الألغاز في الشعر الشعبي العراقي
يحفل الشعر الشعبي وخاصة الأبوذية العراقية.. بالكثير من الألغاز التي أطلقها الشعراء بمناسبة او بدونها.. ليعززوا ثقتهم بأنفسهم اولا وليطلقوا العنان للمفردات لتأخذ مساحة اكبر في التعبير عن مكنونات ألأدب الشعبي وقدرته الواسعة في التعامل مع مختلف القضايا... ولا بد أن نتعرف على هذا النوع من الألغاز التي تضمنتها ابيات من الأبوذية وهي إما لشعراء مجهولين او أنها لشعراء عرفوا بباعهم الطويل في كتابة الشعر او أنهم اطلقوا تلك الألغاز للدلالة على أن الشعر الشعبي يصلح لكل شيء ولا تنقصه القدرة على أن يكون لغزا او نصيحة او نقدا بناء او مدحا او رثاء او اي شأن آخر.
قال الشاعر الشعبي... المرحوم زاهد محمد.. في هذا الإطار..هذا البيت من الألغاز والذي سمعته منه في العام 1959م... عندما كان يقدم برنامج "الشعر الشعبي " من إذاعة بغداد وما زال عالقا بذاكرتي..كما حفظت الإجابة ايضا:
شنهو: الما عرف دنيه ولا دين؟
وشنهو: اللا رجل عنده ولا دين؟
وشنهو: بالسنه يولـد ولا دين؟
وشنهو: المـا ينـام إلا بتچيه؟
وطبعا سيأتي الجواب من احد الشعراء المغمورين... لأن الشاعر.. وعندما يطلق اللغز.. تصبح الإجابة شأن الآخرين الذين يقرأون اللغز ويستهويهم ويجلب إنتباهم ويتفاعلون مع أبجدياته.. وهكذا جاءت الإجابة على لسان شاعر مجهول:
الجاهل: ما عـرف دنيا ولا دين
الحية: لا رجل عدها ولا دين
النعجـة: بالسنة تولد ولا دين
الفيـل: المـا ينـام إلا بتچية
شاعر آخر.. اطلق لغزا مشحونا.. بمفردات ليست غريبة... لكنها محبوكة بطريقة فنية واضحة ويعسر فهمها لمن لا تستهويه هذه المفردات ذات النكهة البدوية المحببة:
شنهـو: البثلث عشرات بشـر؟
وشنهو: المفتن المخلوگ بالشر؟
وشنهو: الما تنشفه الشمس بالشر؟
وشنهو: بكل وكت روحه طريه؟
ولا شك أن الجواب سيأتي على لسان شاعر آخر لا تنقصه الهواية او الدراية والدربة.. أما إذا إستعصى الأمر ولم تحصل إجابة فإن الشاعر مضطر للإجابة على هذا اللغز... وهكذا كانت ألإجابة:
البـدر: البـثلث عشرات بشر
إبليس: المفتن المخلـوگ بالشر
الدهن: الما تنشفه الشمس بالشر
الجراد: بكل وكت روحه طريه
الشاعر حسين العبادي أحد أشهر شعراء سوق الشيوخ وتنسب له الأبوذية... أرسل لغزا الى الشاعر حسين الكربلائي.. والذي عاصر الشاعر العبادي وحصلت بينهما الكثير من السجالات.. هذا نصه:
شنهو: اللي يون دايـم بلا روح؟
وشنهو: الفاحت إرياحه بلا روح؟
وشنهو: المرعب الوادم بلا روح؟
وشنهو: المـا ينام ألا بتچيـه؟
فجاء الجواب من الشاعر حسين الكربلائي الذي كانت له صلة وثيقة وعلاقات حميمية مع الشاعر حسين العبادي:
الـهوا: اللي يون دايـم بلا روح
الـورد: الفاحت إرياحـة بلا روح
الصراط: الـمرعب الوادم بلا روح
الفيـل: الما ينـام الا بتچيـه
ويعود الشاعر حسين العبادي مرة أخرى ليطلق هذا اللغز الذي يعبر عن وجهة نظر الشاعر وعن بيئته وزمانه..
شنهو: اللي على المخلوگ داره؟
وشنهو: الباع بزره وسكن داره؟
وشنهو: المـا يعيش بغير داره؟
وشنهو: بغير دم روحه طريه؟
وكان الجواب ايضا من الشاعر حسين الكربلائي..
الگـمر: اللي على المخلوگ داره
العبـد: الباع بزره وسكن داره
السـمچ: الما يعيش بغيـر داره
الجـراد: بغير دم روحه طريه
ومن الطريف أن الشاعر حاج زاير اطلق هذا اللغز الذي نثبته في أدناه.. لكنه بقي لغزا حتى هذه الساعة حيث لم نعرف إجابة له.. وما زال اللغز محفورا في ديوان الشاعر حاج زاير الذي اصدره الشيخ محمد باقر الأيرواني:
نجم ساري بأثر ساري بسنداي
عگرب بالسره إنساري بسنداي
صرت إنگيط ومعلگ بسنداي
لا ني للسـما ولا للـوطيه
وهذا اللغز ورد في كتاب الباحث الدكتور هاشم الفريجي ، لكنه لم يورد إجابة حوله...
ثلاثة والثـلاثة بأسم واحد
وواحد ما يعرف إهموم واحد
واحد بالسما وبألأرض واحد
وواحـد غاد بديار الوطية
وقد حاولت أن اصيغ إجابة لهذا اللغز إستنادا لما أوضحه الدكتور هاشم الفريجي.. وقد كانت كما مثبت في هذا البيت من ألبوذية:
المـوازين الثلاثة بأسم واحد
ميزان ألأرض معروف واحد
ومـيزان السما واللحد واحد
وثلاثتهن غـدا يمشن سويه
وليس ميسورا للباحث ان يحتوي كل ما ورد من الغاز لشعراء شعبيين أرادوا ان يصبح الشعر الشعبي ميدانا واسعا يتسع لكل شيء ولا تعوزه القدرة ولا يبخل ديوانه عن إستقبال كل الوان ألأدب الشعبي