خالد صالح نجح في تقديم الأدوار المركبة بأداء سلس ومحترف (مواقع التواصل)
لم يكن الممثل المصري خالد صالح من الفنانين التقليديين، بل كان واحدا ممن تبنّوا مدرسة الأداء السهل الممتنع، حيث استطاع أن يضع بصمته في تاريخ السينما والدراما المصرية خلال مشوار فني لم يكتمل، لرحيله المفاجئ في 25 سبتمبر/أيلول 2014.
قدم صالح الشخصيات الصعبة والمركبة ببساطة وسلاسة، فهو لا يلجأ إلى الافتعال بل كان الصدق هو الصفة التي ميزته كممثل، فلا يمكن التمييز بين الحقيقة والتمثيل حين نراه على الشاشة، فهو الكوميدي والعابس والرومانسي والفاسد والثائر، خلطة تحمل الشيء ونقضيه جعلته امتدادا لمدرسة محمود المليجي وزكي رستم.
اليتم وراء تأخر نجوميته
لم تتح له حياته الأسرية أن يبدأ مشواره كممثل محترف مبكرا، على الرغم من حبه للتمثيل مذ كان طفلا، فخالد صالح الذي ولد في الـ20 من يناير/كانون الثاني عام 1964، في قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة، واجه اليتم صغيرا بعد وفاة والدته أولا، ثم لحق بها والده بعد فترة بسيطة، ليتولى خالد رعاية أشقائه.
تجربته الأسرية جعلته حريصا، بجانب التمثيل على مسرح الجامعة أثناء دراسته بكلية الحقوق، أن يؤمّن حياته المادية بعيدا عن الفن، فبدأ حياته بعد التخرج من الجامعة كسائق سيارة أجرة "تاكسي"، وبعدها سافر إلى الخليج وبدأ يعمل بالتجارة لفترة، وكان يحلم وقتها بأن يمتلك مصنعا للحلويات.
تاجر وكومبارس
عاد خالد صالح مرة أخرى ليستقر في مصر ويؤسس تجارته التي عمل بها لسنوات طويلة، ولكنه فكر في أن يشبع هواية التمثيل من خلال مشاركته ككومبارس صامت في المسرح، فعمل بمسارح الدولة في تلك الفترة وهي المرحلة التي صقلت موهبته، فقرر لاحقا التفرغ للتمثيل، وهو في الـ36 من عمره.
بداية الإسقاطات السياسية
وبعكس ما يشاع بأن بداية نجاح خالد صالح كانت عام 2002، بعد أن شارك في فيلم "محامي خلع" أمام هاني رمزي، لكن شخصية رئيس المخابرات العامة المصرية الأسبق صلاح نصر التي قدمها عام 1998، من خلال فيلم "ناصر"، كانت هي البداية الحقيقية لخالد صالح والتي عرفت الجمهور عليه، وحصل بعدها على شعبية جارفة على الرغم من منع عرض الفيلم.
ولا يعد "ناصر" التجربة الوحيدة التي تحمل بعدا سياسيا في مشوار خالد صالح السينمائي، فاختياره لأعماله كان نابعا من ثوريته، فهو من أبناء ثورة 25 يناير 2011 والداعمين لها، وحتى قبل الثورة كان حريصا على انتقاء أعمال تفضح فساد السلطة والشرطة أيضا، فكان لا يخشى من أن تؤثر تلك الأعمال لاحقا على نجوميته أو أن يتم تحجيمه كبعض الفنانين الذين عانوا بسبب مواقفهم السياسية.
ففي فيلم "عمارة يعقوبيان" والمأخوذ عن رواية الأديب علاء الأسواني التي تحمل الاسم ذاته، قدم شخصية "كمال الفولي" التي ترمز لفساد السلطة.
وعلى الرغم من ضم العمل لأسماء كبيرة، مثل عادل إمام ونور الشريف وخالد الصاوي، لكن بصمة خالد صالح كانت قوية فرشحه بعدها بعام المخرج يوسف شاهين، ليقدم أول بطولة له من خلال فيلم "هي فوضى".
في هذا الفيلم قدم صالح شخصية حاتم أمين الشرطة، صاحب السطوة والنفوذ واليد الباطشة، والذي يستغل منصبه أسوأ استغلال من أجل تحقيق مصالحه الشخصية، فحاتم هو نتيجة طبيعية للمجتمع المصري الذي عانى من تسلطها، وكانت جملة خالد صالح الشهيرة "اللي مالوش خير في حاتم مالوش خير في مصر"، والفيلم فضح وقتها أيضا القمع والرشوة والمحسوبية وتزوير الانتخابات وسيطرة السلطة وغيرها من الأمور التي قادت إلى ثورة جماعية.
بعد الثورة وفي عام 2013، عاد مرة أخرى للإسقاط السياسي في تجربته مع المؤلف والمخرج محمد أمين في فيلم "فبراير الأسود"، وتلخص جملة -على لسان خالد صالح بطل الفيلم- مضمون الفيلم حين قال "إن الوطن طردنا من جواه واحنا كمان لازم نطرده من جوانا، ومش هنرجع الوطن جوانا غير واحنا عارفين مركزنا جواه"، فالبطل "عالم" يحاول الهجرة مع أسرته للبحث عن حلول آمنة لحياة أفضل.تجربة خالد صالح أيضا مع المخرج خالد يوسف لم تقل في مضمونها عن الأعمال السابقة في أفلام مثل "حين ميسرة"، و"الريس عمر حرب"، و"كف القمر".
الرومانسي والشرير والكوميدي
"أنا عاوزة ورد يا إبراهيم"، عبارة شهيرة قالتها الممثلة هند صبري ضمن أحداث فيلم "أحلى الأوقات"، ليهديها إبراهيم أو خالد صالح في النهاية بالفعل ما تتمناه، ويحقق لها صورة الزوج الرومانسي، وهي الصورة التي قدمها أيضا مع هند في مسلسل "بعد الفراق"، وهو عمل رومانسي كسر من خلاله قاعدة النجم الوسيم، واستطاع وقتها أن يصبح فارس أحلام الكثير من النساء بطريقته وأسلوبه المميز.وقدم أيضا شخصية الشرير بطريقة كوميدية في أفلام مثل "حرب أطاليا"، و"ابن القنصل"، و"ثمن دستة أشرار"، وحصل خلال مشواره على لقب "تاجر السعادة" وهو اسم المسلسل الذي قدمه عام 2009.
قلب مفتوح ينهي رحلة واعدة
في عام 2014 كانت نهاية المشوار، بعد أن أجرى خالد صالح عملية قلب مفتوح في مركز الطبيب العالمي مجدي يعقوب في أسوان، ليغادر الحياة بعدها بشكل مفاجئ وهو في الـ50 من عمره، مما شكل صدمة لزملائه في الوسط الفني وجمهوره.