"عفوا أنا حامل".. أمهات يتخلين عن أطفال الاحتضان ومطالب بحماية قانونية
تسمح شروط الاحتضان -التي وضعتها وزارة التضامن الاجتماعي المصرية- للأسرة البديلة بإرجاع الطفل المحتضن لدار الرعاية.
"متلازمة التخلي" هي الحالة التي تصيب الطفل في حال فقدان أحد والديه أو كليهما وتصيب الأطفال الأيتام، وتأثيرها ممتد على حياة الطفل وسلوكه (بيكسابي)
"الاحتضان مسؤولية مش ترند"؛ وسم جديد ظهر عبر فيسبوك في الأيام القليلة الماضية، بعد فيديو بثته الدكتورة يمنى دحروج مؤسسة مبادرة الاحتضان في مصر.
وبثت دحروج الفيديو بعد واقعة شهدتها إحدى دور الرعاية الاجتماعية، حيث أعادت أسرة محتضنة طفلتها التي عاشت معهم لمدة 3 سنوات، عقب حمل الأم البديلة التي قررت كفالة الطفلة سابقا لأنها لم تكن تنجب، قبل أن تغادر الأسرة دار الرعاية وتترك الطفلة وحيدة من جديد، وقد استنجدت الصغيرة بالأب قائلة "متسبنيش يا بابا"؛ وهي الجملة التي ظلت تتردد في عقل دحروج لليلة كاملة قبل أن تقرر أن تطلق حملتها الجديدة للتوعية بما يفعله التخلي بأبناء الاحتضان.
الطفلة التي عادت لدار الرعاية بعد 3 سنوات من الحياة في كنف أسرة بديلة، لم تكن الحالة الوحيدة التي حكت عنها دحروج، فخلال الأيام الماضية أعادت أسرة بديلة طفلها المحتضن البالغ 8 سنوات من عمره "لأنه مريض" ويحتاج لعدد من العمليات الجراحية، وطلبت استبداله بطفل آخر سليم.
الطفلة ذات الأعوام الثلاثة، خضعت لتأهيل نفسي تبدأ بعده التعرف على أسرة جديدة لاستكمال حياتها، أما الطفل فقد قررت المبادرة تبني حالته الصحية وعلاجه على نفقتها أولا، بالتزامن مع تأهيله نفسيا لتخطي حالة الرفض التي تعرض لها من قبل أسرته البديلة.
القانون لا يحمي الأطفال
تسمح شروط الاحتضان -التي وضعتها وزارة التضامن الاجتماعي المصرية- للأسرة البديلة بإرجاع الطفل المحتضن لدار الرعاية، في أي وقت شريطة إخطار الوزارة بخطاب مسجل بـ"علم الوصول" -قبل عودته للدار بـ15 يوما- يتضمن الأسباب القهرية التي أدت لذلك، ولا يسمح للأسرة البديلة استعادة أموال دفتر التوفير الذي تم فتح حسابه كشرط من شروط احتضان الطفل بمبلغ 3 آلاف جنيه (191 دولارا أميركيا)، ولا يتاح التصرف في الأموال إلا بعد أن يصل الطفل لسن الرشد.
ولم يكن التعاطف فقط هو سيد الموقف بعد انتشار فيديو دحروج عن التخلي عن أطفال الاحتضان، لكن سادت حالة من اللوم لأصحاب فكرة الترويج للاحتضان عبر مسلسل "ليه لأ" الذي قامت ببطولته الفنانة منة شلبي، وظهرت فيه شخصية الطفل المحتضن بصورة تكاد تكون ملائكية لا تمت للواقع بصلة، وهو الأمر الذي جعل طلبات الاحتضان تتضاعف بحسب تصريحات وزارة التضامن وقتها، وبعد شهور يظهر الوجه الآخر للتعاطف ويعيش الأطفال حالة من الرفض لا يمكنهم تجاوزها بسهولة.
منة شلبي والطفل سليم بطلا مسلسل "ليه لأ" (مواقع التواصل الاجتماعي)
"متلازمة التخلي"، هي الحالة التي تصيب الطفل في حال فقدان أحد والديه أو كليهما سواء بالوفاة أو الانفصال، وتحدث بشكل أكبر في حالات الأطفال الأيتام، وتأثيرها ممتد على حياة الطفل وسلوكه لفترات طويلة، وربما تستمر معه طيلة حياته.
في تعريف المتلازمة كتب الطبيب النفسي تيموثي ليج -الحائز على الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي من جامع كاليفورنيا- أن أعراض المتلازمة تبدأ في المراحل الأولى من العمر بأعراض جسدية، لا سيما أن تلك المرحل لا يستطيع الطفل فيها التعبير عن مشاعره وعواطفه بشكل جيد، فتظهر المتلازمة على شكل مشاكل في الكلام، أو رفض للطعام، أو مشاكل في النوم والصحة العامة، وتأخر في التطور الحركي والجسماني للطفل، يصحبها حالة التصاق مع الأشخاص القريبة منه.
ويؤكد البروفيسور الأميركي أن أطفال التبني تزداد لديهم أعراض متلازمة التخلي، إذا ما تعرضوا لحالة الفقد مرتين؛ الأولى في الأسرة البيولوجية، ثم التخلي الجديد في الأسر البديلة، وهو ما يسبب لهم انتكاسة كبيرة قد تؤثر على رغبتهم في الاستمرار بالحياة، لكونهم يعتقدون أنهم ليسوا أهلا للحب وغير مرغوب فيهم، وحينها يزداد لديهم السلوك العدواني ونوبات الغضب، ومشاكل الصورة الذاتية، والانسحاب من الحياة، وصعوبات النوم والكوابيس وأحلام اليقظة التي يهربون فيها من واقعهم المأساوي بتخيل واقع آخر لا يتخلى فيه عنهم أحد.
مبادرة جديدة لدعم الأطفال المحتضنين (مواقع التواصل الاجتماعي)
محاولات البعض في الدفاع عن الآباء المحتضنين الذين تخلوا عن أطفالهم وإعادتهم لدور الرعاية بدعوى أن الآباء الطبيعيين يقومون بذلك أيضا وأن الهجوم عليهم مبالغ فيه؛ لاقت هجوما شديدا من مجموعات دعم الاحتضان.
واعتبرت الطبيبة النفسية دوللي زكي أن دوافع التخلي لدى الآباء المحتضنين من المفترض أن تكون منعدمة لأن قرار الاحتضان يسبقه التفكير العاقل المطول، ولا تتحكم فيه الغريزة والرغبة في استكمال الشكل الطبيعي للحياة الزوجية بإنجاب أطفال.
وأضافت زكي للجزيرة نت أن الأسرة البديلة تحصل على دعم نفسي وتوعوي أكثر مما يحدث في الأسر الطبيعية، وذلك لدعم الأم والأب نفسيا وتهيئتهما للتعامل مع الطفل في جميع أحواله وتقلباته.
وتابعت زكي أن الطفل الذي يتم التخلي عنه يصبح من الصعب عليه أن يتقبل أسرة جديدة، كما أنه لا يستطيع تقبل العودة لحياة الدار من جديد، ويقع ضحية لصراع طويل المدى لا ينتهي إلا بحصوله على حب وقبول غير مشروط.
وترى زكي أن الفكرة التي نادت بسن قوانين تمنع تخلي الأسر المحتضنة عن الأطفال غير مجدية لأن البديل حينها "سيكون إيذاء الطفل"، وختمت بقولها "لا يمكن إجبار أحد على الحب".