رفع الظلامة عن أبي عبد الله الحسين
حليمة بن علي عطاء٢٣/ 8 / 2021م - 1:41 م
لماذا لم يطلب الإمام الحسين رفع مظلوميته ودفعها عنه في يوم عاشوراء؟!
ولد الإمام الحسين في بيت الوحي والرسالة ومهبط الملائكة وفي بيت الطهر والعفاف والتسبيح والتهليل وهو الذي سماه المولى الجليل وناغاه ميكائيل.
فهاهو الإمام صاحب العصر يسلم عليه في زيارة الناحية المقدسة بقوله: «السَّلامُ عَلى مَن طَهَّرَهُ الجَلِيلُ، السَّلامُ عَلى مَنِ افْتَخَرَ بِهِ جِبرائِيلُ، السَّلامُ عَلى مَنْ نَاغَاهُ فِي المَهْدِ مِيكَائيلُ»
فيالعظمة هذا العزيز ابن العزيز!
وكفى بنا أن نعلم هذا الجزء من قول الإمام المعصوم الإمام لنعي أن هذا الرجل ليس بإنسانٍ عاديّ.
وحين نقرأ سلام الإمام الصادق على جده في زيارة وارث
«السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ إِبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُوسى كَلِيمِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ عِيسى رُوحِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ مُحَمَّدٍ المُصْطَفى، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ عَلِيٍّ المُرْتَضى، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ فاطِمَةَ الزَهْراءِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ خَدِيجَةَ الكُبْرى»
نجد من هو وريث الأنبياء!
وعندما يكون لدينا وريثا للأنبياء كالحسين ابن علي عليهما السلام
فهل ولادته كانت عادية؟!
لا والله، بل نشهد بما شهد به مولانا الإمام جعفر الصادق روحي فداه في قوله:
«يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الأَصْلابِ الشَّامِخَةِ وَالأَرحامِ المُطَهَّرَةِ لَمْ تُنَجِّسْكَ الجاهِلِيَّةُ بِأَنْجاسِهَا وَلْمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّاتِ ثِيابِها»
إذا
رجلا كهذا
وابنا كهذا
ووريثا كهذا
أيعجزه أن يدعو الله عز وجل أن يرفع عنه ابتلاء يوم كربلاء وسبي النساء؟!
أو يعجزه أن يدعو على القوم الظالمين في إحدى صلواته التي كان يصلي خلفه ملائكة السماء والأرض بل والحجر والمدر؟!
وتكفينا صلاته في ظهر يوم عاشوراء والسهام تتراشق عليه!!!
أو على الأقل حين رأى ابنه شبيه رسول الله في الخَلقِ والخُلُق - الذي كان يستأنسُ برؤية رسول الله فيه - حينما كان يقاتل والعطش يفتك به ثم يُقتل على أيدي الظالمين؟!!!
أو حين رأى سكينة ورقية والأطفال يتوسلون به لشربة قطرة من الماء؟!! أو حين قُتل طفله الرضيع بسهم في منحره على يديه؟!!!
أو حين انكسر ظهره على قتل أخيه وحامل لوائه أبي الفضل العباس؟!
تُرى لِمَ لم يحمل كَفَّيه الكريمتين نحو السماء ليدعو عليهم بأن تنزل صاعقة من السماء عليهم فتجعلهم صرعى كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية!!
وهذا أقل ماقد يحدث لهم، كما فعل قبله الأنبياء والصالحين!
والأعجب والأَمَرُّ حين كانت تطأه الخيول قبل أن تخرج روحه الزكية النقية الطاهرة الكريمة إلى بارئها كان يرمي طرفا بعينيه الكريمتين نحو عائلته ولم ينادِ الله بهلاك هؤلاء الظالمين المجرمين المتشفين فيه وفي أبيه!!!
مولاي!
«أَنْتَ مُقَدَّمٌ فِي الْهَبَوَاتِ، وَمُحْتَمِلٌ لِلْأَذِيَّاتِ، وَقَدْ عَجِبَتْ مِنْ صَبْرِكَ مَلَائِكَةُ السَّمَاوَاتِ.
وَأَحْدَقُوا بِكَ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ، وَأَثْخَنُوكَ بِالْجِرَاحِ، وَحَالُوا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الرَّوَاحِ، وَلَمْ يَبْقَ لَكَ نَاصِرٌ، وَأَنْتَ مُحْتَسِبٌ صَابِرٌ، تَذُبُّ عَنْ نِسْوَتِكَ وَأَوْلَادِكَ.
حَتَّى نَكَسُوكَ عَنْ جَوَادِكَ، فَهَوَيْتَ إِلَى الْأَرْضِ جَرِيحاً، تَطَؤُكَ الْخُيُولُ بِحَوَافِرِهَا، وَتَعْلُوكَ الطُّغَاةُ بِبَوَاتِرِهَا، قَدْ رَشَحَ لِلْمَوْتِ جَبِينُكَ، وَاخْتَلَفَتْ بِالانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ شِمَالُكَ وَيَمِينُكَ، تُدِيرُ طَرْفاً خَفِيّاً إِلَى رَحْلِكَ وَبَيْتِكَ، وَقَدْ شُغِلْتَ بِنَفْسِكَ عَنْ وُلْدِكَ وَأَهْلِكَ، وَأَسْرَعَ فَرَسُكَ شَارِداً، وَإِلَى خِيَامِكَ قَاصِداً، مُحَمْحِماً بَاكِياً»
أليست دعوة المظلوم تخرق حجب السماوات والأرض كالرصاصة فتستجاب سريعا لتهوي على رأس الظالم فتقتص بحق المظلوم منه بعدلٍ سماويّ؟!
ونحن نعلمُ يقينا أنه طاهرُ مُطَهَّر لا توجد أي حجب لأدعيته ونداءاته!
بل إن الله لم يخلق سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا تجري ولا بحرا يجري إلا لأجلهم وفي محبتهم!
ولكن!
حين نجد هذا التسليم والقوة والبسالة ورباطة الجأش وتحمله لكل هذا الأذى الوحشي الظالم الغاصب، نعلم يقينا أنه لم يكن جُلَّ همِّه إلا هداية القوم لا عذابهم أو ضلالهم، حتى وهو في آخر لحظة من حياته!
ولم يفعل ذلك إلا لحبه لله ولطاعته لله ولذوبانه في عشق الله، بل كان راضيًا مُسَلِّما!
حينما قال «إلهي رضا بقضائك وتسلميا لأمرك، لا معبود لي غيرك».
ودَلَّ على طريق هذا الحب الحقيقي مناجاته في هذه الواقعة الخالدة:
تركتُ الخَلْقَ طُرًّا في هواكَ
وأيتمتُ العيال لكي أراكَ
لئِن قطَّعتني في الحبِّ إربًا
لمَا مالَ الفؤادُ إلى سواكَ
ف «أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْعُدْوَانِ، وَأَطَعْتَ اللَّهَ وَمَا عَصَيْتَهُ، وَتَمَسَّكْتَ بِهِ وَبِحَبْلِهِ فَأَرْضَيْتَهُ، وَخَشْيَتَهُ وَرَاقَبْتَهُ وَاسْتَجَبْتَهُ، وَسَنَنْتَ السُّنَنَ، وَأَطْفَأْتَ الْفِتَنَ، وَدَعَوْتَ إِلَى الرَّشَادِ، وَأَوْضَحْتَ سُبُلَ السَّدَادِ، وَجَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ الْجِهَادِ.
وَكُنْتَ لِلَّهِ طَائِعاً، وَلِجَدِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ تَابِعاً، وَلِقَوْلِ أَبِيكَ سَامِعاً، وَإِلَى وَصِيَّةِ أَخِيكَ مُسَارِعاً، وَلِعِمَادِ الدِّينِ رَافِعاً، وَلِلطُّغْيَانِ قَامِعاً، وَلِلطُّغَاةِ مُقَارِعاً، وَلِلْأُمَّةِ نَاصِحاً.
وَفِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ سَابِحاً، وَلِلْفُسَّاقِ مُكَافِحاً، وَبِحُجَجِ اللَّهِ قَائِماً، وَلِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ رَاحِماً، وَلِلْحَقِّ نَاصِراً، وَعِنْدَ الْبَلَاءِ صَابِراً، وَلِلدِّينِ كَالِئاً، وَعَنْ حَوْزَتِهِ مُرَامِياً، وَعَنْ شَرِيعَتِهِ مُحَامِياً.
تَحُوطُ الْهُدَى وَتَنْصُرُهُ، وَتَبْسُطُ الْعَدْلَ وَتَنْشُرُهُ، وَتَنْصُرُ الدِّينَ وَتُظْهِرُهُ، وَتَكُفُّ الْعَابِثَ وَتَزْجُرُهُ، وَتَأْخُذُ لِلدَّنِيِّ مِنَ الشَّرِيفِ، وَتُسَاوِي فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ»
فأيُّ عبدٍ حر وأيُّ حبيبٍ أنت ياحسين؟