عِناقُ الموتِ في ممرات كربلاء!
ليلى الزاهز 18 / 8 / 2021م - 6:56 م
لم يخطر ببالها أنها سوف تعيش أجواء الإِذْلاَل يوما ما، بعد شموخها في كنف والدها، لم تحسب حِساب عِناق أمواتٍ هم الأقرب لقلبها، نظرت إلى جسد أخيها الملقى في رمضاء كربلاء، ورفعت أشلاءه المبعثرة، وشخص بصرها صوب السماء قائلة:
«اللهم تقبل منّا هذا القربان».
كلّما قرأتُ عن السيدة زينب أيقنت أنها ورثت شجاعة والدها حيث قامت شجاعتها الأدبية مقام الشجاعة الجسدية سواءً في كربلاء أم في الشام.
هي امرأة قوية جدا، وخطيبة مفوّهة والتاريخ شهد لها بذلك، وسجل لها مواقفها الارتجالية في أسوأ مواقف حزنها، فما عليك سوى الرجوع لخطب السيدة زينب حتى ترى تلك المرأة الجسور صاحبة الكلمات المدوية!
في خُطبها سيل هادر من الكلمات الكربلائية، وفي صوتها شموخ يستحضر دموع من يسمعها فيضجوا بالبكاء مثلما حدث في مجلس يزيد.
إنني أُبصر حزمَ امرأةٍ قويّة، شديدة البأس، لاشك في قوتها، ولو فرض الجهاد على النساء ما تأخرت السيدة زينب في القتال مع أخيها في كربلاء، فهي حفيدة الرسول الكريم وأخت سيد شباب أهل الجنة، أما والدها فحدّث ولا حرج.
لقد فشل التاريخ في إخفاء بطولاتهم، والباحث المُنصف في سيرة الحوراء سيرى أنها. دكت حصون البغي وشيدت قلاعًا من الصبر، وألجمت ألسن الطغاة.
إنّ السيدة زينب مثال للمرأة الشجاعة الصبورة التي فقدت ذويها وحاربت من أجل ماتبقى منهم،
لقد بذلت أقصى جهدها في جمع النساء والأطفال في الخيم ثم جلست طرف الخيمة تحرسها، وأمرت أختها أم كلثوم بالجلوس في الطرف الآخر لحراسة الأطفال خاصة.
كانت تعمل والحزن ينهك قلبها، تجلت مواقفها البطولية في كربلاء فدلّت على رباطة جأشها. هي بلاشك امرأة ذات إيمان وتقى، تفتقت شجاعتها الأدبية في تلك الخطب الارتجالية التي واجهت بها يزيد وكأنها تتحدث بلسان أمير المؤمنين.
ما أن أسمع خطبها أو أقرأ كلماتها أشعر بفخر جمع النسوة بانتمائهن لزينب عقيلة الطالبيين، وارتجالها في المجالس الأموية أكبر برهان على أنها كربلائية مثل أخيها الحسين، ومناضلة شامخة كالعباس.
وسيرتها في كربلاء تكشف عن امرأة، كأنها لم تُصب بكارثة دمويّة ففي برنامج سيرهم للكوفة مرورهم على مصارع الشهداء الذي كلفهم الكثير من التعذيب النفسي فكلما أبصرت الإمام زين العابدين باكيا ينتحب على مصرع أبيه قالت له:
مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟
ليرد عليها الإمام المكلوم:
كيف لا أهلع ولا أجزع وقد أرى سيدي وإخوتي وأعمامي مصرعين بدمائهم.
حينها وضعت السيدة زينب ختاما لهذا الألم، ختام نرى نوره يسطع عبر الأزمان المختلفة ونرى حقيقته مثل فلق الصباح مجسدا في زماننا هذا، حين قالت:
«لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهورا، وأمره إلا علوا».
لقد جالت قضية الحسين في عالمنا الواسع وشاء الله ألا يقف هديرها منذ قرون عديدة، إلى أن وصلت زمن جدتي التي كانت تقول:
«الحسين غني ويُغني» إلى قلمي الذي يزداد خفقانه بذكر الحسين كي
أراه مرتجزا يخاطب قلبي:
سأكتب إكرامًا لنبضك، ولجرحه المفتوح، فارتعشت أناملي مطرِقة بحيرة بِمَ ستبدأ؟!
⁧قال: سأبدأ بزينب وأختمّ بها.