ولد الثائر الجنرال إحسان نوري باشا سنة 1898, بعدأن أكمل دراسته الاساسية توجه الى الآستانة لاكمال دراسته حيث دخل المدرسة العسكرية وبعد إكمال دراسته نال شهادة التخرج فعيّن برتبة ملازم ثانيٍ في الجيش العثماني. رقي في عهد حكم مصطفى كمال الى رتب أعلى, لكن موقفه تغيّر بعد أن رأى بأُم عينيه بشاعة أعمال الحكومة التركية في اخماد ثورة الشيخ سعيد بيران سنه 1925 واعدام زعمائها الميامين وتدمير معظم قُرى تلك المناطق التي حارب الثوار فيها القوات الحكومية. فأخذ يفكر مع نخبة من الوطنيين الكورد في تأسيس تنظيم سياسي ثوري موحد يأخذ على عاتقه تحرير كوردستان من ربقة الاستعمار والاحتلال وصولاً الى نيل حق تقرير المصير للامة الكوردية, فأسَّسَ مع الأُمراء البدرخانيين والوطنيين الآخرين حزباً قومياً بأسم(خوييبون) أي(الاستقلال) سنة1927 للسعي في سبيل استقلال كوردستان وتأسيس دولة موحدة للكورد.
قرّر حزب(خوييبون) القيام بثورة قومية عارمة ضد سلطات تركيا الكمالية فاختار (الجنرال إحسان نوري باشا) لقيادتها. فهيأ الجنرال منذ ذلك الحين نفسه لتلك المهمة القومية الخطيرة, فوقع اختياره على جبل آكري من جبال آرارات ليكون منطلقاً لقيام تلك الثورة القومية. فجمع حوله نخبة مخلصة من ثوار أشداء،ُ هكذا قامت الثورة العتيدة في خريف سنة 1927 بدأت تلك الثورة بمصادمات محدودة بين الثوار الكورد والقوات التركية من شرطة وجيش وعندما توسعت نشاطات الثوار الفدائيين الكورد, بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة التركية بتمويه الحقائق واظهار تلك الحركة الثورية كأنها حركة تمرد محدودة, فأخذت تنشر دعايات عن إصدار قرار عفو عام عن المتمردين للعودة الى أعمالهم الاعتيادية في مدنهم وقُراهم. لكن لا القائد المحنك الجنرال احسان نوري باشا ولا الثوار الميامين لم يصدقوا بتلك القرارات والوعود الكاذبة واعتبروها خديعة ومؤامرة خبيثة من جانب الحكومة للايقاع بهم في الشَرَك. لذا حصّنوا مواقعهم في الكهوف وشعاب الجبال أكثر, إستعداداً لكل طارىء وجمعوا اسلحة وأعتدة وذخائر كثيرة لمدة طويلة وسيطروا على جميع اُجزاء سلسلة جبل آكري.
لقد كانت الحكومة التركية بعد سحقها لثورة 1925 الكوردية كانت تتوقع قيام انتفاضة أخرى, إلا أنهّا لم تكن تتوقع إندلاع ثورة أُخرى بهذه القوة وهذا التنظيم الجيدّ. فعندما علمت الحكومة حجم وقوة الثوار, قامت بتجهيز جيش مزود باحدث الاسلحة المتوفرة آنداك, تدعمه القوة الجوية الضاربة.
فصعدت تلك القوات الجبل عند جبهات(وان)و(بدليس)و(جبل سبحان) للقضاء على الثوار, إلاّ أن خطة قائد الثورة إحسان نورى باشا قد نجحت عندما أمر الثوار بعدم التصدي للقوات الحكومة الى أن تصل الى أمام فوهات بنادقهم ورشاشاتهم. فتقدم الجنود نحو مواقع الثوار الحصينة المخفية دون مقاومة تذكر. فلما وصلت معظم قواتهم الى مقابل متاريسهم المحصنة عندئذ أمر القائد بضرب قوات العدو المهاجهة بصليات من رشاشاتهم وبنادقهم, فأوقعوا خسائر فادحة في صفوف القوات الحكومية المهاجهة, وأجبرتها على التقهقر والانسحاب الى الوراء.
كانت خسائرالقوات الحكومية حسب الاحصائيات التي أجريت مابين 13 حزيران الى 13 تموز 1930 كالآتي:
بلغ عدد القتلى والجرحى في صفوف قوات الحكومية التركية عدة آلاف جندى وضابط, مع اسقاط 12 طائرة حربية والاستيلاء على 50 رشاشه وثلاثة آلاف بندقية و150 خيمة و 60 ألف إطلاقة و 40 حملاً من الارزاق المؤونات فبعد هذا الاندحار العسكرى الفضيع للقوات الحكومية أخذت القيادة العامّة للقوات المسلحة باستدعاء 5 مواليد لخدمة الاحتياط, فجهزت من خيرة ضباطها وجنودها المدربين تدريباً جيداً, جيشاً قوياً دفعته نحو ساحة المعارك والمواجهة في شعاب وكهوف آكري داغ و حاصرت قوات عسكرية أُخرى المنافذ الخارجية من الجبل حصاراً محكماً.
فقاوم الثوار تلك القوات المهاجمة بكل جدارة وبطولة, فأوقعوا في صفوفها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد, إلاّ أن أسلحتهم وتجهيزاتهم أخذت بالنفاد ولاتصل اليهم إمدادات أُخرى بسبب الحصار المفروض على مواقعهم. فعندئذٍ قرر الجنرال احسان نوري باشا ترك مواقعهم خوفاً من الابادة الجماعية فتسللوا الى داخل حدود كوردستان الايرانية.
فقامت القوات التركية المهاجمة من بعدهم بتدمير مئات القرى الكوردية وقتل أُناس أبرياء بتهمة أنتمائهم للثوار في تلك الفترة العصيبة.
لجأ الجنرال إحسان نوري باشا قائد الثورة هو وعائلته ولفيف من الثوار في شهر تشرين الاول 1930 الى حكومة شاهنشاهية ايران. فاقام هو في طهران العاصمة كلاجىء سياسى الى أن توفي فى 25/3/1976 عن عمر يناهز 78 سنة وهكذا طوي سجل حياة مناضل ثائر كوردي كافح وحارب من أجل استقلال كوردستان وإقامة كيان سياسى للكورد, فصعدت روحه الطاهرة الى جنة الخالدين وبقيت ذكرى نضاله الثوري حيةً فى ضمائر ابناء كوردستان الأوفياء لشهدائهم.
للكاتب : كريم شاره زا