فتى المسرح الأول.. سعيد صالح مفجر ثورة "الخروج عن النص"
كان النقاد والجماهير يتوقعون نجاحا مبهرا للفنان الراحل، غير أن حياته كانت حافلة بالأزمات (مواقع التواصل الاجتماعي)
سعيد صالح كان واحدا من أبرز نجوم الكوميديا في مصر لعقود، غير أن مواقفه "المشاغبة" ضد النظام الحاكم وميوله لصالح المواطنين -والتي ترجمها بإسقاطات سياسية على خشبة المسرح- وضعته في خندق المغضوب عليهم.
هو الفنان المصري الراحل سعيد صالح الذي تحل ذكرى ميلاده وذكرى وفاته متعاقبتين (31 يوليو/تموز 1940 والأول من أغسطس/آب 2014)، وقد شارك خلال مسيرته في عشرات الأعمال السينمائية والمسرحية، فكان أحد رواد الفن المصري خلال تاريخه.
وكان النقاد والجماهير يتوقعون نجاحا مبهرا للفنان الراحل، غير أن حياته الفنية والاجتماعية كانت حافلة بالمواقف والأزمات، حيث تعرض للحبس 3 مرات؛ لأسباب سياسية وأخرى كان قد نفاها؛ وهي تعاطي المخدرات، إضافة إلى تهديده بخطف ابنته الوحيدة بسبب مسرحية قدّم فيها انتقادات لإسرائيل.
شكَّل سعيد صالح مع صديق عمره عادل إمام ثنائيا في العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية، كان أبرزها مسرحية "مدرسة المشاغبين" بالتعاون مع أحمد زكي ويونس شلبي وآخرين، وأفلام "المشبوه" و"رجب فوق صفيح ساخن"، كما كان ضيف شرف في أعمال للزعيم (عادل إمام)؛ منها "أمير الظلام" و"زهايمر".كان فنانا شاملا وقدم العديد من الأعمال بوصفه بطلا أولا أو ضمن أدوار مساعدة، وشارك في ما يزيد على 500 فيلم منها "يا عزيزي كلنا لصوص"، و"سونيا والمجنون"، و"الرصاصة لا تزال في جيبي"، وعشرات الأعمال التلفزيونية ومنها مسلسلات "السقوط في بئر سبع"، و"المصراوية"، و"أنا القدس"، إضافة لأعمال إذاعية مثل "سعيد صالح غاوي مشاكل"، و"البراري والحامول".
ورغم نجاحه السينمائي؛ فإن صالح عادة ما كان يردد أنه "فتى المسرح الأول"، حيث قدم ما يزيد على 300 مسرحية منها "كعبلون"، و"أولادنا في لندن"، و"لعبة اسمها الفلوس".
وُلد ليحترف التمثيل
ولد صالح بإحدى قرى المنوفية (إحدى محافظات الدلتا المصرية)، ولم يدرس التمثيل بشكل أكاديمي على غرار العديد من أقرانه، بل مارسه كهواية، وفي بداية ربيعه الـ20 أكمل دراسته الجامعية ليحصل على ليسانس الآداب عام 1960.وكانت نقطة انطلاقته على خشبة المسرح، حين قدمه الفنان حسن يوسف بمسرحية "هالو شلبي"، بينما تمثل مسرحية "مدرسة المشاغبين" البداية الحقيقية لتفجر موهبة صالح ورفيق دربه عادل إمام، حيث ظلت تعرض لـ6 سنوات على خشبة المسرح، ليقدم بعدها مسرحية "العيال كبرت"، والعملان المسرحيان يشهد بنجاحهما الجماهير والنقاد.
في كتابه "المضحكون" يصف محمود السعدني -وهو كاتب صحفي- سعيد صالح بأنه "قادر على إضحاك الطوب بحركة أو بلفتة أو بإشارة من إصبعه الصغير.. وهو ممثل لأنه خلق ليحترف هذه المهنة، ويشترك مع علي الكسار في ميزة هامة في أنه لا يعتمد التمثيل، ولكنه يتحرك على المسرح كما يتحرك في الشارع ويتكلم بين شلة من الأصدقاء المقربين".
وعن الفنان الراحل يضيف السعدني أنه "الولد الأهبل المنشرح الصدر، صاحب الغفلة الحلوة والمنبهج لكل ما يحدث في الحياة من أفراح وأتراح ومصائب سوداء وبلاوي متلتلة، ولو تعقل قليلا وانضبط في حياته وفي سلوكه ولو ادخر كل جهده وكل قوته للعمل لانفجر مثل قنبلة زنة ألف رطل".
تهديد إسرائيلي
وفي لقاء تلفزيوني، تحدث سعيد صالح عن تهديدات تلقاها بخطف ابنته الوحيدة "هند"؛ إذا لم يحذف أغنية تنتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن من عرض مسرحية "حلو الكلام" في أميركا.
يقول صالح إن المسرحية توقفت عن العرض بسبب قصيدة كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم تهاجم بيغن وتنتقد حصوله على جائزة نوبل للسلام، مشيرا إلى أن الجمهور خلال أحد عروض المسرحية كان متعصبا بشدة للقضية الفلسطينية، ورافضا أن تكون إسرائيل دولة صديقة.
إسقاطات سياسية
اشتهر صالح كثيرا بالخروج عن النص في أعماله المسرحية، وكان دائم السخرية من نظام الرئيس السابق حسني مبارك، الأمر الذي تسبب في تأخره الفني على خلاف عادل إمام وآخرين، وهو ما جعل النظام يتحين الفرص لمعاقبته.وبدأ العداء بين الفنان الراحل وجهاز الرقابة على المصنفات الفنية عام 1981، حين قدم مسرحية "لعبة اسمها الفلوس"، حيث قال "أمي تزوجت 3، الأول أكّلنا المش، والثاني علّمنا الغش، والثالث لا بيهش ولا بينش"، حيث كان يقصد رؤساء مصر السابقين؛ جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، على الترتيب.
وربط البعض بين سبب دخول صالح السجن -أول مرة- بهذه الجملة، وهو ما أشار إليه الفنان الراحل في مسرحية "كعبلون"، حيث رد على واحد من الجمهور مازحا "أنت مالك أنت؟! أنت بتتكلم ليه؟ أنت تتكلم وأنا أرد عليك وأخرج عن النص واتحبس تاني ولا أيه".غير أن السيناريست والكاتب الصحفي بلال فضل أوضح -ببرنامج "الموهوبون في الأرض"- أن نظام مبارك لم يتدخل من قريب أو بعيد في حبس صالح.
وقال فضل إن الحبس الأول لسعيد صالح لم يكن له علاقة بالخروج عن النص مثلما تحدث البعض، لكن حظه العاثر جعله يسخر من شخص نائم خلال مسرحية "البعبع" وأوقف المسرحية لمعاتبته، ولم يتصور أن الأيام ستدور ويصبح هذا الشخص هو القاضي الذي يحكم عليه، وهو ما أكده الفنان الراحل في أكثر من مناسبة.
غرفة الإعدام
تحولت قضية سعيد صالح إلى قضية رأي عام، قبل أن يصدر حكم بالإفراج عنه بكفالة مالية بعد الحبس 17 يوما، وكان أصعب ما واجهه في الحبس الاستيقاظ المبكر، ووجود زنزانته بجوار غرفة الإعدام، وفق بلال فضل الذي أكد أن واقعة حبس صالح تعد "أول مرة يحبس فيها فنان احتياطيا على ذمة التحقيق لخروجه عن النص".وكثيرا ما اعتبر صالح خروجه عن النص واسقاطاته السياسية "إبداعا فنيا"، قائلا "كنت مبسوط لمّا دخلت السجن وكانت تجربة من أجمل أيام عمري، ولم أندم على انتقادي لنظام مبارك وكنت أقصد ذلك، حتى لو كنت دخلت السجن".
وخلافا لهذه المرة، تعرض للحبس مرتين عامي 1991 (أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة) و1996 بتهمة تدخين الحشيش المخدر، وفي الثانية تم الحكم عليه بالحبس سنة وتم تنفيذ الحكم.
وعن تلك التجربة، قال صالح "المرة الأولى (من الحبس) جمدتني وخلتني حبسجي (دائم الحبس) لكني كنت متأكدا من نزاهة القضاء المصري"، فيما شدد أنه بريء من تعاطي المخدرات وأن النظام تربص به بسبب "طول لسانه".وفي إحدى لقاءاته التلفزيونية، قال صالح "فترة السجن كانت محطة تغيير في حياتي، وأول مرة أصلي وأصوم وأحفظ قرآن كان في السجن، وقمت بالحج 14 مرة متواصلة، ووالدي كان أزهريا وكان يريد صلاح حالي لكني كنت أتهرب منه".
المشاغب الثوري
لم يخلُ عمل مسرحي للفنان الراحل من الأغاني ومنها ذات الطابع الثوري، كما كان يحلم بتحقيق شهرة في الغناء أكثر من مجال التمثيل.وتشير تقارير صحفية إلى أن سعيد صالح سعى للحصول على عضوية نقابة الموسيقيين، لكن الموسيقار حلمي بكر رفض (في لجنة اختبار الأصوات) إجازة صوته أو ألحانه، وعزا بكر -في تصريحات سابقة- السبب إلى كون معظم ألحان صالح كانت من التراث والفولكلور، رغم تعاونهما في عدد من الأعمال.
ومن أشهر ما قدمه من أغانٍ على خشبة المسرح أغنية "ممنوع من السفر"، والتي يسرد فيها من خلال كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم قائمة الممنوعات التي فرضها النظام على المصريين.
كما قدَّم أغنية "الثورة"، التي تقول كلماتها "لما يبقى القلب صادق وابن ثورة، وجراح القلب زي الشمس حمرا، كل نور الدنيا تجمع في نظرة، راح تعيشوا وراح تغنوا يا عيالي".
وفيما تحدث الفنان الراحل عن الثورة في أغانيه المسرحية، كان من أبرز المؤيدين لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وقال -في حوار صحفي وقتها- "أنا مع الثورة قلبا وقالبا (..) الفساد طوال 30 عاما (فترة حكم مبارك) كان للرُكب، وأنا كنت من ضحايا النظام السابق لأني دخلت السجن في عهده".
وقبل وفاته بفترة طويلة بسبب المرض، ابتعد صالح عن عالم الفن، قبل أن يرحل عن عالمنا مطلع أغسطس/آب 2014 عن عمر ناهز 74 عاما.