معاناتي مع الفراغ!
بواسطة : السيد فاضل آل درويش -
31 يوليو، 2021
النظرة إلى الوقت تختلف من شخص إلى آخر بحسب تصوره وما يحمله من ثقافة، فهناك من يراه وكأنه مطية الساعي إلى تحقيق أهدافه يتخطى مرحلة بعد أخرى، وآخر يرى فيه متسعًا وميدانًا يمارس فيه ما يحلو له، فهو ابن لحظته ويومه فلا يعرف شيئًا اسمه تنظيم الوقت وانتهاز الفرص والتخطيط ليومه، ولذا فهو لا يستشعر لشيء اسمه هدر الوقت وإضاعته؛ ليتحول عنده كثير من الأوقات إلى مساحة فراغ زمني لا يدري ما يفعل فيها، وتمر عليه الأيام دون أن يستشعر قدر الخسارة في رصيده العمري والذي فاته دون أيما استفادة منه، وإنما الإنجاز والسعادة في حياة الشخص الناجح هو الاستفادة من أوقاته فليبادر لاغتنامها.
تلك الضيقة في النفس والتي تعتصرنا وتضيق الخناق علينا، وكأننا نعيش عبثية في الوقت فلا نجد ما نشتغل به، مما نأمل بتحقيقه من آمال تداعب مشاعرنا وتطوف بمخيلتنا، ومما لا شك فيه أن حالة الملل التي تتشبع بها النفس شيئًا فشيئا تجر من ورائها الكثير من الآفات والنقاط السلبية، ومنها ضعف الهمة لتحقيق ما تتنماه النفس وهذا يشكل عامل هدم لا يمكن مع تغلغله وتمركزه في فكره ومشاعره أن يتحرك خطوة نحو الأمام، وهذا التغلغل للهموم وتكاثرها يحذو به نحو القنوط والتشاؤم من التغيير وتحسن الأحوال، كما أن أحاديثه وجلساته لا تطفو على سطح التكاسل وترديد كلمات اليأس، ولا يخفى على أحد تلك التعاسة والبؤس الذي يلحق الإنسان حينما يفقد في لجاج الحياة مجاديف الأمل ليبحر بها نحو ساحل الأمان، كما أن القلق الذي يحيق به بسبب انعدام الأمن من مستقبل مجهول لا يملك فيه مقومات القوة والمواجهة، ولا ينتهي الأمر بسوء حال من يعيش منطقة الفراغ الزمني من فقدان ثقته بنفسه وحمله صورة سلبية لنفسه ملؤها نظرة الضعف والعجز وانعدام القدرة على تحقيق أي إنجاز.
لا يمكن إنكار صفة المتاعب والصعوبة من هذه الحياة فذلك من سننها وقوانينها المحتمة على الإنسان، وهذا بالطبع لا يدعو للخوف واليأس وإنما هو توصيف لطبيعة المراحل المتلاحقة التي يحياها الفرد، وما عليه سوى الاستعداد والتهيؤ لمواجهة التحديات واغتنام أسباب القوة والاقتدار في شخصيته، ومن أهمها امتلاك البصيرة والفكر الواعي الذي من خلاله يتفطن لحقيقة شخصيته وما يمتلكه من قدرات ونقاط قوة وضعف؛ لينطلق بعدها ممتلكًا صورة واضحة بنفسه وبأهدافه والمخاطر ومنعطفات التعثر التي يمكن أن يقع فيها، وقوة إرادته وتصميمه المؤكد على بلوغ نهاية المرحلة ستكون إرادته خير معين له في تخطي العقبات، ومما لا شك فيه أنه بين مرحلة وأخرى يفرغ ثقل همه وتعبه باستراحة يستفيد من خلالها بقوته واندفاعيته نحو العمل، فالجدية في الحياة واغتنام الوقت لا يعني مطلقًا خلوها من أوقات تنفيس وكسر للروتين، ينطلق بعدها في ميادين الهمة والنشاط لتحقيق أهدافه وتطلعاته التي يرسمها ويخطط لها بدقة وعناية.
ما يحتاجه الإنسان من خبرات ومعارف تكسب عقله النضج والوعي واستشراف الحقائق والأمور المستقبلية، وما يرشده إلى التمظهرات والسلوكيات المحببة والمقبولة، كل ذلك يمر بآلة الزمن وانتهاز الفرص منها وتجنب تضييع كل لحظة من عمره هباء منثورًا، فالحسرة والندامة تحيط بكل من لم يبال بمرور الأيام وهو لم يتحرك خطوة نحو الأمام في الإنجاز، وما نواجهه من مشاكل وصعاب لا ينبغي أن تتحول إلى مدة زمنية نملؤها باليأس وتكتيف الأيادي والتهرب من المسؤولية، بل نحوّلها إلى فرصة سانحة لتحفيز مجمل القدرات والإمكانيات المتاحة لخوض هذه المواجهة مع الصعوبة أو الأزمة، ومن عوامل القوة والمواجهة عند الإنسان استغلال الوقت واستثماره في تنضيج فكره والانتفاع من دروس الماضي وأحوال الناس من حوله، فحالة التململ والإحساس بالفراغ تعني فقدان المرء قيمة وجوده وعطائه، ويمكنه القيام بأي خطوة ثقافية بقراءة ما هو مفيد مهما كانت متانة مادته، أو خطوة اجتماعية من خلال مجالسة الأهل أو الأصدقاء المهتمين باغتنام أوقاتهم، فيستمع لمجموعة تصورات ووجهات نظر تكسبه الوعي مستقبلًا