لوحة سجل الزفاف للرسّام البريطاني إدموند بلير ليتون (مواقع التواصل)
يعد فصل الصيف الأنسب بالنسبة للكثير من المقدمين على الزواج لإقامة حفلات زفافهم؛ والحال كان هكذا منذ قديم الزمان وليس الآن فقط. وفيما تشهد منصات التواصل الاجتماعي مئات -بل آلاف- الصور يوميا عن حفلات زفاف هذا وذاك. كان الناس فيما مضى يسجلون تلك اللحظات عبر الطريقة الأكثر شعبية في زمانهم؛ وهي اللوحات.
وبالرغم من أن الزواج منذ عصور مضت كان يتمتع بقدر فائق من القدسية التي قد لا تكون موجودة الآن؛ فإن صفحات الزمان حملت نفس عادات الزفاف على مر العصور، حيث يجتمع أهل العروسين في أجواء سعيدة ويحتفلون بالعروسين.
وربما يختلف ثوب العريس من زمان لزمان ومن منطقة لأخرى حسب الثقافات والتقاليد؛ لكن الثابت على مر الزمان لم يتغير يوما؛ وهو ثوب العروس الملائكي الذي تحيكه بعناية أو تبتاعه.
صباح يوم الزفاف
نرى في لوحة الرسّام البريطاني جون هنري فريدريك بيكون (1865-1914) صباح يوم الزفاف، واجتماع عدد من رفيقات وأهل العروس، بعضهن أحضرن الزهور في غرفة بسيطة ليضعن اللمسات الأخيرة على الفستان الأبيض الذي يظهر مضيئا في مركز اللوحة. وبأسفل يسار اللوحة، نجد طفلة صغيرة تتطلع نحو العروس بإعجاب وربما تتخيل اليوم الذي ستصبح هي نفسها عروسا فيه.
واللوحة مرسومة عام 1829، وهي تتبع المدرسة الواقعية التي تنقل المشاهد كما حدثت. كما تعتمد المدرسة على نقل الأشخاص والأحداث وحتى التعبيرات بأسلوب واقعي دون أية لمسات خيالية، فالمدرسة استبدلت النزعات الخيالية والرسوم الدينية والأسطورية التي كانت منتشرة في العصور الوسطى بمشاهد من الحياة الاجتماعية والسياسية؛ دامجة بذلك بين الفن والحياة، فهذه العروس بكل الأجواء الاحتفالية البسيطة من حولها كانت موجودة بالفعل يوما ما.
لوحة صباح يوم الزفاف للرسّام البريطاني جون هنري فريدريك بيكون (مواقع التواصل)
سِجل الزفاف
هي لوحة للرسّام البريطاني إدموند بلير ليتون (1852-1922) الذي تخصص في رسم المواضيع الرومانسية والعاطفية وأساطير العصور الوسطى. نرى في لوحته "سجل الزفاف" عروسا في ثوبها الأبيض تنحني للتوقيع على سجل يؤكد إتمام الزواج. وشأن معظم لوحات الزفاف، نرى في اللوحة أن العروس هي مصدر النور، وأن لون ثوبها يسطع وسط الألوان الرسمية التي يرتديها الحضور.كان ليتون عالي الدقة في تقديم التفاصيل، كما أنتج لوحات تاريخية زخرفية عالية الجودة. وقد كانت النساء في معظم لوحاته يظهرن بمظهر شديد الكلاسيكية والأنثوية في آن. ويمكن القول إنه كان يرى السمة الأبرز لأية امرأة هي أنوثتها وأن السمة الأهم في أي رجل هي فروسيته.
جيوفاني أرنولفيني وزوجته
تعتبر هذه اللوحة من أكثر اللوحات إبداعا وتعقيدا في تاريخ الفن الغربي مطلقا؛ بسبب تفاصيلها الساحرة ومنظورها الهندسي الذي لا يقل روعة عن الموناليزا.
صورة أرنولفيني -أو حفل زفاف أرنولفيني- هي لوحة زيتية من القرن الـ15، وبالتحديد عام 1434، للرسام الهولندي يان فان إيك (1390 – 1441). واللوحة عبارة عن بورتريه مزدوج للتاجر الإيطالي جيوفاني دي نيكولاو أرنولفيني وزوجته، ويفترض أنهما في بيتهما بمدينة براغ.
هذه اللوحة مليئة بالرموز كأرض خصبة، أفرد لها الكثير من المؤرخين والنُقّاد الفنيين صفحات وصفحات للكتابة عنها وتحليلها. فهي واحدة من اللوحات الأكثر تحليلا وتشريحا في التاريخ، وبداية من بطن المرأة المتزوجة حديثا نتوقع أن الزوجين ينتظران الطفل الأول بالفعل.
كما يرمز الجرو الصغير الموجود في المنتصف بين العروسين للإخلاص الشديد، وترمز النعال إلى الراحة في المنزل ويرمز البرتقال على حافة النافذة إلى الخصوبة في الزواج وثروة الزوج كتاجر كبير، وأخيرا المرآة المحدبة على الحائط من خلفهم ترمز إلى "عين الرب" (وفق بعض المعتقدات) الذي يبارك زواج الاثنين.
ويرى كريغ هاربيسون -الأستاذ الفخري لتاريخ الفن في جامعة "ماساتشوستس" (Massachusetts) أن اللوحة بكل ما فيها من تفاصيل دقيقة ورمزية لا تنتهي تعتبر تحفة إبداعية في سياقها التاريخي؛ حيث كان التفوق في رسم المنظور والإيحاء بالرموز في اللوحات حكرا على رسّامين قلة مثل دافنشي الذي كان يستخدم هذه الوسائل لتوصيل رسائل دينية معينة عبر لوحاته.
فيما نرى في لوحة فان إيك أن المنظور الهندسي الدقيق -الذي جمع اللوحة بكل تفاصيلها في مرآة مقعرة معلقة على الحائط خلف الزوجين والاستخدام الدقيق للرموز التي تدل على الثراء والحب والإخلاص- كان بحق أول استخدام حديث لهذه التقنيات لنقل مشهد واقعي من تفاصيل الحياة اليومية وليس مشهدا توراتيا.
يقول هاربيسون "من المغري حقا أن نعتبر هذه اللوحة الأولى من نوعها التي سجلت مشهد من الحياة اليومية في العصر الحديث".