وماتَ أبي... مضى بالأمسِ مسكوناً بحسرتهِ ومطعوناً بغربتهِ ومنفياً... بلا سببِ ومنسيّاً بأرضِ اللهِ ضمَّت كفُّه تيهاً.. وأوجاعاً وأحزاناً لمغترِبِ *** وماتَ أبي... نعم.. بالأمسِ ماتَ أبي وخلّى ذكرياتِ العمرِ ملءَ الروحِ كاللهبِ وخلّى لي مواجعَهُ.. وأدمعَهُ وشَالَ طفولتي معَهُ وألقاني بلا قصدٍ إلى اللاشيءَ يرحل بي مضى وكأنه حلمٌ نقيٌّ في المدى أبحر ولم يشكُ انكسارَ القلب في المنفى ولم يضجر ولم يرمِ الليالي السودَ بالعتبِ مضى لَبِقاً كعادته بلا صوتٍ.. ولا صَخَبِ *** وماتَ أبي... نعم.. بالأمسِ ماتَ أبي وغابت في ملامحه حكاياتٌ ترود شواطئ التعبِ وكنا حين نسمعها عصافيراً تنقِّر من مواجعهِ وتشرب من مدامعهِ وتسكن حين يغفو الليلُ.. في الأحلامِ والهُدُبِ فأين أبي .. يعيد لنا حكايته..!؟ يكرّرها ونعشقها وتدعونا إلى العَجَبِ فما زلنا بغيبتهِ عصافيرًا تفتش عن حكايتهِ لتبنيَ مِنْ تصوِّرِها لها بيتاً على السُّحبِ *** وماتَ أبي... إذاً.. بالأمسِ ماتَ أبي ومدَّ الموتُ أشرعةً لريحِ الحزنِ تعصف بي وأمسِ رأيته في الحُلمِ إذ أغفيتُ من تعبي تهادت من جروح الروح لهفته وضمتني ابتسامته وقالت: يا شقيَّ الوهمِ.. لا تحزن فإنَّ أباك لم يَغِبِ
ياسر محمود الأقرع