روى العُطاشى، عن القِربة المُمزّقة، عن المطهمِ عن تلك السِهام النابتة جنب النهر، عن سَهمِ مُثلّث الرأس منها قال:
قُطِعت يُمناه وارتوت الأرض من دماءه، بُترت يُسراه وعَزفت الشياطين مزاميرها، تفجرت ينابيع دمه، صار الرمل طينا دمويا، لم يئن ميعاد الأسئلة، فالموت اقترب، أُطلقت في الهواء، مُزمجراً، مُتجهاً بلا توقّف نحو ضياء عينيه، مفرقعاً في الهواء كسوطٍ طاغوت، لم أكن إلا سهماً مذخوراً لهذه اللحظة، سأبتكر فجيعةً تتصدّع لها الحياة، سأغرسَ روحيَ في دَمعته، سأفجّر تلك المياه الساكنة، سأكسر ظهر حُسينه، كان المسافة طويلة، من سماءِ الطُف كُل شيء يُرى، فالقتلى في كُل بُقعة، والرمال دامية، والرماح المُحطمة كثيفة، وأشجارٌ من إخوتي السهام تسكن الأبدان، ولاتزال صيحات الأطفال “يعبّاس جيب الماي لسكينة” تدوي في أذني، بصوتهم المجروح، لو كان صوتي العالي يُجدي لنهرتهم، فإني قادمٌ أنهي الحرب، قادمٌ لأخذ قِطعة أخيرة من حُسينهم، قادم لأسكن للأبد في عينيه، اقتربتُ كثيراً، عاقداً عزمي، متعاقداً مع شيطاني، أنّ أخي سيُرافقني. اقتربت أكثر، تلامست، فانفجرَت فسَكنت. كفاه بين التُرب تتدثّر، والدماء غطّت محيّاه، وصلتُ إلى مكانٍ لا أعرفه، كان أنيناً غريباً، لم يكن ألماً، كان حُزناً، اهتز رأسه مُجدداً صوتُ أخي، ولا يزال الأنين المُشجي يهمهم، لا يُمكنني السماء فالدم لم يتوقفّ، واهتزّت جمجمته بقوّة، خلها ضربةً عامود، وصوت انكسارها مهيب. خلتني سمعت صوت انسكاب الماء من قربته. بقيت هُناك في محجر عينيه لم أتحرّك كثيراً، لم أُكسر، ولم يختفي ذلك الصوت، سمعته يَقول “حُسين .. حُسين .. حُسين .. حُسين .. حُسين .. حُسين .. حُسين .. حُسين ..” بلا توقّف. لم يكن حُزناً، كان ألماً قاتلاً.
حَضرهُ حُسينه صارخاً فيهم باكيا. قُتِل.
——
هذه المروية من خيال كاتبها، وألا لعنة الله على القوم الظالمين، والسلام على ساقي العُطاشى أبدَ الدهر، السلامُ على قمر العشيرة، السلامُ على العلامة من عسكر الحُسين.
#ليلة_العباس
#حسين_المتروك