أدان "إعلان روما" بأشد العبارات التدمير المتعمد للتراث الثقافي، معلنًا تأييده لاتخاذ خطوات عملية.
مبنى الكولوسيوم التاريخي في العاصمة الإيطالية احتضن اجتماع وزراء مجموعة العشرين (الأوروبية)
أوصى وزراء ثقافة مجموعة العشرين، وممثلو المنظمات الدولية ذات الصلة، بإدراج الثقافة، والتراث الثقافي، والقطاعات الإبداعية، في إستراتيجيات التعافي خلال فترة ما بعد فيروس كورونا المستجد.
جاء ذلك في "إعلان روما" الصادر بعد اجتماع وزراء ثقافة العشرين الذي انعقد بالعاصمة الإيطالية، أمس الجمعة.
وشدد الإعلان على أن الثقافة تلعب دورا مهمًا في تعزيز مرونة وتجديد الاقتصادات والمجتمعات التي تأثرت بشدة جرّاء تفشي فيروس كورونا، وتشكل أساسا متينا لذلك.
ولفت إلى أن القطاعات الثقافية والإبداعية مصدر مهم للعمل والدخل، مع مراعاة احتياجات هذه القطاعات؛ مؤكدا ضرورة التركيز على أهمية إطلاق العنان للقوة التحويلية للثقافة لدعمها ومعالجتها من تداعيات أزمة الوباء.
تدمير التراث الثقافي
وذكّر "إعلان روما" بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، مؤكدا أن تدمير أصول التراث الثقافي والاتجار غير المشروع بها يعد جريمة خطيرة وتهديدا للسلم والأمن الدوليين.
في السياق نفسه، شدد الإعلان على ضرورة تعزيز الإجراءات المشتركة والمنسقة للحيلولة دون تدمير تلك الأصول، مشيرا إلى أن هناك حاجة لتعزيز وتطوير نماذج إدارة فعالة ومستدامة وشاملة لحماية التراث الثقافي المعرض للخطر.المجتمعون بالعاصمة الإيطالية شددوا كذلك على ضرورة معالجة تغير المناخ من خلال الثقافة، لافتين إلى أن هناك مخاوف بشأن زيادة تواتر الأحداث الخطيرة المتعلقة بتغير المناخ وتأثيراتها على التراث الثقافي.
"إعلان روما" صدر بعد اجتماع وزراء ثقافة مجموعة العشرين والمؤسسات الدولية ذات الصلة (الأوروبية)
وأكد الإعلان أيضًا الحاجة إلى تعزيز التآزر بين الثقافة والتعليم، كما تم تأكيد أهمية بناء القدرات من خلال التعليم والتدريب.
ودعا الاجتماعُ الحكوماتِ إلى دمج الثقافة والاقتصاد الإبداعي في عمليات التنمية، وكذلك الاعتراف بالثقافة كجزء لا يتجزأ من السياسات الأوسع، مثل التماسك الاجتماعي والعمالة والابتكار والبيئة وحقوق الإنسان.
وأدان بأشد العبارات التدمير المتعمد للتراث الثقافي، معلنا تأييده لاتخاذ خطوات نحو حماية التراث الثقافي.
وأضاف إعلان المجتمعين في روما "نؤكد مجددًا قلقنا البالغ إزاء النهب والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، بما في ذلك المنصات الرقمية والاجتماعية، وتهديدات الملكية الفكرية، والجريمة المنظمة المرتكبة عالميا ضد التراث الثقافي والمؤسسات الثقافية. وندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات قوية وفعالة".
مجموعة العشرين
وشارك ممثلو المؤسسات الدولية ذات الصلة، ووزراء ثقافة دول المجموعة، في اجتماع إيطاليا التي تتولي الرئاسة الدورية للتكتل، ويعتبر الاجتماع الأول من نوعه في تاريخ المجموعة التي تضم كبرى اقتصادات العالم.وضمت أجندة الاجتماع مواضيع: دعم العاملين في القطاع الثقافي، حماية التراث الثقافي من الكوارث الطبيعية والتهريب، أهمية الثقافة في رأس المال البشري، بالإضافة إلى الثقافة كقوة دافعة للنمو، بحسب مراسل الأناضول.
ويتألف تكتل مجموعة العشرين أو ما يسمى اختصارا "G20" من السعودية، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، الأرجنتين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا.
كما يضم اليابان، المكسيك، روسيا، جنوب إفريقيا، كوريا الجنوبية، أستراليا، البرازيل، كندا، الصين، الاتحاد الأوروبي المكمل لمجموعة العشرين، صندوق النقد والبنك الدوليين.
وتأسست "العشرين" عام 1999، بمبادرة من قمة مجموعة السبع لتجمع الدول الصناعية الكبرى مع الدول الناشئة، بهدف تعزيز الحوار البناء بينها، بعد الأزمات المالية في التسعينيات.
القطاع الأكثر تضررا
ربما لم تتضرر أي قطاعات أخرى بشدة من جائحة فيروس كورونا مثل تلك المرتبطة بالثقافة والفنون، إذ أغلقت قاعات الحفلات الموسيقية وتراكم الغبار على معروضات المتاحف حول العالم، ووجد مئات الآلاف من العاملين بهذه المجالات أنفسهم إما عاطلين عن العمل أو يترقبون مستقبلهم بقلق.
وإضافة لذلك، هناك الآثار المضاعفة وغير المباشرة، إذ لم يعد الأطفال يتلقون دروسا عن الثقافة والتاريخ في الأماكن العامة، كما يغيب المناخ الذي يهيئ الإبداع والتثاقف.
وقد خيم الصمت والهدوء على القطاع الثقافي وأنشطته الفترة الماضية، تأثرا بقرارات الإغلاق وتدابير الصحة والوقاية التي اتخذتها السلطات الحكومية بأغلب دول العالم، تجنباً لتفشي أكثر فداحة لجائحة فيروس كورونا. وواجهت المكتبات أوضاعاً مختلفة تراوحت بين الإغلاق الكامل والجزئي، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت.
ورغم أن معهد خدمات المتاحف والمكتبات الأميركي اعتبر أن خطر انتقال فيروس كورونا عبر ورق الكتب منخفض نسبيا استنادا لأبحاث نشرت بمجلات طبية، فقد لاحظ "الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات" أن بعض المكتبات فرضت فترة انتظار قبل التعامل مع الكتب المرتجعة والمعارة.
وبعد إلغاء وتأجيل العديد من المهرجانات الأدبية ومعارض الكتب، تضررت صناعة النشر والطباعة، في حين تكيف العديد من بائعي الكتب عبر الاستفادة من خدمات الشحن والنقل بدلا من البيع المباشر في متاجر الكتب والمعارض.
وبعد إغلاق المتاحف في معظم بلدان العالم، تحولت كثير من خدماتها إلى العالم الافتراضي لاجتذاب زوار إلكترونيين، ومع تخفيف إجراءات الحظر مؤخرا بدأت بعض المتاحف فتح أبوابها وسط تدابير صحية.
ولأنه لا يعرف على وجه التحديد متى يتوقع أن تعود الحياة لطبيعتها لينتعش قطاع الثقافة عالميا من جديد، يتشبث العديد من العاملين في المجال الثقافي بأمل عودة الحياة لطبيعتها، كما يعولون على خطط الدعم والتحفيز والإنعاش الحكومي من جهة، والتبرعات والمنح الخاصة من جهة أخرى، لمواجهة تداعيات أزمة عالمية غير مسبوقة.