يأخذهم البحر بعيدًا في رحلة الربيع، ليحتضن ماؤه الدافئ إرثًا عظيمًا وثقافة وثروة اقتصادية توارثتها الأجيال وتحكي قصة اللؤلؤ الذي غزا العالم بسحره وألقه، تلك الحبات البيضاء اللامعة التي زينت رقاب الطبقات الأرستقراطية في أوروبا، وتلك البيضاء المائلة للصفرة التي فضلتها تركيا والعراق. هناك في خليج العرب كانت الحكاية، في رحلة الشهور الأربعة في البحث عن اللؤلؤ؛ كنز خليج العرب الذي أفل بريقه.
في بداية كل ربيع يبحر صيادو اللؤلؤ ثم يعودون بدايات الخريف، عندما يبرد الماء على (الغيص)؛ ذلك الهمام الذي يغطس ليظفر في اللؤلؤ، فهو الأكثر جهدًا، والأعلى أجرًا، فكان المحظوظ الذي يحترف البقاء تحت الماء لدقيقة أو دقيقتين، أما من لم يتقنها فكان يعمل "سيبًا"، ذلك الفتى الممسك بالحبل ليسحب الغيص بسرعة عند الإشارة.
أربعة شهور في البحر، تناجي بهن النساء البحر أن يعيد لهم أزواجهم سالمين، فمنهم من يعود ومنهم من يبقى هناك، ليغنيه "النهام" ويرد عليهم السردال والنواخذة، حكاية امتدت لقرون ووقفت في ثلاثينيات القرن الماضي، خالقة "نكبة" حقيقية لاقتصادات الخليج ومجتمعاتها
فحينها، وبجانب الكساد العظيم بعد الحرب العالمية الأولى، ازدادت الأمور سوءا بنجاح عالم الأحياء الياباني "ميكيموتو كوكيتشي" الذي نجح باستنبات اللؤلؤ الصناعي في مطلع القرن العشرين من البحر في مغاطس قام بإعدادها، التي عمل بها على استنبات اللؤلؤ وإطعامه والاهتمام به، بوقت وكلفة أقل، وقدرات أكبر بالعمل على الأحجام والألوان، فلم يعد للؤلؤ الخليج ما يميزه.
أفل البريق وتداعت هذه التجارة لتقضي على اقتصادات الإمارات الخليجية؛ فكانت البحرين الأوفر نصيبًا لدرجة اندلاع الاحتجاجات، بينما تدمرت اقتصادات قطر والكويت والقطيف تماما، لتصبح هذه المهنة اليوم تراثًا مقتصرا على رياضات شعبية وأغنيات تراثية من زمن جميل، فهل تعرفون حكاية اللؤلؤ في خليج العرب؟