الثلاثة السقاؤون
بواسطة : هلال الوحيد
عبد المطلب كان ساقي الحجاج في مكة، والعبّاس ساقي العطاشى في كربلاء وعلي بن أبي طالب يسقي المؤمنين من حوض الكوثر يوم القيامة.
كان في الكعبة غزالان من ذهب وخمسة أسياف، فلما غلبت خزاعة جرهم على الحرم ألقت جرهم الأسياف والغزالين في بئر زمزم، وألقوا فيها الحجارة وطمّوها وعموا أثرها، فلما غلبت قصي على خزاعة لم يعرفوا موضع زمزم وعمي عليهم موضعها، فلما غلب عبد المطلب وكان يفرش له في فناء الكعبة ولم يكن يفرش لأحد هناك غيره، فبينما هو نائم في ظل الكعبة فرأى في منامه أتاه آت فقال له: احفر برة، قال: وما برة؟ ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: احفر طيبة، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال: احفر المضنونة، قال: ثم أتاه في الرابع فقال: احفر زمزم لا تنزَخ ولا تذم لسَقي الحجيج الأعظم، عند الغراب الأعصم، عند قرية النَّمل، وكان عند زمزم حجر يخرج منه النَّمل فيقع عليه الغراب الأعصم في كل يوم يلتقط النَّمل، فلما رأى عبد المطلب هذا عرف موضع زمزم، فقال لقريش: إني عبرت في أربع ليال في حفر زمزم فهي مآثرتنا وعزنا فهلموا نحفرها، فلم يجيبوه إلى ذلك، فأقبل يحفرها هو بنفسه، وكان له ابن واحد وهو الحارث، وكان يعينه على الحفر، فلما صعب ذلك عليه تقدم إلى بابِ الكعبة ثم رفع يديه ودعا الله عز وجل، ونذر له إن رزقه عشرة بنين أن ينحر أحبهم إليه تقربًا إلى الله عز وجل، فلما حفر وبلغ الطوي طوي إسماعيل وعلم أنه قد وقع على الماء كبَّر وكبرت قريش فقالوا: يا أبا الحارث هذه مآثرتنا ولنا فيها نصيب، قال لهم: لم تعينوني على حفرها هي لي ولولدي إلى آخر الأبد.
وعلي هو السَّاقي على نهر الكوثر: لما أنزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله {إنا أعطيناك الكوثر} قال علي بن أبي طالب عليه السلام: يا رسول الله لقد شرف الله هذا النهر وكرمه فانعته لنا، قال نعم يا علي، الكوثر نهر يجري الله من تحت عرشه ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، حصبَاه الدر والياقوت والمرجان، ترابه المسك الأذفر، حشيشه الزعفران، تجري من تحت قوائم عرش رب العالمين، ثمرة كأمثال القلال من الزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر والدر الأبيض، يستبين ظاهره من باطنه، وباطنه من ظاهره فبكى النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه ثم ضرب بيده إلى علي بن أبي طالب فقال: يا علي والله ما هو لي وحدي، وإنما هو لي ولك ولمحبيكَ من بعدي.
أما حكاية العباس بن علي (ع) “أبو قربة” فكانت أجمل الثَّلاث حكايات، لحمله الماء في مشهد الطف غير مرة، وقد سُدّت الجهات على الشَّرائع يوم العاشر من شهر محرم سنة ٦١ هجرية، لكن العبَّاس لم ترهبه الرِّماح المشرعة والسيوف المجردة ولا الخيول المتراصة، وانسابَ نحو الماء، وكان من أمره ما كان!