من المضحكات المبكيات التي أوردها القوم في كتب حديثهم الإسلاميّة هي أنّ نبي الله تعالى إبراهيم الخليل (عليه السلام) قد استعمل آلة القدوم - آلة قاسية تقطع بها الأشجار والأخشاب ، ويقد يُعبَّر عنها بالفأس أيضاً - لقطع جلدةٍ رقيقةٍ في موضعٍ هو غايةٌ في الحساسيَّة من أجل الختان ! والأدهى من ذلك هو أنّ الخليل (عليه السلام) قد فعل ذلك وهو أبن ثمانين سنة :-
1- صحيح البخاري - الجزء (4) - الصفحة (140) - الحلقة (3356) :- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالقَدُّومِ» .
2- صحيح مسلم - الجزء (4) - الصفحة (1839) - الحلقة (151 - 2370) :- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ» .
3- البداية والنهاية لابن كثير - الجزء (1) - الصفحة (361) :- وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ» . تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَتَابَعَهُ عَجْلَانُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ» . وَالْقَدُومُ هُوَ الْآلَةُ .
وفي بعض الأحاديث أنّه فعل ذلك وهو ابن مائة وعشرين سنة ! كما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم - الجزء (2) - الصفحة (600) - الحلقة (4023) :- فَحَدَّثْنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثنا تَمِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأُخْرَى أَبُو سَعِيدٍ الْأَحْمَسِيُّ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَا: ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ بِالْقَدُومِ، ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَنَةً» .

وزعموا أيضاً أنّ الوجع قد اشتدَّ على خليل الرحمن وأنّه شكى ذلك إلى ربه فعاتبه على استعجاله واستعماله لهذه الآلة ! حيث جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني - الجزء (10) - الصفحة (342) :- أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ : «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرَ أَنْ يُخْتَتَنَ وَهُوَ حِينَئِذٍ بن ثَمَانِينَ سَنَةً فَعَجَّلَ وَاخْتُتِنَ بِالْقَدُومِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ فَدَعَا رَبَّهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّكَ عَجِلْتَ قَبْلَ أَنْ نَأْمُرَكَ بِآلَتِهِ قَالَ يَا رَبِّ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ أَمْرَكَ» .
وجاء في السنن الكبرى للبيهقي - الجزء (8) - الصفحة (565) - الحلقة (17573) :- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، ثنا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ أُمِرَ أَنْ يَخْتَتِنَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً , فَعَجِلَ فَاخْتَتَنَ بِقَدُومٍ , فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ فَدَعَا رَبَّهُ , فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: إِنَّكَ عَجِلْتَ قَبْلَ أَنْ نَأْمُرُكَ بِالْآلَةِ، قَالَ: يَا رَبِّ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ أَمْرَكَ، قَالَ: وَخُتِنَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً , وَخُتِنَ إِسْحَاقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ» .
وجاء في كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم - الجزء (9) - الصفحة (245) :- قال النووي: لم يختلف الرواة عند مسلم في التخفيف، وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد أصلا، واختلف في المراد به، فقيل: هو اسم مكان، أي اختتن في مكان يدعى القدوم، وقيل: هي قرية بالشام، وقيل: اسم آلة النجار، فعلى الثاني هو بالتخفيف لا غير، وعلى الأول ففيه اللغتان. هذا قول الأكثر، وعكسه الداودي، وقد أنكر ابن السكيت التشديد في الآلة، والراجح أن المراد في الحديث الآلة، فقد روى أبو يعلى : «أمر إبراهيم بالختان، فاختتن بقدوم، فاشتد عليه، فأوحي إليه: أن عجلت قبل أن نأمرك بآلتك، فقال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك».

أخيراً لقد سُئِلَ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن هذه القضية المفتراة ، حيث قِيلَ له : إِنَّ مَنْ قِبَلَنَا يَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) خَتَنَ نَفْسَهُ بِقَدُومٍ عَلَى دَنٍّ ؟! فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «سُبْحَانَ اللَّهِ ! لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ ! كَذَبُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)» . فَقِيلَ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ) كَانَتْ تَسْقُطُ عَنْهُمْ غُلْفَتُهُمْ مَعَ سُرَرِهِمْ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ» . (الكافي للكليني : ج6، ص35.)
وَعَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «سَأَلَ الشَّامِيُ‏ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) عَمَّنْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَخْتُوناً ؟ فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ مَخْتُوناً ، وَوُلِدَ شَيْثٌ مَخْتُوناً وَإِدْرِيسُ وَنُوحٌ وَسَامُ بْنُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَدَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ وَلُوطٌ وَإِسْمَاعِيلُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) . وَسَأَلَهُ عَنْ أَوَّلِ مَنْ أُمِرَ بِالْخِتَانِ ؟ فَقَالَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) : إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)» . (البحار للمجلسي : ج12، ص3، عن عيون أخبار الإمام الرضا (ع) وعلل الشرائع.)