العلماء يتوصلون إلى أساليب أكثر نجاعة لدراسة تأثير السحب في الاحترار وتغير المناخ
دراسة الغيوم أمر صعب، فأحيانا يكون للسحب تأثير احتراري في المناخ المحلي وأحيانا يكون لها تأثير تبريد، وهذا يتوقف على نوع السحب والمناخ المحلي ومجموعة متنوعة من الظروف الأخرى.


للسحب تأثير محتمل في الاحترار العالمي يحاول العلماء دراسته (شترستوك)أحد الأسئلة الأساسية عن تغير المناخ هو: إلى أي مدى سيستمر احترار الأرض كاستجابة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المستقبل؟


الإجابة تكمن في الغيوم

يقول العلماء إن الإجابة تكمن في السماء، فالغيوم هي الدرع الواقي لتغير المناخ، وتؤدي دورا حاسما في سرعة ارتفاع درجة حرارة العالم، ولكن الدراسات الحديثة تشير إلى تغير الغطاء السحابي بتغير درجات الحرارة العالمية، مما قد يسرع من الاحترار العالمي، وهذا يعني أن الأرض قد تكون أكثر حساسية للغازات المسببة للاحتباس الحراري بشكل طفيف مما قد تقترحه بعض التقديرات القديمة.
ويقول باولو سيبي، عالم المناخ في "إمبريال كوليدج لندن" (Imperial College London)، وأحد مؤلفي إحدى الدراسات الجديدة في تقرير نشر على موقع "ساينتفك أميريكان" (Scientific American)، في 26 من يوليو/تموز الماضي، إن "الغيوم تمثل حالة من الشك، وكان هذا هو الدافع الرئيس للبحث، فنحن نريد أن نفهم كيف ستتغير الغيوم وكيف سيؤثر التغير السحابي في ظاهرة الاحتباس الحراري".



الأرض قد تكون أكثر حساسية للغازات المسببة للاحتباس الحراري بشكل طفيف مما قد تقترحه بعض التقديرات القديمة (شترستوك)


محاكاة صعبة

دراسة الغيوم أمر صعب، فأحيانا يكون للسحب تأثير احتراري في المناخ المحلي وأحيانا يكون لها تأثير تبريد، وهذا يتوقف على نوع السحب والمناخ المحلي ومجموعة متنوعة من الظروف الأخرى، وتغير المناخ يعقد الأمر أكثر، فمن المتوقع أن يؤدي الاحتباس الحراري إلى زيادة أنواع معينة من السحب في أماكن معينة وتقليلها في أماكن أخرى.
وقد اجتهد العلماء على مدار سنوات في تحديد كيفية تغير الغيوم مع الاحترار المستقبلي، ولكن كان من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، فالعلماء يستخدمون عادة نمذجة للتنبؤ بتغيرات المناخ في المستقبل، لكن من المعروف أن محاكاة الغيوم أمر صعب، بخاصة على نطاق عالمي.


تقديرات متفاوتة لحساسية المناخ

وكان سؤال مضاعفة ثاني أكسيد الكربون -وهو مقياس معروف للعلماء باسم "حساسية المناخ للتوازن"- سؤالا مركزيا بين باحثي المناخ على امتداد عقود، وفي عام 1979 اقترح تقرير من الأكاديمية الوطنية (الأميركية) للعلوم (National Academy of Sciences) أن الكوكب قد يحترّ على الأرجح بنسبة تراوح من 1.5 إلى 4.5 درجات مئوية استجابة لذلك.وفي العام الماضي، ومع التحسينات التي حدثت في أبحاث السحب، وجدت دراسة جديدة أن مضاعفة ثاني أكسيد الكربون من المحتمل أن تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمعدل يراوح من 2.6 درجة إلى 3.9 درجات مئوية فقط، وهو معدل أقل إلى حد كبير، وقد جمعت الدراسة جميع الأبحاث الأحدث عن حساسية المناخ، مع أخذ اتجاهات مختلفة من الأدلة في الاعتبار، بما في ذلك التطورات الحديثة في علم الغيوم.



الدراسات تقترح أن السحب على مستوى عالمي قد يكون لها تأثير مضاعف في معدل الاحتباس الحراري (غيتي)

وقد اقترحت دراسة نشرت في شهر فبراير/شباط الماضي في دورية "نيتشر كلايمات تشينج" (Nature Climate Change) أن الحساسية المحتملة تبلغ نحو 3.5 درجات مئوية، وذكرت دراسة أخرى نشرت في شهر مايو/أيار الماضي في الدورية نفسها أن الحساسية المحتملة تبلغ 3 درجات مئوية، وكلا الدراستين تقترح أن السحب على مستوى عالمي قد يكون لها تأثير مضاعف في معدل الاحتباس الحراري.


الوسائل التقليدية والتعلم الآلي

واستخدمت هذه الدراسات ملاحظات من العالم الحقيقي لاستخلاص استنتاجاتها، إذ جمع الباحثون كميات كبيرة من البيانات عن السلوك السحابي، من قبيل كيفية تفاعل الغيوم مع التغيرات في درجة الحرارة والرطوبة ومتغيرات الطقس الأخرى، ثم أجروا تحليلات إحصائية لتلك الملاحظات للتنبؤ بكيفية استجابة السحب لتغير المناخ في المستقبل.
"إنها طريقة تقليدية إلى حد ما لمعالجة المشكلة" وفقًا لمارك زيلينكا، عالم المناخ وخبير الغيوم في "مختبر لورانس ليفرمور الوطني" (Lawrence Livermore National Laboratory)، والمؤلف المشارك لكل من دراسة مايو/أيار والدراسة من العام الماضي.
من ناحية أخرى، اتخذت دراسة أحدث نشرت في دورية "بروسيدنجس أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس" (Proceedings of the National Academy of Sciences) نهجا أقل تقليدية، إذ استخدمت الدراسة التعلم الآلي لمعرفة كيفية استجابة السحب للتغيرات في بيئاتها.



أساليب التعلم الآلي يمكن أن تسهم في دراسة تأثير السحب في الاحترار وتغير المناخ (غيتي)
والتعلم الآلي هو فرع من فروع الذكاء الاصطناعي إذ تقوم أجهزة الحاسوب بفحص كميات كبيرة من البيانات وتحديد الأنماط ثم استخدام تلك الأنماط لبناء خوارزميات تتنبأ بكيفية تصرف البيانات المستقبلية في ظل الظروف المختلفة، وفي هذه الحالة استخدم الباحثون ملاحظات العالم الواقعي للطريقة التي تستجيب بها السحب للتغير البيئي.وتوصل نهج التعلم الآلي إلى نتيجة مماثلة: حساسية مناخية أضيق، تستبعد معظم سيناريوهات المناخ الأكثر اعتدالًا، ووجدت الدراسة أنه لا توجد فرصة تقريبًا لحساسية المناخ تحت 2 درجة مئوية.
وقال الدكتور سيبي الذي أعدّ الدراسة مع زميل عالم المناخ وخبير التعلم الآلي بيير نوواك "لقد اعتقدت مدة من الوقت أن مشكلة السحب كانت مناسبة بشكل خاص لأساليب التعلم الآلي، فإذا كنت تريد فهم العلاقة بين السحب ودرجة الحرارة أو الرطوبة أو الرياح، فمن الصعب جدًا استخلاص التأثيرات الفردية لكل من هذه المتغيرات البيئية".


الدمج بين أساليب الدراسة

للتعلم الآلي مستقبل واعد في أنواع أخرى من علم الغيوم أيضًا، إذ تقوم بعض المجموعات البحثية بتجربة دمج مكونات التعلم الآلي في نماذج المناخ العالمية كطريقة للتغلب على صعوبات محاكاة السحب.



المحاكاة الحاسوبية يمكن أن تحسن فرص دراسة السحب وتأثيرها وتأثرها بتغير المناخ (غيتي)

ولا يجبر المصممون عادة نماذجهم على محاكاة تكوين السحب فعليًا، ولكن بدلًا من ذلك يقومون يدويًا بإدخال معلومات عن كيفية تشكيل السحب والاستجابة للتغييرات في بيئاتهم، وهو تكتيك يُعرف باسم المعلمات.
ويمكن أن يكون التعلم الآلي بديلًا للمعلمات، فبدلًا من إدخال قاعدة عن كيفية تصرف السحب داخل النموذج، يمكن لمكون التعلم الآلي إنشاء خوارزميات تتنبأ بالطريقة التي يجب أن تستجيب بها السحب.
ويقول زلينكا إنه من المطمئن أن الإستراتيجيات المختلفة قد توصلت إلى استنتاجات مماثلة "فلو كانت دراسة واحدة فقط فقد تشكك في نتائجها، ولكن إذا كان لديك مزيد ومزيد من الأدلة من باحثين يستخدمون تقنيات مختلفة، وتوصلوا جميعًا إلى نتيجة مماثلة، فهذا أمر يصعب التشكيك فيه".