يتم تسليم المواد الأخرى في المواعيد المحددة .
والثاني أن يكون الجزء المتأخر تسليمه مستقلاً في الاستعمال عن باقي المواد المسلمة .
6- توقع الغرامة بمقتضى قرار صادر عن الإدارة دون سابق إعذار أو اشتراط حصول ضرر :
وهذا منا نص عليه نظام العقود عندما اعتبر المتعهد معذراً بما يترتب عليه من التزامات وغرامات تأخير وجميع الجزاءات الأخرى بمجرد حلول الأجل المحدد في العقد دونما حاجة لأي إجراء .
7- تتمتع الإدارة بسلطة تقديرية في توقيع الغرامة أو الإعفاء منها أو تخفيضها .
- حالات إعفاء المتعاقد من غرامات التأخير :
أ- إذا كان التأخير في التنفيذ راجعاً إلى سبب أجنبي خارج عن إرادة المتعاقد ، ولم يكن في إمكانه توقعه ، ومثال ذلك القوة القاهرة .
ب- إذا كانت الإدارة هي وحدها التي سببت التأخير , سواء أكان بخطأ منها أم كان بسبب ممارسة سلطاتها في تعديل العقد .
ج- إذا طلب المتعاقد من الإدارة رسمياً مهلة جديدة للتنفيذ ووافقت على ذلك دون تحفظ من جانبها .
د- يجوز الإعفاء من غرامات التأخير في حالات تحدد من الوزير المختص .
ثانياً- مصادرة التأمين النهائي :
مصادرة التأمين النهائي هو شرط جزائي متفق عليه بين طرفي العقد ، توقعه الإدارة بنفسها عند إخلال المتعاقد بالتزاماته التعاقدية ، دون انتظار لحكم من القضاء ، ومن غير حاجة إلى إثبات أن ضرراً ما قد لحقها من جراء الإخلال بتنفيذ العقد .
والتأمين النهائي عبارة عن مبلغ نقدي تحدده الإدارة بنسبة معينة من قيمة العقد ، يودعه المتعاقد صاحب العطاء المقبول تحت تصرفها لضمان تنفيذ العقد .
والهدف من التأمين النهائي هو ضمان لجهة الإدارة يؤمنها ضد الأخطار التي تصدر من المتعاقد معها حين يباشر تنفيذ العقد الإداري ، كما يضمن ملائمة المتعاقد معها عند مواجهة المسؤوليات التي قد يتعرض لها من جراء إخلاله بالتنفيذ ، فلا يمكن لجهة الإدارة أن تتجاوز عن التأمين حرصاً على مصلحة المرفق العام وانتظام سيره .
ولما كان الغرض من التأمين النهائي هو ضمان التنفيذ ، فلا يمكن تصور قيام هذا الضمان ما لم يكن للوزارة حق مصادرة التأمين في حالة عدم التنفيذ ، سواء أنص على ذلك في العقد أم لم ينص ، وإلا لما كان هناك محل أصلاً لاشتراط دفع تأمين .
ويتميز جزاء مصادرة التأمين عن الشرط الجزائي في عقود القانون الخاص ، باعتباره أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في عقود الإدارة ، والتي مردها إلى ما يتميز به العقد الإداري من طابع خاص ، يتمثل فيه تغليب المصلحة العامة على ما عداها عن طريق تمتع الإدارة في العقد الإداري بسلطات متعددة منها حقها في مصادرة التأمين .
ويختلف جزاء مصادرة التأمين النهائي عن غرامة التأخير ، من حيث إن الإدارة تملك الحق في توقيعه عند عدم تنفيذ المتعاقد لالتزاماته التعاقدية ، سواء نص العقد على هذا الحق أم لم ينص .
ويخضع جزاء مصادرة التأمين لنظام قانوني متميز عن نظام التعويض الاتفاقي في نطاق عقود القانون الخاص :
1- تملك الإدارة مصادرة التأمين النهائي بنفسها ، دون انتظار لحكم القضاء وبغير حاجة إلى إلزامها بإثبات أن ضرراً ما قد لحقها من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزاماته .
2- تتمتع الإدارة بسلطة تقديرية في توقيع جزاء مصادرة التأمين النهائي عند إخلال المتعاقد بالتزاماته التعاقدية ، إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة ، وتخضع لرقابة قاضي العقد الذي يستطيع أن يحكم برد التأمين أو الإعفاء منه أو تخفيضه .
3- سلطة الإدارة في مصادرة التأمين النهائي مقيدة بنصوص العقد أو القانون :
إن حق الإدارة في مصادرة التأمين النهائي ليس حقاً مطلقاً ، بل يقف عند حدود معينة ، فإذا نص العقد على عدم تجاوز قيمة التأمين المصادر لنسبة معينة من قيمة ما لم ينفذ من الأعمال ، فإن الإدارة إذا تجاوزت تلك النسبة وصادرت التأمين كله تكون قد خالفت شروط العقد .
وقد قرر نظام العقود حق الجهة الإدارية في فسخ العقد حكماً ومصادرة تأمينات المتعهد إذا ساهم الأخير بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم إسرائيل .
4- جواز الجمع بين مصادرة التأمين النهائي والتعويض والجزاءات العقدية الأخرى :
ذهبت غالبية الفقه مؤيدة بأحكام القضاء الإداري إلى جواز الجمع بين مصادرة التأمين النهائي والتعويض .
ومن ناحية أخرى أقر مجلس الدولة المصري للإدارة بسلطة الجمع بين مصادرة التأمين النهائي وفسخ العقد ، كما أجاز الجمع بين مصادرة التأمين النهائي وسحب العمل من المتعاقد .