في التوبي.. حسين الموسى رفقة «الشاعر علي الشيخ» صنعت منه فوتوغرافيًا و«حياة الناس» استوطنت كاميرته
بواسطة : معصومة آل حسين -
8 أغسطس، 2021
قد تتشابهُ الوجوه لدينا، لكنّها في عدستهِ لا تفعل. نعبرُ تلك الأزقّة الضيقة والحواري الصامتة وأنحاء الطبيعة ونمر على أشخاص عابرين، وما يستوقفُنا فيها يختلفُ عمّا يستوقفه، فالكاميرا لديهِ تروّض الضوء لصالحه، فتستنطقُ صمت الوجوه، وتُسكِنُ هرولة الخطى، وتصطادُ اللحظة المناسبة، وترصدُ في ثانيةٍ واحدة مئات القراءات لتعابير الغرباء عنّا وعنه.
وإذا كان الصيّاد يصطادُ السمكة من مائها؛ لتموت، فإن حسين سلمان عبدالله الموسى تستفزّهُ التفاصيل الباطنة فيما يراهُ من تجاعيد عجوز مرهقة أو براءة طفل يتشاقَى أو صمت مكان قديم مهجور؛ ليبعثها ويُحييها بالتقاطاتهِ، وبلغة التصوير العالمية المحترفة، فيجعلها زُليخية الشباب لا يتقدّم بها العمر وإن تقدّم.
مشاكسة الكاميرا
نشأت علاقةٌ وطيدة بين الموسى والتصوير منذُ صغره، فوالدهُ كان يمتلك بعض آلات التصوير الفورية والفيلمية، ويستخدمها في الرحلات؛ لتوثيق ذكرياته مع عائلته، شأنهُ شأن الكثير ممّن من واكبوا تلك الطفرة، وكان حينها الطفل المشاكس الذي يتسلّلُ عابثًا بممتلكات والدهِ التصويرية.
وكبرت مشاكستهُ مع الكاميرا، حتى تملّك أخيرًا كاميرتهُ الخاصة عام 2004، من نوع فوجي من الطراز القديم، لكنّهُ ركنها لفترةٍ من الزمن بعد أن أطفأت الحماس بداخلهِ لعدم معرفتهِ التامة باستخدامها، حتى استبدلها بكاميرا شبه أوتوماتيكية من طراز كانون، فوجدها أسهل استخدامًا وأعطتهُ النتائج المرضية، لاسيّما لبداية لا يعرف فيها في هذا العالم إلا تذوق الضوء.
الصاحبُ ساحب
رافق الموسى الشاعرَ علي مكي الشيخ المكنّى بأبي الحسن في حياتهِ وفي الكثير من الأمسيات والمحافل مصطحبًا معهُ بخجلٍ بالعادةِ آلتهُ البسيطة، لالتقاط بعض الصور هنا وهناك، وعلى الرغم من بساطة ما كانت تلتقطهُ عدستهُ وقتها إلا أنّها تلقى دعم وتشجيع صاحبه.
وطرح علي الشيخ على رفيقهِ فكرة العودة لآلة التصوير القديمة والمحاولة مرة أخرى، وعرض عليهِ أن يصطحبهُ معهُ لزميلهِ في المدرسة وصديقه الطموح محمد الخراري الخبير بعالم التصوير والإبداعات الأخرى، وبعد تردّد وافق على عرضهِ؛ ليتفاجأ بأنّ الخراري جاور منزلهِ طوال هذا الوقت دون أن يلحظ ذلك، وكانت تلك الزيارة السريعة درسًا عجولاً لاستخدام الكاميرا ومثلث التعريض، وتغذيةً بصرية لصور الخراري الجميلة، وكانت أيضًا البداية للمشوار الحقيقي ومرحلة التغيير.
سهمٌ وهدف
لم يترك الموسى كاميرتهُ تلتقطُ الصورَ هنا وهناك عبثًا، بل كان يهدفُ من التصوير لتوثيق حياتهِ العائلية والاجتماعية، وترْك إرثٍ عائلي لأولادهِ من لحظاتٍ لا تُنسى كما ترك الآباءُ لأبنائهم لقطاتٍ خالدة أكسبها الزمن حنينًا لرائيها حتى وإن لم يعاصرها، تاركةً بصمتها بدمعةٍ على رائحة تلك الأمكنة، وابتسامة لشخوصها.
ترويض
وحول سؤالهِ عن الأدوات والإمكانيات التي يحتاجها المصور لعمله، تحدّث الموسى لـ«القطيف اليوم» قائلًا: “لا يحتاج المصوّر ليظهر جمال التقاطتهِ إلا لمعرفة الضوء وترويضهِ، فلا المعدات ولا جودتها تصنعُ الفوتوغرافي، ولكنّ المصوّر الحقيقي هو من يبتكر عملهُ، فهناك أعمال خالدة التقطت بأدوات بسيطة جدًا، وإماكانياتها أقل من الآلات المتوفرة حاليا”.
وتابع: “إنني أهوى التفاصيل بطبيعتي، وبالدرجة الأولى استمتع بتصوير الماكرو، وأميل لحياة الناس والبورتريه بالدرجة الثانية، والسرُّ غالبًا يعود لميولي للنظر لتفاصيل الأشياء حيث تستوي في ذلك الظاهرة والباطنة منها، لذلك دائمًا ما أبحث عمّا وراء اللقطة، وفي كثير من الأحيان ألتقطُ الكثير من الصور لذات الشيء، ولكني لا اقتنع إلا بما ندر”.
انتشار
لا يتذكر الموسى تحديدًا بداية علاقتهِ بمواقع التواصل الاجتماعي ونشر تصويرهِ للعالم، لكنّهُ يذكر جيدًا البداية التي فتحت لهُ أبواب معرفة أصدقاء الضوء في منطقة القطيف، حيثُ تلقّى اتصالاً من رمزي آل إسماعيل أحد المتابعين له، يُثني من خلالهِ على بعض أعماله، ويدعوهُ للتصوير في مزارع العوامية، وهناك التقى بعقيل الناصري وصادق الخاطر الذي بدورهِ عرّفهُ على حسين أبو الرحي الذي دحا لهُ طريق الانتشار وإظهار أعماله للناس، وكانت أولى هذه الأعمال صورة ابنتهِ “وجد”.
وشارك بعدها بالعمل في معرض بحلة محيش مع مجموعة لا يُستهان بها وحصد المركز الثاني، فيما ذهب المركز الأول إلى المصور سعد الشبيب.
تذكرة وصورة
إلى جانب التصوير يميلُ الموسى إلى السفر الكثير ويغلب في أسفارهِ الاستمتاع بالأمكنة والبيئة المحيطة، وعن تذاكر السفر في حياتهِ والتصوير هناك يقول: “أعطتني وظيفتي الكثير من الفرص؛ لأزور بلدانًا كثيرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر زرتُ ماليزيا والنيبال وإسكوتلاندا ومصر وتركيا وأذربيجان والأرجنتين ودول الخليج بشكل عام، والمكسيك وهي الأقرب إلى قلبي حيث أتجوّلُ فيها بكل أريحية واطمئنان لطيبة أهلها رغم ظروف حياتهم القاسية، وتلحقها النيبال بميلي إليها بجبالها الشاهقة وتاريخ الأمكنة فيها”.
وأكمل: “التقطتُ الكثير من الصور أثناء تجوالي وسفري، وأحبّ الصور إلى قلبي هي لعجوز في تركيا، وأخرى لرجلٍ في القطيف كانتا من السهل الممتنع، ولكن في حقيبتي الكثير من الأعمال القريبة لقلبي، ليس بسبب جودتها كعمل، ولكنّها هي الأقوى بلحظاتها المجمّدة في ذاكرة الحياة”.
وتابعَ: “أصعب الصور، هي الصور التي لا تصل، فالبحث عن انطباع معيّن أو لحظة حدثت ولم أكن مستعدًا لاصطيادها هي الأثقل على نفسي، أما البقية مهما كانت صعوبتها أو حجم الجهد المبذول فيها، فيتلاشى كل ذلك بمجرد ابتسامة رضا عن النتيجة”.
مذاهبُ
يرى الموسى أنّ إرضاء ميول الجميع مستحيل، فللناس فيما يعشقون مذاهب، ولذلك فبريدهُ العقلي يتقبّل انتقاد البعض ونقدهم، كما يرحّب تمامًا بمن يثني عليه ويُعجب بأعماله، فالفوتوغرافي الواعي من وجهة نظره هو من يعرف مستوى أعماله ويقيّم ذاته وهذا مهم جدًا، والأهم أن يبحر في محيط المعرفة ويطرق أبواب النقاد ليبلغ مبتغاه.
ويضيف أنّ أروع الصور تولدُ بلا موعد ولا أجواء، فتنفضُ الغبار عن الذاكرة، وتخرجهُ من صندوق الركود، وهو يحرص على الاستفادة ممن في مجالهِ، حتى من الذين مازالوا في أول درجة في سلم الضوء، فإذا كانت أفكارهم غنية بالإبداع فلم لا؟! على حدّ تعبيره.
رمادية
يرى الموسى أنّ الألوان أحيانًا تقتسمُ الجمال مع الضوء مما يوجبُ على الفوتوغرافيين إبراز الضوء والتفاصيل بشكل منفرد، لكنّهُ يميل للألوان الأحادية ومشتقاتها ولكن “لا يوجد أسود وأبيض..، فقط ظلال رمادية”.
لغة عالمية
يصف الموسى التصوير بأنّهُ اللغة العالمية في عصرنا، فالصور لا تتقدّمُ في العمر، وأعمال المصور الرائع لا تنفد أبدًا، ولهذا السبب فالحاجة إلى التصوير والمصورين ملحّة جدًا، فهم الشهود والفنانون الذين يستطيعون استخلاص الفوضى والجمال الذي يحيط بنا، فيلفتون انتباهنا إلى الأشياء التي نفتقدها في حياتنا اليومية ويوجهوننا إلى الأحداث والأشخاص على مسافة بعيدة من رقعة الكون الخاصة بنا عندما يوجهون أعيننا وقلوبنا بدقة وصدق.
مشاركات ومعرض
شارك الموسى في بعض المعارض والمسابقات، ولكنّهُ ليس من المكثرين، وكان لهُ معرض خاص وبسيط مختص في الماكرو، وهو يحرصُ على الاحتفاظ بأعمالهِ إلكترونيًا وفي بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
استكشاف
يدفع الطموح الموسى لاستكشاف موطنهِ بشكل أوسع، وزيارة الهجر المترامية، وهو يحاولُ حاليًا أن يعمل في مشروع كتاب فوتوغرافي عن أطفال المملكة، يحتوي على صور أطفال من مناطق مختلفة مع أوجه التشابه والاختلاف، لعلّهُ يكون نقطة وصل لمجتمع أكثر ترابطًا ونشرًا لثقافة معرفة الآخر، لكنّ ما يعيقهُ صعوبة إيجاد أصدقاء من أهل المناطق والهجر.
وقفة
الفوتغرافي حسين سلمان عبدالله الموسى من أبناء بلدة التوبي، درسَ في معهد الإدارة العامة بالدمام، وتخرّج في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز بالرياض، ويعمل مسؤول سلاسل الإمداد في شركة تينارس السعودية للأنابيب.