استنسخ نفسك
بواسطة : إبراهيم الزين
6 أغسطس، 2021
هؤلاء الذين ما زالوا أحياء يعيشون بيننا نراهم ونسمعهم ونقرأهم، وننهل منهم، وأجسادهم تحت التراب لم يصلوا لما وصلوا إليه بمحض الصدفة، أو ضربة حظ أو أتاهم على طبق من ذهب، إنما هو نتيجة طبيعية لما كانت عليه حياتهم حين أجادوا تفعيل إنسانيتهم وإمكانياتهم وملكاتهم وطاقاتهم، ما ظهر منها وما بطن، فانتفضوا على الرتابة وسيروا حياتهم على الطريقة المثلى التي يجب أن يكون عليها الإنسان، متسلحين بالجهد والمثابرة والإصرار على أن ينقشوا أسماءهم في سجلات التاريخ وليس الهدف ذلك بالطبع ولكنه النتيجة الحتمية لكل مجتهد ومثابر.
ومع تنوع المشارب التي نهلوا منها وارتشف غيرهم شهدها تتعاقب الأسماء تلو الأسماء لتكمل ما انتهى عنده الآخرون، ولذا نقول من أراد أن يستنسخ لشخصه شخصاً آخر فليكن على شاكلة هؤلاء المخلدين في الدنيا وعلى اختلاف التوجهات بدءاً من أدنى الاهتمامات وحتى أعلاها وأهمها، وليس عجباً أن يرى الإنسان نسخة منه في إنسان آخر اقتفى منهجيته وحذا حذوه.
ليس من المعقول أن يعيش المرء الرتابة التي ينتهي معها متى ما انتهت حياته وهو يملك الملكات التي تتطلب منه تفعيلها فقط، لأنه ولا بد أن يكون لدى كل منا ما لدى الآخر الذي تميز وبرز في جهة معينة، وهنا لا تفضيل بين البشر، التفضيل فقط يأتي من التفعيل ثم التمايز بالتميز والمنافسة الطبيعية التي تولد المبدعون الخالدون.
استنسخ نفسك ليس لواحد فقط بل لأكثر، وارفع من قيمتك وانتفض على الرتابة والروتين الممل، مارس هواياتك، استشعر واستمع لقلبك وعقلك معاً ماذا يقولان لك وتماهى مع رغباتك ولا تدفن ملكاتك، فمثل ما حددت توجهك الحياتي الأولي، أيضاً اعمل على تفعيل تلك الملكات الكامنة التي توجد عند كل أحد وستظهر شيئاً فشيئاً لأنها تنتظر أن تتولد منك كما الجنين تماماً، ليخرج وتربيه وترعاه وينطلق حاملاً اسمك ورسمك فتحضنك الدنيا ويأخذ منك من حولك وينتهجوا نهجك.
ولا عجب أن تكون أحد الذين يشدوا بهم سكان الأرض جميعاً، والأسماء والأمثلة من حولنا كثيرة نقرأها ونأخذ منها كل يوم ولا نستغني عنها لحظة واحدة، لا في أمور ديننا ولا في أمور وحوائج دنيانا، ويكفي أنك تقرأ الآن من خلال جهاز تضعه في كفك أو تنظره بعينيك، بل وتعرف ماذا يجري في الأرض كلها وعلى مدار اليوم والليلة، وهذا من نتاج الإنسان والذي خلد اسمه بلا شك، فماذا لو تفكرنا وتمعنا بباقي ما نتمتع به في الحياة وما قرب بين الأقطار وما عمر الديار وما أنار الظلام وعرف بين الحلال والحرام وغير ذلك ما نعجز حتى عن شكره أولاً وأخيراً لله الواحد الأحد الذي سخر ذلك للإنسان، ثم شكر من جعلوا لهذه الأرض قيمة وحياة أخرى ومعنى مختلف لا ندري إلى أين يصل في ظل التطور المضطرد والذي لن يقف عند حد ما دام الإنسان يفعل مواهبه وملكاته ويبدع في كل جزء من الثانية.