عاشوراء الإمام الحسين (ع)
عبد الرزاق الكوي 19 / 8 / 2021م - 10:39 ص
لم تكن الساعات الأخيرة من اليوم العاشر من محرم الحرام عام 60 للهجرة النهاية لكوكبة من أزكى خلق الله تعالى ونهاية معركة انتهت وأصبحت ماضي، بل بداية نور انطلق لينير سماء الإنسانية ويطهر الوجود بسني عطره، انطلاقة لم يخطها قلم ولم ينطقها لسان، كتبت أسطرها بدماء غير الدماء وأنفس غير الأنفس، كتب لهم المجد من أوسع أبوابه والخلود بكل تجلياته، سبقتها سنوات من تربية النفس وعلو الشأن والخاتمة العظيمة، تجسدت واكتملت على أرض كتب لها أن تكون أقدس بقاع الأرض يكفيها أنها ارتوت قطرات من دم الإمام الحسين ، اجتمع معه رهط من أفضل من هم على البسيطة، قضوا ليلة العاشر من محرم بين الصلاة والدعاء والمناجاة والتسبيح خلية نحل تتعالى أصواتهم، إيمان سكن القلوب فكان اليقين الراسخ أعظم من الجبال شموخا وتماسكا، الاستعداد على أتمه والاستبشار بالفوز النهائي في الدنيا وعلى وعد بالفوز الأعظم والأشمل تحت راعى المصيبة الرسول ﷺ، قسمت رايات الحق رايات الرسول ﷺ وما أعظمها من رايات العزة والكرامة، أعطيت الميمنة إلى البطل زهير بن القين صاحب المنطق الرصين والكلام الحكيم، والميسرة إلى قارئ القرآن الكريم الصحابي الجليل ومن الموالين والتابعين إلى أمير المؤمنين حيث خصه بالرعاية وشاركه في جميع حروبه وبشره بالشهادة على أرض كربلاء المقدسة، في شهادة من أعظم وارفع الشهادات، وأعطى الإمام الحسين الراية لقائد جيشه وعمود ظهره قمر بني هاشم العباس بن علي بن أبي طالب، كانت مجموعة من الأبطال الزهاد المتقين وأهل الثبات واليقين، من أصلاب طهرت في مقابل أصلاب خبيثة حل عليها غضب الله تعالى ورسوله ﷺ.
كانت مجموعة خرجت للإصلاح ووأد الفتنة وكشف الزيف الذي أصاب الأمة، مجموعة صغيرة في عددها كبيرة عند الله تعالى، منهم من ينتسب للرسول ﷺ ومنهم من صاحبه وصاحب أمير المؤمنين ، عرفوا مكانة الإمام الحسين وضحوا من أجل الدين وحماية الإسلام والدفاع عن ولي الله على الأرض.
برزوا للقتال كالأسود بعد أن استنفد الإمام الحسين النصيحة للجيش المعادي خوفا عليهم ورحمة بهم أن يدخلوا النار بقتلهم سيد شباب أهل الجنة وحفيد رسولهم المصطفى عرفهم من يكون وهل يحل لهم قتله، وقد سمعوا بمكانته وفضله من رسول الله ﷺ وأنه الثقل الأكبر والباقي من أصحاب الكساء «أيها الناس انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه؟»
لكن غويت القلوب وعميت البصائر واستحوذ حب الدنيا على قلوبهم، قالها الإمام العارف المتيقن لن تهنؤوا من بعد قتلي لا بالري ولا بجرجان أنه عهد معهود إنكم لا تفرحوا بعدي بدنيا ولا آخره، وأن رؤوسكم يتراماه الصبيان بالكوفة، فكان هذا مصيرهم في الدنيا أما في الآخرة خصمهم الصادق الأمين وحبيب رب العالمين.
أغواهم الشيطان الذي سكن الكوفة فكان قرارهم الظالم، قتالا للإمام الحسين وأحفاد رسول الله ﷺ، قتالا من فئة ظالمة كان قرارهم حربا أيسره أن تسقط منه الرؤوس وتطيح الأيدي، نجى من هذا المنحدر الظالم الحر بن يزيد حين عرف أن موقفه بين جنة الإمام الحسين ونار الملعونين ابن سعد والشمر ومن يقف خلفهم، فكان خياره الجنة في لحظات تفكر ووعي، قبل الإمام توبته فكانت الكلمات البلسم من الإمام الحسين أنت حر كما سمتك أمك.
كان قرار الإمام قبل الحرب النصيحة واستنفاد جميع المحاولات عرفهم بنفسه وهم العارفون به.
فكان القرار الشجاع بعد النصيحة من قبله وأصحابه عدم التسليم للظالمين:
«لا أعطيهم بيدي إعطاء الدليل ولا أفر فرار العبيد»،
عميت القلوب قبل الأبصار وكانوا بين خيار الجنة والنار فكانت خاتمتهم بئس الخاتمة قتلوا حفيد رسول الله ﷺ وأهل بيته وسبيت بنات الرسول ﷺ، فكان غاية آمالهم أن يشهدوا لهم عند أميرهم من أول من رمى الحسين بسهم ومن روع النساء ومن قطع الرؤوس، تفتخر كل قبيلة بعدد ما تحمل من رؤوس طاهرة وزكية وفي مقدمتها رأس سيد شباب أهل الجنة، رأس قبله وشمه وصدرا ضمه فكسرت تلك الأضلع الطاهرة بخيل الأعوجية، قاله الإمام «أشتد غضب الله على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم».