نحن نبكي على الإمام الحسين (عليه السلام) لأننا في الدنيا ولسنا في الآخرة ، والدنيا تختلف عن الآخرة ، وخلط النعيم الأخروي مع النعيم الدنيوي نوعٌ من أنواع الشرك بالله تعالى ؛ لأنّ نعيم الدنيا يختلف تماماً عن نعيم الجنّة ولا يساوي عند الله جناح بعوضة من نعيم الآخرة السرمدي ، ولا يصحّ أن نطلق كلمة "نعيم" للدنيا والصحيح هو أن نقول "متاع الدّنيا" ؛ لأنّه قليل جداً لا يمكن مقارنته بنعيم الآخرة ، كما أنّه يكاد لا يخلو تقريباً من المحظورات والمكروهات فضلاً عن العلل والأسقام المصاحبة . أمّا النعيم الأخروي فهو طيّبٌ وطاهرٌ تماماً ، وهذا النعيم الأخروي جزاءٌ حصل نتيجة العمل الصالح في الدّنيا ، وطبعاً هو من حقوق الإمام الحسين (عليه السلام) جزاء تضحياته العظيمة لدين الإسلام .
كما أنّ الحسين (عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنّة ، وهو إمامٌ رشيدٌ مسؤولٌ عن شيعته ومحبّيه ، فهو الإمام المسؤول عن إعداد الجنان للمؤمنين وتجهيز النعيم فيها من بعد أبيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قسيم الجنان والنيران ، وأُمّه الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام) نور السماوات ، وجدّه مُحمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نور العرش . فهم (عليهم السلام) قادة الأرض والسماوات ، وبدورنا نحن ملزمون بطاعتهم لنيل رضاهم وشفاعتهم . وعزاء الشيعة مواساةً لهم (عليهم السلام) لأنّهم أحياءٌ ولكن لا نشعر بهم ، وهم يرون ويطلعون على أعمال المسلمين ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 105.]
وقد تعلّم الشيعة من عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) أموراً كثيرةً ، فمن كربلاء تعلّمنا إباء الضيم والظلم والشهامة والشجاعة وحرية الرأي والفكر والتنفر من الأخلاق الدنيئة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والوقوف مع الحق والتضحية بكل شيء من أجله . كما أنّ في العزاء إذعان بطاعة صاحب أمرهم وقائمهم إمامنا الحجّة بن الحسن المهدي (عجّل الله فرجه) ، فلو لا وجوده المبارك في الدّنيا ما كان للشيعة عزاءٌ في الأرض للحسين أبداً . والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يحضر المواسم ويشهد المناسبات كما في رواية الإمام الصادق (عليه السلام) :
«إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ لَشَبَهاً مِنْ يُوسُفَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)» . فَقِيلَ لَهُ : كَأَنَّكَ تَذْكُرُهُ حَيَاتَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «وَمَا يُنْكِرُ هَذَا الْخَلْقُ الْمَلْعُونُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ مِنْ ذَلِكَ ؟! إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا عُقَلَاءَ أَلِبَّاءَ أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ وَخَاطَبُوهُ وَتَاجَرُوهُ وَرَادُّوهُ ، وَكَانُوا إِخْوَتَهُ وَهُوَ أَخُوهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ وَقَالَ لَهُمْ أَنَا يُوسُفُ فَعَرَفُوهُ حِينَئِذٍ ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمُتَحَيِّرَةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُرِيدُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ ، لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ مَكَانَهُ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَاللَّهِ لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَوُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلَى مِصْرَ ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحُجَّتِهِ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ ؟ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُكُمُ الْمَظْلُومُ الْمَجْحُودُ حَقُّهُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمْ وَيَمْشِي فِي أَسْوَاقِهِمْ وَيَطَأُ فُرُشَهُمْ وَلَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسَهُ ، كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ حَتَّى قَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ؟! قَالَ أَنَا يُوسُفُ» . (الكافي : ج1، ص337. | غيبة النعماني : ص163. | بحار الأنوار : ج52، ص154.)
وفي بعض الروايات تقول أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يزور قبور المعصومين (عليهم السلام) ويحجّ في كل سنة بطي الارض ويحضر مسجد السهلة والكوفة والقدس . ويحضر مجالس العزاء المخلصة والصادقة التي تقام لذكر آبائه (عليهم السلام) بما فيها مجالس الإمام الحسين (عليه السلام) . ويقول السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قُدّس سره) : «أنا سمعت عدد من الخطباء يقسم أنّ الزهراء (عليها السلام) حاضرة في هذا المجلس» ، فالمعصومون (عليهم السلام) لا يحضرون إلّا مع الإخلاص الكامل والنيّة الطاهرة لدى صاحب المجلس . وقصص الرواديد وأصحاب مجالس الحسين (عليه السلام) كثيرة في نيلهم بركات أهل البيت (عليهم السلام) ، وأنّهم قد رأوا الإمام الحسين (عليه السلام) أو الزهراء (عليها السلام) في منامهم تبشرهم وتواسيهم جزاء قيامهم لمجلس العزاء .