في الستينيات من القرن الماضي كانت ذروة السينما المصرية، حافلة بالعديد من نجوم ونجمات السينما، في بيئة ثرية تدعمها جهات إنتاجية عديدة تضخ أموالها في إنتاجات متنوعة.
رواية "تراب الماس" حققت أعلى نسبة مبيعات في 2018 (مواقع التواصل)
منذ نشأة السينما في نهايات القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، كان الأدب والمسرح معينين لا ينضبان للحكايات السينمائية، التي اقتبست منهما قصصًا جسدتها على الشاشة الضخمة، وأسست عديدًا من الأفلام على أسس روائية ومسرحية، إما بالنقل الكامل أو باقتباس الثيمة الغالبة والبناء عليها، بدءًا من مسرح شكسبير الشعري وحتى روايات هاري بوتر وملك الخواتم الخيالية، مرورًا بروايات أغاثا كريستي البوليسية، وحتى روايات المحقق شرلوك هولمز للكاتب الإنجليزي أرثر كونان دويل.
لم يكن الاقتباس حكرًا على الروايات والسينما العالمية، إذ كان للأدب العربي دور كبير في تشكيل عدة روائع سينمائية عربية. في هذا المقال نستعرض بعضًا من الأفلام المصرية التي قامت على روايات أدبية بشكل كامل.
أحمد مراد: الفيل الأزرق وتراب الماس
قادمًا من خلفية سينمائية، بعد دراسته بقسم السيناريو والإخراج بمعهد السينما بالقاهرة، خاض الكاتب أحمد مراد عالم الرواية لينشر عددًا من الروايات التي حققت نسب مبيعات عالية، ويدخل منها إلى عالمه الأول، ليعيد كتابة رواياته في صيغة سيناريو سينمائي.قدم مراد 3 أفلام في فئة الإثارة والتشويق، وهي "تراب الماس 2018" عن روايته بنفس الاسم، وعن روايته "الفيل الأزرق" قدم فيلمًا آخر يحمل الاسم نفسه في عام 2014، ليستغل نجاح الفيلم ويقدم منه جزءًا ثانيًا "الفيل الأزرق 2" في عام 2019 إذ كُتب خصيصًا للسينما. ومثلما حققت الروايتان نسب مبيعات عالية، انعكس نجاحهما على إيرادات الأفلام المأخوذة عنهما.
هيبتا: المحاضرة الأخيرة
بناء على رواية بسيطة حققت نسب مبيعات عالية بين المراهقين للكاتب محمد صادق، كتب السيناريست المصري وائل حمدي سيناريو فيلم "هيبتا: المحاضرة الأخيرة"، حيث يقرر الدكتور شكري مختار اختصاصي علم النفس أن يقدم محاضرة أخيرة يجيب خلالها عن واحد من أهم الأسئلة المركزية، وهو كيف يحدث الحب؟ حيث يشرح خلال محاضرته المراحل السبع للحب على ضوء 4 قصص حب مختلفة تمر بكثير من المنعطفات والتقلبات. حقق الفيلم إيرادات قياسية خلال أسبوعه الأول من العرض، وإجمالي إيرادات عال خلال مدة عرضه، مثلما حققت الرواية نسب مبيعات عالية.
عمارة يعقوبيان
رغم أن الأديب المصري علاء الأسواني قدم روايته "عمارة يعقوبيان" عام 1991، فإن معالجة الفيلم التي كتبها السيناريست وحيد حامد عام 2006 أي بعد صدور الرواية بنحو 15 عامًا، جاءت مواكبة لزمن العرض، استعرض فيها الكاتب قطاعًا من شرائح الشعب المصري المتنوعة التي نتجت عقب ثورة يوليو/تموز 1952 وحتى مطلع الألفية الجديدة.يعد الفيلم أحد الإنتاجات الضخمة في تاريخ السينما المصرية، لما حفل به من نجوم الصف الأول آنذاك، كما حقق أضخم إيرادات خلال عام عرضه، وعُرض في مهرجان برلين السينمائي، كما شارك في عدة مهرجانات دولية مثل روما وقرطاج وكان السينمائي. وترشح رسميًا ليمثل مصر في الترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار التاسع والسبعين.
الأفلام السابقة هي الأبرز سينمائيا منذ مطلع الألفية، أما في الستينيات من القرن الماضي كانت ذروة السينما المصرية، حافلة بالعديد من نجوم ونجمات السينما، في بيئة ثرية تدعمها جهات إنتاجية عديدة تضخ أموالها في إنتاجات متنوعة ما بين الاجتماعية والرومانسية والإثارة والبوليسية وحتى التاريخية. ظهر فيها توجه واضح نحو الاقتباس من عالم الأدب للسينما، وكان على رأسها بالطبع أدب نجيب محفوظ ويليه يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس كما لجأت السينما إلى الاقتباس من الأدب العالمي كذلك.
نجيب محفوظ.. معين لا ينضب للسينما
فضلًا عن كونه أغزر الأدباء المصريين إنتاجًا أدبيًا، يعد أدب نجيب محفوظ معينًا لا ينضب للدراما السينمائية والتلفزيونية، فهو صاحب أكبر عدد روايات أدبية تحولت للسينما، فقد بدأت أعماله الروائية تتجه للسينما منذ عام 1960 مع رواية "بداية ونهاية"، ثم توالى الإقبال السينمائي على أعماله فتم تحويل ثلاثيته الروائية "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" إلى أفلام سينمائية حملت الأسماء نفسها، بالإضافة إلى أفلام "اللص والكلاب" و"ميرامار" و"السمان والخريف" و"الطريق" و"القاهرة 30″ و"الشيطان يعظ" و"الشحاذ" و"الكرنك" و"الحب فوق هضبة الهرم" و"زقاق المدق" الذي أنتج سينمائيا مرتين، الأولى في مصر بطولة شادية عام 1963، والثانية في المكسيك بطولة سلمى حايك في عام 1995، فضلًا عن سلسلة طويلة من الأفلام المقتبسة عن ملحمة "الحرافيش" التي جسدت زمن الفتوات ومنها؛ "الحرافيش" و"الجوع" و"المطارد" و"التوت والنبوت". ولا تزال أعماله مصدرًا لا يجف إذ يقتبس عنه كتاب السيناريو المعاصرين.
واقعية الأدب والسينما
في الدراما الواقعية، يضع نجيب محفوظ اسمه بشكل بارز بين كتاب الأدب والسينما الواقعية الاجتماعية ، لكنه لم يحتكر هذا التصنيف بالطبع، فقد كان يحيى حقي أحد علاماتها البارزة في السينما مثلما في الأدب، فقد قدم روايتين للسينما كانتا تجسيدًا لواقع المجتمع الشعبي حينها هما؛ قنديل أم هاشم والبوسطجي. كما قدم يوسف إدريس رواية من بين أقوى روايات هذا التصنيف للمجتمع الريفي في فيلم "الحرام"، بالإضافة إلى إحسان عبد القدوس الذي قدم عدة روايات اقتبستها السينما للتعبير عن واقع الطبقة الوسطى القاهرية آنذاك، وهي "لا تطفئ الشمس" و"أنا حرة" و"لا أنام"، كما قدمت لطيفة الزيات بفيلم "الباب المفتوح".
أرض النفاق
لم يكن فيلم "أرض النفاق" 1968 بطولة فؤاد المهندس هو العمل السينمائي الأول المقتبس عن رواية يوسف السباعي التي تحمل الاسم نفسه، فقد تم اقتباسها في فيلم "أخلاق للبيع" 1950، الذي لم يحقق النجاح الذي حققه فيلم فؤاد المهندس، رغم التزام الفيلمين بالقصة ذاتها: شاب فقير تعيس الحظ يعاني في ظروف حياته حتى يجد الحل السحري في مساحيق وعقاقير الأخلاق، فيتناول حبوب الشجاعة ثم النفاق وتتغير حياته تبعا لذلك. في الواقع، لم يكن محمود ذو الفقار -المخرج والممثل- على القدر ذاته من الموهبة التي حازها فؤاد المهندس، كما لم يكن أحد نجوم الصف الأول في الخمسينيات مثلما كان فؤاد المهندس نجم الكوميديا الأوحد في الستينيات. وبالإضافة إلى أرض النفاق، قدم يوسف السباعي رواية أخرى للسينما هي "السقا مات".
الأخوة الأعداء
رغم أن الفيلم الذي تم إنتاجه عام 1972 يحمل اسم رواية اليوناني نيكوس كازانتزاكيس "الأخوة الأعداء"، فإن الفيلم مأخوذ عن رواية "الأخوة كارامازوف" للكاتب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي. تجربة اقتباس سينمائي لم يحالفها التوفيق، فقد احتاجت إلى بعض من التمصير بجانب السيناريو السينمائي، حيث تدور أحداث الفيلم حول أب لأربعة أبناء، لا يحبهم ولا يحب أحدهم الآخر، في حين تقوم علاقاتهم على المصلحة الخالصة، ويشتد العداء بين الأب وأحد أبنائه، الذي يُتهم بقتل الأب في حين يكون القاتل ابن آخر غير معترف به، يتخذه الأب خادمًا في المنزل، في أجواء تناسب الريف الإقطاعي الروسي أكثر مما تناسب الريف المصري.