الخيال القانوني ودوره في الصياغة التشريعية
الخيال القانوني ودوره في الصياغة التشريعية
مما لاشك فيه إن صياغة التشريعات تعد من أخطر المهام التي يقوم بها رجال القانون لما تشكله هذه التشريعات من أهمية في تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع وحسم المنازعات التي تحدث بينهم، فإذا كان التشريع يحمل رؤيا تمتد إلى عشرات السنين فسوف يتحقق الأستقرار القانوني ويطمئن الناس في معاملاتهم ويقومون بترتيب اوضاعهم على أساس ذلك الاستقرار. إن فن صياغة النصوص القانونية يحتاج إلى خيال قانوني يصور في ذهن من يقوم بمهمة الصياغة، وهي مهمة تشبه إلى حد كبير مهمة المهندس المعماري الذي يقوم برسم التصميم الهندسي، فالقانوني يقوم برسم التصاميم اللفظية وفقاً لما يهدف اليه صاحب الشأن، لذا ينبغي عليه أن يتأمل في مستقبل الوضع الذي يعالجه التشريع لكي تنشأ نصوص مرنة غير متصلبة متكييفة مع الوقائع التي تستجد في المستقبل، هذا الأمر سيحقق فوائد كثيرة يمكن الاشارة الى بعضها في خاتمة هذه المقالة. وكمثال على ذلك الخيال القانوني الأحكام الفقهية التي وردت في كتب المذهب الحنفي، حيث مارس الامام ابو حنيفة وتلامذته ذلك الخيال القانوني الرائع المتمثل بافتراض الاحتمالات واصدار الأحكام استناداً على تلك الاحتمالات، فهذه الاحتمالات تشكل خيالاً قانونيا لما سيحدث في المستقبل، ولهذا نجد إن المذهب الحنفي طبقته الدولة االعثمانية لما في من ديمومة ومرونة وتكيف مع الواقع. ومن الأمثلة الأخرى الدستور الأمريكي الذي صدر في 17/9/1787م هذا الدستور استمر لحد هذه اللحظة فقد مضى على صدوره 224 سنة وسبب بقائه وديمومته هو الخيال الواسع الذي كان يتمتع به الآباء المؤسسون الذين رسموا في أذهانهم جواب سؤال يتعلق بالصورة التي ستكون عليها الولايات المتحدة بعد أكثر من مئة سنة. لذلك أرى إن من يتصدى لهذه المهمة وخصوصاً في مهمة صياغة التشريعات التي ستنظم شؤون المجتمعات ينبغي أن يكون صاحب خيال ورؤيا قانونية لأن صاحب النظرة القاصرة سيقوم بصياغة نصوص تنتج المنازعات والاشكالات بمجرد صدورها.وفي الختام يمكن أن نورد بعض الآثار المترتية على الصياغة القانونية المبنية على الخيال القانوني وهي:1. إذا كان التشريع تمت صياغته وفقاً لرؤيا مستقبلية تفترض معالجات لأمور يتوقع حصولها بعد عشرا السنين فلا شك إن ذلك سيولد الثقة في قوانين تلك الدولة وإذا تولدت الثقة تحقق الاستقرار المادي والروحي وسينعم البلد بالخير والرفاه.
2. استقرار المراكز القانونية للأفراد وهو ما يؤدي الى زيادة في النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار.3. التقليل من التعديلات التشريعية بسبب المرونة التي تتمتع بها مثل هذا النوع من الصياغة.د. زياد خالد المفرجي