أفكارك تقودك
الحديث عن الأفكار حديث طويل جدّاً. وممّا لا شك فيه أنّ للأفكار قوّة هائلة. بالطبع، قد يرى البعض أنّ هذا الأمر غريب أو سخيف، ولكنه حقيقي.
إنّ أوّل مَن تحدّث عن قوّة الأفكار، وكيف تُسيّرنا وتُسافر من رأس الإنسان إلى رأس إنسان آخر، وربما إلى عوالم أخرى، هو العالِم العربي "ابن سينا".
والإنسان يُعبّر عن سطوة الأفكار بطُرق عديدة، أكثرها شيوعاً أنّه يراها شيطاناً يُوسوس له. كم نسمع، ومنذ القدم، عبارة مثل "الوسواس أوحَى لي"، حرّك رأسي"؟ الحقيقة أنها هي عالم الأفكار. ويمكن القول إنّ ما نحنُ عليه، هو حصيلة أفكارنا وكيف تُحرّكنا، ولو فهمناها لفمهمنا لماذا نحنُ هكذا، وكيف نتعامل مع أفكارنا، حتى نؤكد ونزيد ما نحن عليه، أو نقلل أو نخفي بعض طباعنا السيئة أو الغريبة.
اجلس مع نفس وارصد أوّلاً معتقداتك، والأمور التي تُؤمن بها وتجدها أساساً لوجودك: هل أنت أناني متمركز حول احتياجاتك بشكل كبير؟ أم إيثاري ترى الآخر أفضل منك؟ أم متوسط في لعبة الأخذ والعطاء؟ فهذا الأمر سوف يقول لك مَن أنت، ويُعيد تشكيل حياتك، خصوصاً إذا لاحظت أنّ هذا الأمر راجع لنزعة الحسد والحقد داخلك. فمعظمنا لديه ولو قليل من نزعة الحسد: "يا ليت عندي ما عنده"، أو "ليته يخسر ما عنده".
إنّها فكرة السلبية، لكن ما هو تاريخ هذه الفكرة؟ عُد إلى طفولتك، وراجع مَن كانوا في عمرك: إخوتك أو غيرهم.. ماذا كان عندهم واعتقدت أنّه أفضل مما عندك، وخلق لديك هذا الحسد الذي جعل إنسانيتك تنقلب، فتتمنى الشر لغيرك بدل أن تتمنى له الخير؟ ابحث في ماضيك لتجد أساس هذه الفكرة الغاضبة التي أصبحت تُسيّر حياتك.
راجع التقاليد الأسرية، وربما الاجتماعية، التي أنت مُنْقَاد لها، ولكنك متضايق منها.. راجع أفكارك المطيعة الغاضبة، وما هي الرسالة التي تريد هذه الأفكار أن تُوصلها إليك. فبعض الانقياد قد يكون أساسه فكرة تطيعها، وقد يكون عذابك سببه فكرة لا تريد الانقياد لها.
انظُر إلى عذابك وحديث ذاتك، وحاجة الرفض التي أنت فيها، وابحث عن أسبابها. فأحياناً، أفكارنا السيئة السلبية تبقى تلح علينا: "ارفض.. ارفضي". لكن حالة الرفض هذه لا تكون كلها بيدنا، بل بيد ظروف أقوى منّا. وبدلاً من الاستسلام لإلحاح الرفض، عليك أن تقول لأفكارك: "لا بأس ببعض الطاعة وإراحة الذات من صراع ليس فيه إمكانية الفوز". نعم.. قاوم الفكرة التي تقتلك وتقتل متعة الحياة في معركة ليس بيدك كسبها.
أفكارنا في أحيان كثيرة قد تخلق لدينا تشويشاً في الأولويات، ونحن في حاجة إلى وقفة جادّة مع رأسنا لنرى ماذا نريد، ماذا يجب أن نفعل، وما هي الأولويات. بكل أسف، معظمنا يُسيئوه تحديد الأولويات: ما هو الأهم: عملك أم بيتك؟ أصدقاؤك أم أهلك؟ شريك حياتك أم أمك؟ صحتك أم الفلوس؟
ينبغي للإنسان أن تكون له وقفة مع الأفكار حتى يجعلها تمتنع عن تحديد أولوياته، ويعمل هو نفسه على تحديها بطريقة ذكية. لكن، من المصائب الكبرى التي يمكن أن تجعل أفكارنا تؤذينا، أنها دائماً تُخبرنا بما ليس عندنا، وتُدخلنا في حالة احتياج