لأول مرة.. تحضير مياه معدنية موصلة للكهرباء دون الحاجة للضغط العالي
إن لم نتمكن من تحويل الماء إلى ذهب، فقد يكون من الجيد تحويله إلى مادة معدنية لامعة وموصلة للكهرباء. ولكن، هل يمكن تحقيق ذلك؟
طبقة رقيقة من مياه معدنية لامعة وموصلة تتكون حول السبيكة الفلزية (مواقع التواصل)
يعرف الأطفال جيدا في صفوفهم الدراسة المبكرة أن الماء موصل للكهرباء، ذلك لأن مياه الشرب "العادية" تحتوي على أملاح معدنية ذائبة.
غير أننا قد لا نعرف أن الماء المُقَطَّر النقي -الذي يخلو من تلك المعادن- يُعد عازلا مثاليا وغير موصل للكهرباء. إذ ترتبط جزيئات الماء النقي ببعضها البعض بروابط هيدروجينية ضعيفة، مما يُبقِى إلكترونات التكافؤ الخارجية لها -والمسؤولة عن التفاعل- بحالة مقيدة.
الحرية شريطة التفاعل
ولكي يكوّن الماء نطاق توصيل كهربي (Conduction band) يشتمل على إلكترونات تتحرك بحرية تامه، فإنه يجب أن يخضع لضغط عالٍ بالقدر الذي يسمح لمدارات الإلكترونات الخارجية له بالتداخل.
بيد أن توليد ذلك القدر من الضغط على الأرض يتجاوز قدراتنا البشرية. إذ تُظهِر القياسات أن مقدار كهذا من الضغط لا يمكن توافره إلا في قلب الكواكب الكبيرة كالمشتري. وبالتالي، فإن تحضير مياه معدِنِية موصلة بما نملكه من قدرات حالية يعد أمرا صعب المنال.
ولكن حديثا، استطاع فريق دولي من العلماء بقيادة بافيل جونغفيرث أستاذ الكيمياء الفيزيائية بالأكاديمية التشيكية للعلوم (Czech Academy of Sciences) تحويل الماء إلى مادة معدنية موصلة بقيت على تلك الهيئة لعدة ثوان. ونشرت نتائج الدراسة في دورية "نيتشر" (Nature) في 28 من يوليو/تموز الماضي.
وطبقا للبيان الصحفي -الذي نشرته الأكاديمية التشيكية للعلوم تعقيبا على الدراسة- فإن استخدام ضغط عالٍ لتوليد مادة معدنية (فلزية) من أي مادة -أو من الماء- لا يعد بالفكرة الجديدة.كما أنها صالحة من حيث المبدأ، إذ إن ذاك الضغط الهائل سيعمل على ضغط جزيئات الماء مما سيسمح لمدارات الإلكترونات الخارجية بالتداخل فيما بينها مولدة نطاق توصيل مشابها لما يوجد بالمواد الفلزية الموصلة. غير أن ذلك يتطلب توليد ضغط يفوق 50 مليون مرة قدر الضغط الموجود على سطح الكرة الأرضية، وهو ما يستحيل تحقيقه.
انحلال الإلكترونات
غير أن العلماء اعتمدوا على طريقة جديدة استندت إلى معرفتهم بسلوك الفلزات القلوية بالماء ومحاليل الأمونيا السائلة. وقد مكنتهم هذه الطريقة من تحضير مياه معدنية دون الحاجة إلى ضغط عالٍ.
إذ تتصرف الفلزات القلوية المذابة في محاليل الأمونيا السائلة كالمعادن، وذلك عند التركيزات العالية. لذا، فقد قرر العلماء تكوين نطاق توصيل للماء يعتمد على الانحلال الهائل للإلكترونات التي تتحرر من الفلز القلوي.
غير أن الفلزات القلوية تنفجر بمجرد اقترابها من الماء. فكما هو معروف في التجربة التي يجريها طلاب المدارس، فإن إلقاء الصوديوم في الماء لن يكوّن مياه معدنية بل سيحدث انفجارا فوريا. ولذا، فإنه يتعين على العلماء التغلب على هذه المشكلة.
الطبقة المائية الرقيقة ذهبية اللون المتكونة بقيت عدة ثوان (مواقع التواصل)
نهج جديد
ولاحتواء هذه المشكلة، قام الفريق بمعالجة الأمر بالاتجاه العكسي. فبدلا من "إضافة المعدن القلوي إلى الماء، أضفنا الماء إلى المعدن" كما يذكر جونغفيرث.
قام الفريق بتعريض قطرة من سبيكة صوديوم-بوتاسيوم (Sodium-potassium alloy) لقليل من بخار الماء، وذلك بداخل حجرة مفرغة.
حيث أخذ بخار الماء بالتكثف على سطح السبيكة. ومن ثم بدأت الإلكترونات المحررة من الفلز القلوي بالذوبان في طبقة الماء المكثفة على سطح السبيكة بطريقة أسرع مما يحدث في التفاعل الكيميائي الذي يسبب الانفجار. وقد كان هناك عدد كاف من الإلكترونات المحررة التي سمحت بتكوين نطاق توصيل نتج عنه محلول مائي معدني وموصل للكهرباء.وبالتالي، فقد استطاع العلماء إنشاء طبقة رقيقة من محلول مائي معدني ذهبي اللون استمر لعدة ثوان، وأمكن رؤيته بالعين المجردة وكذلك بواسطة المطياف.