اليوم ..
انتهت فصول جانب من معركة ..
هي الأهم من بين كل معارك العزة والفخر ..
* - انتهت منازلة السيوف التي صممها فارسها بأبدع مايكون ..
صممها بحيث تجيب عن كل أسئلة الثوار عبر التأريخ ..
* - اليوم أرتوت أرض كربلاء من دماءٍ ليس على وجه الكون
ما هو أطهر وأنبل وأقدس منها ..
* - وكربلاء أرض أُختيرت بدقة لإيصال رسالة ..
رسالة لم تُكتب بحبر ..
بل كتبتها دماءٌ زاكية وأشلاءٌ مُقَطّعة وقيم فروسية ..
ورسائل الدماء والأشلاء عصيةٌ على التزييف ..
وقيم الفروسية تنقلها ألسن حتى الخصوم ..
* - وأبو عبد الله خطط ايضاً لما بعد الدماء والأشلاء ؛
لكي لا يُعتّم على ما حصل على صعيد كربلاء ..
* - ولم يترك صاحب النهضة هذه الصفحة المهمة لِتُكتب بيد عابثين ..
بأقلام جبانة او مرتشية ..
لم يتركها لمؤرخي السلاطين ..
* - لذلك خطّط أنْ تكون رايتها بيد أمينة ..
ولسانٍ تربى بين وحي الرسالة ونهج البلاغة ..
سلّم رايتها لأخته لمناسبة المرحلة والظرف لقيادتها ..
* - وهذا هو سبب إصطحابه لأخته معه ..
هذا الأخت قد تركت بيتاً وزوجاً ..
ولا تفسير لذلك سوى أنَّ وجودها مع الركب كان مخططاً له من الأول ..
وهي تعرف ذلك ..
* - وليست القضية أنّها لم تأت إلّا بكفالة وتعهد ..
او أنها لم تكن بإمكانها البقاء في المدينة لرحيل أهلها !
زوجها ، عبد الله بن جعفر الطيار موجود ..
وبعد خروج الإمام من مكة لحق به حاملاً رسالة أمان من واليها ،
لإقناع أبي عبد الله بالرجوع ، وأرجعه الإمام برسالة
اذن فهي صاحبة دور ورسالة ..
وكان دور الإبن المعصوم في هذه المرحلة الرعاية والتدخل حينما يقتضي الأمر ..
إنّها زينب ..
بنتُ عليٍّ والزهراء ..
وحفيدةُ الرسول محمد ..
شريكةُ أخيها في الثورة ..
كيف ولماذا ؟؟
* - كثير من الثورات كُسرت لأنها انتهت بكسر
وتنازل وخضوع الثوار أو أتْباعِهِم لجبروت الطغيان !
* - من هنا كانت وصية الإمام لعياله :
( ... لاتقولوا بلسانكم مايُنْقص قدركم ) .
* - ولأنَّ العائلة المباركة تدرك تاريخية الثورة ، ومغزى هذه الوصية ..
كان صمودها تاريخياً مُلهماً ..
فأمعنتْ في الصمود ، بل والقتال بعده بضراوة ..
في لحظة غربة قاسية ..
طلب الحسين الوحيد لحظتها ، أن يُقدَم له جواد الموت !
تُرى مَن يمتلك قلباً مُدْرِكاً لعظيم التضحية لِيَفْعَلَها ؟؟!
أنها زينب !
فقط بنت عليٍّ وحدها ..
هي التي قدًمتْ جواد المنية لأخيها !
لماذا ؟؟
- هل هي قسوة ؟؟
كيف وهي التي قالت لأبن زياد في زفرةِ لوعة :
( لعمري لقد قتلتَ كهلي [ اي سيد بني هاشم ] ، وأبّدَتَ أهلي [ أخوتها ] ،
وقطعت فرعي [ أبناءها وأبناء أخوتها ] ،
واجتثثت أصلي ، فإنْ يَشْفِكَ هذا فقد اشتفيت ) ..
- اذن ليس ذاك إلا إدراكاً عميقاً لمضمون النهضة ..
ذلك المضمون الذي عجزت عن فهمه
حتى عِلْية القوم ممَن طلبوا من الإمام القعود !
ثم ..
( اللهم تقبل منّا هذا القربان ) ..
كان هذا وهي لم تزل في ساحة المعركة ..
وأخوتها وأبناؤها وأبناء عمومتها وأنصارهم صرعى ..
ولم يبق لهم من ناصر ..
* - قبل زينب لم يقلها احد ..
واذا كان قد قالها أحد بعدها ؛ فلأنّه قد استلهم العنفوان منها سلام الله عليها ..
* - هي أخت أخيها ..
اذ يصفه أحد افراد جيش العدو :
" ما رأيت مكسوراً [ اي قُتِلَ أهلُ بيته وأنصاره ]
أو مكثوراً قط [ اي تكاثرت عليه الأعداء ]
أربطَ جأشاً من أبي عبد الله " ..
* - ثم مرة اخرى ..
وهذه المرة في الكوفة ..
وقفتْ متحدية كل الجبروت الذي كان يعيش نشوة ما تراءى له أنّه انتصار ..
حينما قال لها : " كيف رأيت صُنْع الله بأخيك ؟؟ " ..
فأجاب كل صوت الثورة والعنفوان والعزة والبطولة والرسالية على لسانها :
( ما رأيتُ إلا جميلاً ) ..
* - ومرة ثالثة في عاصمة الطغيان ..
وفي قصره .. وبين زبانيته ..
قالتها بوجهه :
( كد كيدك ، واسع سعيك ، فوالله لن تمحو ذكرنا ، ولن تميت وحينا ) ..
( لن تميت وحينا ) ..
- هذه هي المسألة ..
وهنا هي القصة والسّر ..
وهذا هو الإنتصار الحقيقي ..
عدم تحقق ما أستهدفه العدو ..
العدو خطط لتزييف المبادئ الحقة ، وأستهدف تحريف الرسالة ..
* - والحسين قبل ذلك قد تحداهم حينما قال :
( ألا ترون أنَّ الحق لا يُعمل به ،
وأنّ الباطل لا يُنتهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّا ) .
* - تحداهم أنكم إنْ كان بإمكانكم أنْ تمنعونا من العيش كما نحب ،
فإنكم لن تمنعونا من الموت كما نريد ..
ثم تحداهم مرات ومرات :
( لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ... )
* - وشريكته في الثورة أعلنتها واضحة صريحة :
( لن تميتَ وحيَنا ) .
وقبلها قالها ابو عبد الله :
( ... وإنْ نُهْزَم فغير مُهَزَّمينا )
يعني : أنّنا وإنْ خسرنا معركة كربلاء عسكرياً ..
لكنّ قيم الرسالة التي أُستُشهدْنا من أجلها لم ولن تَمُتْ ..
وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
وهي ركن أساس في الإسلام ..
قد ترسخت جذورها في ضمائر الأحرار ..
... وسيستمر " يزيد " وأعوانه في حربنا ..
وسنبقى مقاومين ..
رافعين لشعار : ( ... هيهات منّا الذلّة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ...
وأُنوفٌ حمية ، ونفوسٌ أبية ، من أنْ نُؤْثِرَ طاعة اللئام على مصارع الكرام ) .
عظم الله أجوركم اخوتي واخواتي جميعاً
11- محرم - ١٤٤٣هـ
مما راق لي