في إحدى الدراسات حقق الأطفال الوحيدون درجات أقل في التسامح والإيثار والتعاون والمساعدة، لكنهم كانوا الأفضل في اختبارات التفكير الإبداعي.
من المهم أن يعمل الوالدان بجدية أكبر من أجل تعليم أطفالهما الوحيدين المهارات الاجتماعية (بيكسلز)
تنجب الأم الطفل الأول، وقبل مرور عامين، تجده متعلقا بها، ويستجديها من أجل طفل آخر يلعب معه كبقية الأطفال، فتفكر في نصائح الأقارب بضرورة إنجاب طفل آخر، لتنشئة ابن سوي لا يعاني من "متلازمة الطفل الواحد".
تزرع تلك الفكرة في البعض القلق على مستقبل أطفالهم، وتمنح الآخرين رخصة لممارسة الأنانية والتعلق المفرط والعزوف عن مساعدة الآخرين، لكنك قد تندهشين من معرفة رأي خبراء علم النفس حول التأثير طويل المدى لإنجاب طفل واحد، وما يجب عليك مراعاته لتنشئة إنسان سوي.
الطفل الأناني أسطورة أم حقيقة؟
تحدث بعض التأثيرات على سلوكيات الطفل الواحد من بقائه بمفرده كثيرا، وقضاء الكثير من الوقت مع والديه، والشعور بالضغط لتحقيق النجاح، وجذب انتباه الوالدين طوال الوقت، وتلبية معظم احتياجاته ورغباته، لكن تؤكد عالمة النفس بوليت شيرمان على الجوانب الإيجابية لذلك لتطوره المعرفي والاجتماعي نتيجة تطويره لعلاقة أوثق مع والديه أثناء الطفولة والمراهقة واعتماده على النفس أغلب الوقت. فالأبحاث لم تظهر أنه أسوأ حالا من الأطفال الذين يكبرون وسط أشقاء.
ظهرت فكرة "متلازمة الطفل الواحد" أواخر القرن 19عندما استخدم أخصائيا علم نفس الأطفال، جي ستانلي هول وإي دبليو بوهانون، استبيانا لدراسة وتصنيف 200 طفل حسب عدد من السمات، وجاءت النتيجة أن الذين ليس لديهم أشقاء أخلاقهم سيئة ويعانون من ضعف إدراكي ومعرفي.
تعززت تلك النتيجة بحقيقة أن أسر الطبقة المتوسطة كان لديها عدد أقل من الأطفال بسبب الفقر، أما الطبقات العليا في المجتمع فكانت تخشى من زيادة عدد أطفال الطبقة الدنيا، ولهذا كانت محبة للإنجاب، وتم وصف الدراسة لاحقا بالمعيبة والمتحيزة ضد الطبقات الفقيرة، ولم تخرج للنور منذ ذلك الوقت نتيجة مماثلة لها.
في السنوات اللاحقة بدا أن الخصائص السلوكية للأطفال الوحيدين أو الذين لديهم أشقاء لا تختلف، بل كان الاختلاف الوحيد هو تمتع الطفل الواحد بعلاقة أقوى مع والديه مقارنة بالآخرين، وظهر ذلك لأول مرة في مراجعة لأكثر من نتائج 200 دراسة عام 1986، ثم تأكدت الفكرة لاحقا.
قد يتمتع الطفل الوحيد بعلاقة أقوى مع والديه مقارنة بالآخرين (شترستوك)
كيف يختلف الطفل الواحد عن البقية؟
خاضت الصين تجربة الطفل الواحد لأكثر من 3 عقود، لأسباب تنموية، لكن كان للبحث حول جودة العلاقات بين الوالدين والطفل الواحد رأيه الخاص؛ نشر معهد دراسات السكان والتنمية بجامعة شيان الصينية نتيجة دراسته لعام 2014، بعد إجراء مسح بين طلاب المدارس الثانوية، واكتشف الباحثون أن الطفل الواحد يتمتع بعلاقة أقوى وأعمق مع والديه مقارنة بالآخرين، بما في ذلك الطفل البكر، والعائلات التي لديها طفلان فقط.وفحصت دراسة أخرى، بقيادة عالم النفس الصيني جيانغ كيو، من جامعة ساوث ويست في تشونغتشينغ، 3 مجموعات من الأطفال الوحيدين والأطفال البكر وأطفال لديهم أشقاء أكبر سنا، لقياس أبعاد شخصيتهم ونموهم الإدراكي.
حقق الأطفال الوحيدون درجات أقل في التسامح والإيثار والتعاون والمساعدة، لكنهم كانوا الأفضل في اختبارات التفكير الإبداعي. على سبيل المثال، كانوا أكثر قدرة على حل المشكلات بطرق أكثر إبداعا، وتميز تفكيرهم بمرونة وسعة حيلة، وفسر الباحثون ذلك بأن الأطفال الوحيدين يضطرون في كثير من الأحيان للاعتماد على أنفسهم في سن مبكرة.
كان من المدهش ما كشفت عنه نتائج الرنين المغناطيسي عن اختلاف بنية الدماغ بين الأطفال، فطوّر الوحيدون منطقة قشرية مرتبطة بالإبداع والخيال، ومنطقة مرتبطة بالذكاء، لكن الباحثين اكتشفوا عدد خلايا أقل في المنطقتين بدماغ الأطفال الذين لديهم أشقاء.
واحدة من الإيجابيات الأخرى لتنشئة طفل واحد هي الاعتقاد السائد بأن تنمر الإخوة تجاه بعضهم ظاهرة طبيعية أو غير ضارة، إلا أن هناك أدلة كثيرة على أن تنمر الإخوة يزيد من احتمالات الإبلاغ عن عدد من المشاكل النفسية مرحلة الطفولة والبلوغ المبكر، مثل: الاكتئاب، القلق، إيذاء النفس، اضطرابات عقلية.
يحدث ذلك بسبب شعور الطفل المتنمر بعدم المساواة، وتصوره الخاص عن علاقة الطفل الآخر بالوالدين، فيتبنى سلوك البلطجة لتحسين وضعه.ووفق 4 دراسات أجريت في بلدان مختلفة، عام 2018، فإن معدلات تنمر الأخوة أعلى بكثير من تنمر زملاء الدراسة، ويشارك ما يقرب من 50% من الأطفال في سلوكيات للتنمر تجاه أشقائهم كل شهر، وبين 16% إلى 20% يتعرضون للتنمر أكثر من مرة أسبوعيا.
يواجه الطفل الوحيد بعض الصعوبات بداية المراحل الدراسية
كيف تنشئين طفلا واحدا سويا؟
تترك النتائج السلبية لكون الطفل الواحد وحيدا أثرها الدائم عندما لا تتوفر لديه الفرصة للاختلاط مع أشخاص خارج أسرته، وبالأخص الأطفال الآخرين، وقد يواجه بعض الصعوبات بداية المراحل الدراسية، أو عند الانخراط في الأنشطة الرياضية والاجتماعية. لكنه، وبمرور الوقت، يدرك موقفه ومهاراته ويطور مستوى التأقلم والراحة في مجتمعه الجديد، مما لا يعني بالضرورة ظهور السلوكيات النمطية المعروفة عن الطفل الواحد.
ويصبح الوعي بالجوانب السلبية عند تنشئة الطفل الواحد أحد أفضل الأشياء التي يمكن تنميتها لدى الأسرة والطفل، ويمكن الإدراك أن الميل المفرط نحو الإنجاز والنجاح أن يؤدي إلى الإرهاق والضغط النفسي، كما هو إدراك أن السعي وراء الاهتمام عقبة يجب التغلب عليها، لذلك من المهم السماح للطفل الواحد بتعلم المشاركة والتعاون لحل المشكلات وتشجيعه على اللعب مع الأطفال الآخرين وتكوين فرق متنافسة في سنوات طفولته المبكرة.
ومن المهم أن يعمل الوالدان بجدية أكبر من أجل تعليم أطفالهم الوحيدين المهارات الاجتماعية، وابتكار مناسبات يتعين على الطفل فيها مشاركة ألعابه وكتبه.
خلافا ذلك، فإن توفير بيئة محبة وهادئة يبدو أكثر أهمية من عدد الأطفال في الأسرة، كما أن كل أسرة تختلف عن الأخرى، حتى لو كان هناك طفل واحد فقط في الصورة، وستكون الطريقة التي ينمو بها فريدة بالنسبة له.