كان الاقتراب من هاتف المنزل
محظوراً وممنوعا إلا على الأولاد
وإذا رن الهاتف تتعالى أصواتهم بالآمر من بعيد لا احد يرد
فهذا الجهاز الساحر ارتبط بمفهوم الأخلاق والحياء
وكان اقتراب البنات
منه يمثل خروجهن في الشارع دون غطاء رأس
من حيث الجرم والعقوبة
***
في الماضي
كان أقصى ما يمكن أن يشاهده الصغار
في التلفزيون أفتح ياسمسم
والكابتن ماجد و زينه ونحول
وأفضل البرامج في رمضان بابا فرحان
(وفوازير رمضان بعد العصر)
وحلقات الشيخ علي الطنطاوي بعد المغرب
***
في الماضي
كان الأب عملاقا كبيرا ؛.
نظرة من عينه تخرسنا
وضحكته تطلق أعيادا في البيت ...
وصوت خطواته القادمة
إلى الغرفة تكفي لأن نستيقظ
من عميق السبات ونصلي الفجر
***
في الماضي
كانت المدرسة التي تبعد كيلومترين
قريبة لدرجة أننا نتمشى إليها كل صباح
ونعود منها كل ظهيرة، لم نحتج إلى باصات مكيفة
ولم نخش على أنفسنا
ونحن نندس في الحواري
لنشتري شراب الفيمتو المثلج
في أكياس بلاستيكية ونعود للبيت بملابس تبقعت به.
***
في الماضي
لم تكن هناك جراثيم على عربات التسوق
ولم نعرفها في أرضيات البيوت
ولم نسمع عنها في إعلانات التيلفزيون
ولم نحتج لسائل معقم ندهن فيه يدينا كل ساعتين
لكننا لم نمرض.
***
في الماضي
كانت للأم سلطة
وللمعلم سلطة
وللمسطرة الخشبية الطويلة سلطة
نبلع ريقنا أمامها
وهي وإن كانت تؤلمنا
لكنها جعلتنا نحفظ جزء عم
وجدول الضرب
وأصول القراءة وكتابة الخط العربي
ونحن لم نتعد التاسعة من العمر بعد
***
في الماضي
كان ابن الجيران يطرقُ الباب ويقول :
(أمي تسلم عليكِم وتقول عندكم بصل .. طماطم .. بيض .. خبز )
أخوات في الجوار والجدار وحتى في اللقمة
في الماضي
كانت الشوارع بعد العاشرة مساءتصبح فارغة
وكان النساء يمكثن في بيوتهن
ولا يخرجن أبدا في المساء
وكان الرجال لا يعرفون مكانا
يفتح أبوابه ليلا سوى المستشفى والمطار
***
في الماضي
كان الستر في الوجوه الطيبة الباسمة
وكانت أبواب البيوت مشرعة للجيران
والترحيب يُسمعُ من أقصى مكان
والدلة يُشمُّ هيلها في كل حاره
كيف كنا و كيف أصبحنا