عقد إنشاء دار الأوبرا أبرم عام 2011، غير أن الشركة المنفذة تلكأت في التنفيذ، ولم تحقق تقدماً في إنجاز الأعمال المتعاقد على تنفيذها

قطعة الأرض المفترضة لبناء مشروع دار الأوبرا في بغداد

على ضفاف نهر دجلة في منطقة الصالحية بجانب الكرخ من بغداد، ثمة قطعة أرض بمساحة كبيرة خصصت قبل أكثر من 10 أعوام لتنفيذ مشروع مبنى دار الأوبرا، على غرار دول العالم والمنطقة، حيث تعد معلما فنيا ومعماريا، غير أن هذه الأرض متروكة حتى الآن بلا حراك رغم التخصيصات المالية التي خصصتها الحكومة آنذاك، وهي مسيجة بالكامل ويصعب الدخول لها.
وأبرم عقد إنشاء دار الأوبرا عام 2011، غير أن الشركة المنفذة تلكأت في التنفيذ، ولم تحقق تقدماً في إنجاز الأعمال المتعاقد على تنفيذها. وعام 2012، وضعت وزارة الثقافة حجر الأساس للمشروع الذي تضمن داراً للأوبرا والموسيقى وداراً للطباعة والنشر ومقرا للوزارة.
وطبقا لتفاصيل المشروع فإن المخطط يشمل دار أوبرا بمحاذاة مبنى نقابة الصحفيين، وإلى جوار مبنى الإذاعة والتلفزيون ومبنى محافظة بغداد وفندق المنصور ميليا، وبقرب أحد مداخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة. غير أن الفساد المالي والإداري حال دون بناء هذا الصرح الذي أصبح حاجة ملحة وذات أهمية قصوى نظرا للفن العراقي العريق.
وكشف وزير الثقافة حسن ناظم في يونيو/حزيران الماضي عن توقف مشروع إنشاء دار الأوبرا نتيجة الفساد، مشيرا إلى أن وزاراته تحاول معالجة الموضوع لكنها بحاجة إلى مخصصات مالية.
وفي وقت سابق، أكدت الوزارة متابعتها قراراً تمييزياً في القضية المرفوعة ضدها بخصوص عقد مشروع إنشاء دار الأوبرا، موضحة في بيان أنَّ محكمة التمييز الاتحادية نقضت قرار محكمة استئناف بغداد الكرخ، والقاضي بإلزام "الثقافة" بدفع نحو 12 مليار دينار (نحو 8 ملايين و220 دولارا) عن إنشاء دار الأوبرا.



جاسم: عوائق مالية وإدارية حالت دون تنفيذ دار الأوبرا


عوائق مالية وتحديات أمنية

يقول وكيل الثقافة الدكتور عماد جاسم إن الوزارة عملت خلال السنوات الماضية على إنشاء دار أوبرا ومسارح في بغداد، ولكن عوائق مالية وإدارية حالت دون تنفيذ المشروع، وكذلك بسبب الظروف الأمنية وانخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا، وهذا ما أثر بشكل كبير على الموازنات المالية.وأكد جاسم في حديث للجزيرة نت أهمية أن "يكون هناك تضامن شعبي من أجل رفع سقف المخصصات المالية لإكمال وتنفيذ المشاريع الإبداعية والجمالية، وفي مقدمتها إنشاء دار أوبرا خاصة ونحن بلد الموسيقى السومرية ولدينا معهد لدراسات الموسيقى ومدرسة للموسيقى والباليه، ولدينا كل الإمكانات والطاقات الفنية والإبداعية خاصة الشبابية".
وأضاف أن الوزارة تطمح إلى تشريع قوانين جديدة ترتقي بالبنى التحتية الثقافية، فضلا عن دعم المنظمات الدولية المهتمة.



جودي عبر عن أمله في اكتمال بناء دار الأوبرا لتكون لبغداد بصمتها المعمارية


فرق الأوبرا

يقول نقيب الفنانين الدكتور جبار جودي إن من الضروري جدا أن يكون لبغداد دار أوبرا، لكن "هذا المشروع متعثر منذ سنوات للأسف، خاصة وأن لدينا إمكانيات بشرية محترمة وطاقات فنية خلاقة".
ويؤكد في حديث للجزيرة نت "نقابة الفنانين العراقيين على وشك تشكيل فرقة للكورال من الشباب والشابات بقيادة الفنان طلال علي، وهذه الخطوة في طور التكوين والتأسيس على أمل أن يكتمل بناء دار الأوبرا لتكون لبغداد بصمتها المعمارية وليكون دار الأوبرا أحد المعالم المهمة شكلا ومضمونا".
وعبر قائد الفرقة السيمفونية المايسترو علي خصاف عن أمله بتوفير دار أوبرا للموسيقيين "لكننا كفنانين لا نمتلك القرار، خاصة وأن للأوبرا أهمية كبيرة كما في الدول العربية ودول العالم التي تهتم بالفنون والموسيقى، والمحزن أن الفرقة السيمفونية العراقية هي الأقدم في المنطقة حيث تأسست عام 1948، ومن ثم تطورت بشكل كبير ولافت مثلما تطور الجمهور مع الزمن".
وقال خصاف للجزيرة نت "الفرقة السيمفونية العراقية تقدم حفلا كل شهر، ونأمل أن تتضمن خطط وزارة الثقافة إنشاء الدار خاصة وأن موقعها المخصص مازال متوفرا وهو مطل على نهر دجلة" مشيرا إلى أن لدى العراق فرقا موسيقية عديدة ومؤسسات فنية كبيرة ونشاطات كثيرة.



علي يرى صعوبة تنفيذ مشروع دار الأوبرا بسبب تفشي الفساد


حلم مؤجل

من جهته يرى طلال علي نائب رئيس الشعبة الموسيقية في نقابة الفنانين أن إنشاء دار أوبرا في العراق أصبح حلما.ودعا إلى الكف عن الحديث عن المشروع كبناية الآن في ظل الفساد الشامل المستشري، مشيرا إلى أنه لابد من البدء باتخاذ أي مكان مؤقت والعمل مع الشباب بالتدريب والتهيئة وتثبيت الأساس لفن الأوبرا والتفكير بأوبرا عربية وعراقية مستقبلا، والعمل على توعية المجتمع وتنمية تذوقه لهذا الفن من خلال إقامة ورش ومحاضرات بالتعاون مع وزارتي الثقافة والشباب ونقابة الفنانين والفرقة السيمفونية الوطنية وأي فرقة أو مؤسسة ذات صلة.
وقال علي للجزيرة نت "يجب التوقف أيضا عن العمل كأفراد أو مجموعات صغيرة مغلقة والانفتاح والعمل مع بعض كفريق واحد، وقد بدأنا فعلا بهذه الخطوة في نقابة الفنانين من خلال التدريب في قاعات النقابة، وحاليا أنا أدرب الشباب على التدريب الصوتي وأسست كورال قيثارة السلام، ونعمل على بعض القطع العالمية وأغان من تراثنا وأشياء مؤلفة جديدة للخروج بنتيجة مرضية أولية تمهيدا للاستمرار بشكل أعمق بفن الأوبرا".
وكانت الدائرة الهندسية والمشاريع بوزارة الثقافة أعلنت في وقت سابق أن مشروع المجمع الثقافي الممتد على أرض تقدر مساحتها بنحو 80 ألف متر مربع محصورة بين جسري السنك والجمهورية ستنفذه شركة تركية خلال مدة أقصاها 540 يومَ عمل، بكلفة تقدر بنحو 67 مليار دينار (نحو 45 مليونا و900 ألف دولار) وفق مواصفات معمارية وتكنولوجية متقدمة، غير أن الوزارة قررت سحب العمل من الشركة طبقاً للتشريعات القانونية النافذة، وهذا ما أيدته محكمة التمييز الاتحادية في قرارها.


مشروع قديم

جدير بالذكر أن فكرة مشروع دار الأوبرا تعود إلى خمسينيات القرن العشرين عندما طلب ملك العراق فيصل الثاني من المعماري الأميركي فرنك لويد رايت تنفيذ تصميم لهذا الغرض، واختير لها الموقع الحالي لجزيرة الأعراس في بغداد، وخصص مبلغ قدره 1.5 مليون دولار ميزانية، وكان هذا المبلغ يعد ثروة ضخمة في ذاك الزمن.
وبعد اغتيال الملك وقيام النظام الجمهوري في 14 يوليو/تموز 1958، ووفاة رايت العام التالي، اعتبرت السلطات العراقية آنذاك خطط دار الأوبرا "باذخة ومكلفة" وأهملت مخططات ورسومات رايت ولم تر النور قط.