حصائر ميكروبية أرجوانية وبيضاء داخل مجوعة الجزيرة الوسطى في بحيرة هورون (فيل هارتماير - نوا)
في دراسة حديثة نشرت بتاريخ 2 أغسطس/آب الجاري، في دورية نيتشر جيوساينس Nature Geoscience، توصل باحثون من مراكز بحثية ألمانية وأميركية إلى أن تباطؤ دوران الأرض، الذي بدأ منذ حوالي 2.4 مليار سنة، يمكن أن يحفز إطلاق الأكسجين الناتج من الحصائر الكثيفة من البكتيريا الزرقاء التي تعتبر أول أشكال الحياة على الأرض.
فسر العلماء ذلك بأنه، مع تباطؤ دوران الأرض، يزداد عدد ساعات النهار، وبالتالي تتعرض الميكروبات إلى فترات أطول من ضوء الشمس مما يساعد على انتقال جزيئات الأكسجين من مناطق التركيز العالي (داخل حصائر البكتيريا) إلى مناطق التركيز المنخفض (ضمن الغلاف الجوي).
تباطؤ دوران الأرض يحفز إنتاج الأكسجين (بيكسابي)
البكتيريا الزرقاء والبيضاء
عثر فريق الباحثين على أدلة تؤكد صحة نظريتهم بحفرة في قاع بحيرة هورون Huron Lake التي تعتبر واحدة من أكبر بحيرات المياه العذبة في العالم، والتي يحدها ميتشغان في الولايات المتحدة وأونتاريو في كندا.
يبلغ قطر حفرة الجزيرة الوسطى بالبحيرة 91 مترا، وتقع على عمق 24 مترا تحت السطح. وهناك تغذي المياه الغنية بالكبريت الميكروبات الملونة التي تزدهر في بيئة منخفضة الأكسجين، حالها حال أشكال البكتيريا المبكرة على الأرض.
يعيش في أعماق المياه الباردة نوعان من الميكروبات: البكتيريا الزرقاء التي تبحث عن ضوء الشمس وتنتج الأكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي، والبكتيريا البيضاء التي تستهلك الكبريت وتطلق الكبريتات.
حصائر جرثومية أرجوانية في حفرة بالجزيرة الوسطى في بحيرة هورون (فيل هارتماير – نوا)
ويعيش كلا النوعين في سباق على مدار اليوم، حيث تغطي البكتيريا البيضاء جيرانها من البكتيريا الزرقاء في ساعات الصباح والمساء، مما يمنع وصول أشعة الشمس للميكروبات الزرقاء.ولكن عندما تزداد حدة الأشعة الشمسية، تتجنب الميكروبات البيضاء الضوء وتهاجر إلى عمق المجرى المائي البارد، تاركة البكتيريا الزرقاء مكشوفة، وبالتالي فهي قادرة على التمثيل الضوئي وإطلاق الأكسجين. ومع ازدياد عدد ساعات النهار بات لدى البكتيريا الزرقاء فرصة أكبر لإطلاق الأكسجين.
وفي تقرير نشر على موقع لايف ساينس Live Science، علقت الكاتبة الرئيسية للدراسة جوديث كلات، عالمة أبحاث في معهد ماكس بلانك للأحياء الدقيقة البحرية Max Planck Institute for Marine Microbiology في بريمن بألمانيا "لقد أدركنا أن هناك صلة أساسية بين ديناميات الضوء وإطلاق الأكسجين، وهذا الارتباط يرتكز على فيزياء الانتشار الجزيئي الذي يحدث عندما تتسبب التغيرات الحرارية في هجرة الجزيئات من مناطق التركيز الأعلى إلى المناطق الأقل".
الميكروبات ذات اللون الأرجواني والأبيض والأخضر تغطي الصخور في حفرة بحيرة هورون الوسطى (فيل هارتماير – نوا)
تغير تركيب الغلاف الجوي
في يومنا هذا تكمل الأرض دورانا كاملا حول محورها مرة واحدة كل 24 ساعة، إلا أنها كانت تستغرق 6 ساعات فقط لإتمام هذا الدوران منذ ما يزيد على 4 مليارات سنة. ونتيجة للتأثير المتبادل ما بين الأرض والقمر واحتكاك المد والجزر، تباطأ دوران الأرض حول محورها على مدى مليارات السنين.
ورغم أن هذا التباطؤ ضئيل فإنه تسبب في زيادة عدد ساعات النهار إلى الحد الذي نعرفه اليوم. ومع استمرار عمليات المد والجزر سيستمر تباطؤ دوران الأرض، ويزداد عدد ساعات اليوم مع مرور الزمن.
ووفق مركز سميثسونيان لأبحاث البيئة Smithsonian Environmental Research Center، فقد تشكل الغلاف الجوي للأرض بعد تشكل الكوكب وتبريده، أي منذ حوالي 4.6 مليارات سنة، وكان يتكون في الغالب من كبريتيد الهيدروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون (CO2) أي ما يعادل 200 ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون الموجودة في الغلاف الجوي اليوم.
تباطؤ دوران الأرض زاد من نشاط البكتيريا الزرقاء في الأكسدة والأكسجة (غيتي)
وقد تغير كل هذا منذ حوالي 2.4 مليار سنة بعد حدث الأكسدة العظيم، تلاه الأكسجة في الأحياء الحديثة بعد حوالي 2 مليار سنة، مما رفع الأكسجين في الغلاف الجوي إلى المستوى الحالي البالغ حوالي 21%.وقد ربط العلماء هذين الحدثين بنشاط البكتيريا الزرقاء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي، ويشير هذا إلى أن وجود عامل آخر يتمثل بزيادة عدد ساعات النهار على الأرض الذي أصبح طويلا بما يكفي لتحفيز إطلاق المزيد من الأكسجين من الحصائر الميكروبية.