لغز جيولوجي في "الأخدود العظيم" يقترب من الحل
النتائج ليست كافية تماما لإغلاق الحالة الغامضة لعدم التوافق العظيم مرة واحدة وإلى الأبد، لكنها خطوة جيدة للأمام.


"غراند كانيون" أو "الأخدود العظيم" يعد إحدى عجائب الدنيا السبع الطبيعية (بيكسابي)
كشفت دراسة جديدة بقيادة جامعة كولورادو بولدر (University of Colorado Boulder) عن التاريخ المعقد لواحدة من أكثر السمات الجيولوجية شهرة في "غراند كانيون" وهي فجوة زمنية غامضة ومفقودة في سجل الصخور، والتي تغطي مئات الملايين من السنين.
وقد نشرت دورية "جيولوجي" (Geology) يوم 12 أغسطس/آب الجاري دراسة يوم 12 أغسطس/آب الجاري تبشر بحل لغز "عدم التوافق العظيم" الذي أربك الجيولوجيين منذ وصفه لأول مرة منذ ما يقرب من 150 عاما.

وأفاد فريق البحث أن سلسلة من الأحداث الصغيرة ولكنها عنيفة قد تكون هزت المنطقة أثناء تفكك شبه قارة قديمة تسمى رودينيا. ومن المحتمل أن الخراب الناتج قد مزق الأرض حول الوادي، مما تسبب في انجراف الصخور والرواسب في المحيط.



"غراند كانيون" من أفضل الأماكن لرؤية ظاهرة عدم التوافق العظيم (بيكسابي)


عدم التوافق العظيم

يُعد عدم التوافق العظيم Great Unconformity في أميركا الشمالية أحد مظاهر عدم التوافق الأشهر بالعالم، فهذه الفجوة الكبرى في التسلسل الجيولوجي تمتد على كامل الطريق من أريزونا بالولايات المتحدة إلى ألبرتا في كندا.
تعرف ظاهرة عدم التوافق (اللاتوافق) بأنها سطح تعرية أو سطح عدم ترسيب واضح ومميز يفصل ما بين مجموعتين صخريتين، وتدل على وجود ثغرة زمنية في الترسيب.
ولعل أفضل الأماكن لرؤيتها يقع في المتنزه الوطني للوادي الكبير "غراند كانيون Grand Canyon" حيث ترجع الصخور إلى ما قبل 1.4-1.8 مليار سنة بجوار صخور لا يتجاوز عمرها 520 مليون سنة.
وتم التعرف على ظاهرة "عدم التوافق العظيم" لأول مرة، خلال رحلة للجيولوجي الأميركي جون ويزلي باول John Wesley Powel عام 1869، أسفل منحدرات نهر كولورادو، وعبر "غراند كانيون".
وتقول بارا بيك المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة وطالبة الدراسات العليا بالعلوم الجيولوجية بجامعة كولورادو بولدر "فكر في الخنادق الحمراء والمنحدرات في غراند كانيون ككتاب مدرسي لتاريخ الأرض، إذا قمت بتقليص الوجوه الصخرية في الوادي، يمكنك العودة إلى ما يقرب من ملياري سنة من ماضي الكوكب. لكن هذا الكتاب المدرسي يفتقد أيضا إلى صفحات: في بعض المناطق، اختفت صخور تزيد قيمتها على مليار سنة من غراند كانيون دون أن تترك أثرا".



يكشف نتوء الغرانيت هذا عن سمة "عدم التوافق العظيم" (كريستين سيدوي-جامعة كولورادو بولدر)


ملء الأجزاء المفقودة

يمكن أن تساعد النتائج التي توصل إليها فريق العلماء في ملء الأجزاء المفقودة لما حدث خلال هذه الفترة الحرجة لغراند كانيون، وهي اليوم واحدة من أهم عجائب أميركا الشمالية الطبيعية.
وفي بيان صحفي نشر على موقع "يورك أليرت" (EurekAlert) قالت ريبيكا فلاورز المشاركة في تأليف الدراسة الجديدة وأستاذة العلوم الجيولوجية "لدينا طرق تحليلية جديدة في مختبرنا تسمح لنا بفك رموز التاريخ في النافذة الزمنية المفقودة عبر عدم التوافق العظيم غراند كانيون، وفي أماكن أخرى غير متوافقة في أميركا الشمالية".
واعتمدت فلاورز وزملاؤها على تقنية تُعرف باسم "علم الزمن الحراري thermochronology" والذي يستخدم سلسلة من تقنيات التحليل الكيميائي لقياس الحرارة المختزنة في الصخور عندما تكونت.
وتتوافق هذه الحرارة مع مقدار الضغط الذي كانت التكوينات الجيولوجية تحته.
ووجدوا أن عدم التوافق العظيم قد لا يكون نتيجة لحدث واحد كارثي في ماضي الكوكب كما يعتقد العديد من العلماء. بدلا من ذلك، ربما تسببت سلسلة من الكوارث الصغيرة في العديد من حالات عدم التوافق المختلفة حول العالم.
ويقترح العلماء أن التاريخ الجيولوجي لغراند كانيون أكثر تعقيدا مما كان يعتقد سابقا، وأن أجزاء مختلفة من الموقع قد تغيرت بطرق مختلفة عبر آلاف السنين، مما تسبب في انجراف بعض الصخور والرواسب بعيدا إلى المحيط.

مختبر طبيعي مذهل

وفقا للعينات التي تم جمعها وتحليلها من قبل الفريق، فإن النصف الغربي من غراند كانيون قد مر بتشوهات جيولوجية مختلفة جدا مقارنة بالنصف الشرقي. وتقول المؤلف الرئيسي للدراسة "إنها ليست كتلة واحدة لها نفس سجل درجات الحرارة".
على سبيل المثال، يبدو أن صخرة الطابق السفلي بالنصف الغربي من الوادي قد ارتفعت إلى السطح منذ حوالي 700 مليون سنة، وفي النصف الشرقي، دفنت نفس طبقات الحجر تحت ما يقدر بعدة كيلومترات من الرواسب.
ومما لا شك فيه أن غراند كانيون يستمر في إثارة الرهبة، ليس فقط بجماله الطبيعي ولكن أيضا بالطريقة التي يرسم بها التاريخ الجيولوجي لكوكبنا عبر مليارات السنين. وتقول بيك "هناك الكثير من الأشياء التي لا توجد في أي مكان آخر. إنه مختبر طبيعي مذهل حقًا".
ومع ذلك، فالنتائج ليست كافية تماما لإغلاق الحالة الغامضة لعدم التوافق العظيم مرة واحدة وإلى الأبد، لكنها خطوة جيدة للأمام. ويعتقد الباحثون أنه يمكن تطبيق نفس الأساليب في مواقع أخرى بالولايات المتحدة حيث توجد أنواع مماثلة من ظاهرة اللاتوافق.