يجب التوازن بين المقاومة لتجنب خسارة المهارات التنظيمية والتأقلم لتجنب خوض معركة خاسرة (شترستوك)
هل تعيدين تسخين الشاي 3 مرات قبل أن تتذكري شربه، وهل تذهبين لإخراج الملابس من الغسّالة فإذا بكِ تكتشفين أنّك نسيتِ إدارة مفتاح التشغيل، ثم هل صار عقلك الذي كان مثل الدفتر يحتاج لدفتر آخر ليتذكر المواعيد؟
هذه أعراض ما يطلق عليه "عقل الأم"، لكن لا داعي للقلق، فللأمر أصل علمي وإن كانت ظواهره تختلف من أُمٍّ لأخرى.
يعزو البعض السهو والارتباك لدى الأم إلى سهر الليالي والإرهاق المستمر حيث لا يحصل عقلها على راحته ليجدد نشاطه، وهذا صحيح لكن دراسات عدة أثبتت أن هرمونات الحمل والولادة تؤثر فعليا على الحجم والطريقة التي يعمل بها عقل الأم.
ففي 2016، قام فريق من الباحثين من إسبانيا وهولندا باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لمراقبة ما يحدث في المخ أثناء الحمل ومقارنته بما كان عليه قبله وما صار عليه بعد الولادة، ووجدوا أن الحمل يؤدي إلى انكماش المادة الرمادية في المخ، وهي موجودة في مناطق الدماغ المشاركة في التحكم في العضلات والإدراك الحسي مثل النظر والسمع والعواطف والذاكرة، وصنع القرار.
لكن هذا لا يترجم بأن العقل صار أقل فاعلية، بل بأنه صار موجها لالتقاط أشياء تساعدك في دورك الجديد، فتنتبهين من نومك على سعلة واحدة لطفلك وفورا تشخصينها وتعرفين ما عليك فعله، وهو الذي يربطك بطفلك فتقوى العلاقة بينكما، وبه تفهمينه وتعرفين أين يمكن أن يكون أضاع كتاب الرياضيات، وتستشعرين أي خطر يحوم حول أطفالك. إن عقلك باختصار صار أكثر تركزا لتزداد رأفتك بطفلك وتزداد مساحة استيعابك له ولاحتياجاته.
هل تقاومين أو تتأقلمين؟
من المهم أن نجد توازنا بين المقاومة لكي لا نخسر مهاراتنا التنظيمية وبين التأقلم لكي لا ندخل في معركة خاسرة، فالأمومة تجربة مبدلة لما قبلها، فمن غير المعقول أن نتوقع استمرار الحياة بعدها كما كانت قبلها. ولا بأس من استخدام مفكرة ومن تسجيل كل ما تقومين به مهما صغر لتدركي أنّ وقتكِ لا يضيع هباء، ولا مانع قبل أن تخرجي من البيت، من ترديدك -بصوت مسموع- أنك أغلقتِ الغاز، بعد أن تغلقيه بالطبع. تلك لفتات بسيطة تسهّل دورك الجديد.
على الأم أن توجه عقلها وقلبها وكل جوارحها لإنشاء جيل جديد صاعد يفرق بين الصواب والخطأ (شترستوك)
كيف تحافظين على نمو عقلك؟
الإنسان كائن له جوانب متصلة فلا يمكن الحفاظ على العقل دون الحفاظ على الصحة العامة، وهذا يعني الأكل الصحي والرياضة وشرب الماء، وكل ذلك معروف، لكن ما يغفله العامة هو الانتباه للثقافة وتنمية القدرة الفكرية.فمن السهل أن تنشغل الأم وتترك عقلها الذي كان متفوقا في دراسة ما أو عمل يفرغ من أيّ شيء لا يتعلق بدورها كزوجة وأُم، ولا يظهر أثر ذلك الترك إلا بعد مرور زمن، وفجأة تدرك أين كانت وأين أصبحت بمرور السنين.
لكن لِمَ الاستسلام خاصة أنّ نموّ عقلك سيعم بالفائدة على كل الأسرة وليس عليك فقط؟ المعلومات الجديدة المفيدة وتنظيم أفكارك وتحديد الأولويات والابتعاد عن مثيرات التوتر تصل بك إلى عقل دائم النشاط في جميع مراحل نمو طفلك.
تنمية عقلكِ في مرحلة الإرضاع
أعدي ركنا مريحا لكِ ولطفلك بعيدا عن الهاتف والتلفاز. وتأكدي أن جلستك صحية لظهرك وضعي معك كتابا شيقا، وإذا بكى طفلك بسبب الجوع، يمكنه أن ينتظر دقيقة حتى تحضّري لنفسك كأسا من الحليب أو الشاي العشبي أو العصير، ولا تنسي الماء، ضعيهما في ركن الرضاعة واستمتعي بالهدوء لكِ ولطفلكِ.
أما في حالة وجود طفل آخر صغير يأتي إليك كلما جلست، فلا تنسي نصيبه من القصص المصورة، وعلّميه أن هذا هو وقت القراءة، اقرئي له ودربيه على قضاء وقت يقرأ لنفسه أو يتصفح الصور.
في مرحلة ما قبل المدرسة
اجعلي وقتًا للقراءة مع أطفالك، فتنظيف العقل لا يقل أهمية عن تنظيف البيت، وحتى إن لم يكن لديك وقتٌ للقراءة لنفسك، فقراءة كتب الأطفال مع أبنائك تملأ عقلك بأفكار حديثة أو على الأقل بأساليب حديثة للكلام عن المألوف.
في مرحلة المدرسة
اطلاعك الإجباري على المناهج الدراسيّة لا يكفي، فلا بد من تخصيص وقت، بعيدا عن الواجبات والمطبخ والغسيل وإن لم يتوفر، فالكتب المسموعة صارت متوفرة على شبكة الإنترنت وفيها كل ما يشبع فضولك.
مرحلة الاعتماد على النفس
ربما قد حان الوقت للتسجيل في برنامج تعليمي أو شهادة تساعدك في محل اهتمامك. وربما حان الوقت أيضا لتحقيق أحلامك المؤجلة رويدا رويدا سواء كان في مجال العمل المربح أو العمل التطوعي أو الهواية، ففي كل مرحلة لابد وأن تعطي عقلك حقه، فلكي يخرج محتوى قيما وأفكارا قيمة، لا بد وأن يدخل مثلها لتجليّة قدرات عقلك. وربما تلاحظين الفرق بين صديقاتك، فمن تضيع وقتها فيما لا يفيد، لا يخرج حديثها عنه، في حين أن التي تعدد منابع أفكارها وتقرأ وتطلع، لا يُمل من حديثها.
وفي النهاية، ينبغي أن توجه الأم عقلها وقلبها وكل جوارحها لإنشاء جيل جديد صاعد يفرق بين الصواب والخطأ، والعدل والظلم، لذا اجعلي بجانب احتسائك للشاي -ولو بعد تسخينه للمرة الرابعة أو الخامسة- مجلة مفيدة أو كتابا نافعا.