النتائج 1 إلى 5 من 5
الموضوع:

صراع الأضداد في قصائد (بالأسود والأبيض) د. قيس كاظم الجنابي

الزوار من محركات البحث: 15 المشاهدات : 289 الردود: 4
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    فلسفة نص
    تاريخ التسجيل: December-2014
    الدولة: بلاد الرافدين
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 18,275 المواضيع: 1,547
    صوتيات: 197 سوالف عراقية: 329
    التقييم: 13333
    مزاجي: هادئ
    المهنة: أعمال حره
    أكلتي المفضلة: تمن ومرق
    موبايلي: Honor 10X Lite
    آخر نشاط: منذ أسبوع واحد
    مقالات المدونة: 102

    صراع الأضداد في قصائد (بالأسود والأبيض) د. قيس كاظم الجنابي

    صراع الأضداد في
    قصائد (بالأسود والأبيض)
    عبد المنعم القريشي
    -1-
    يحيل عنوان مجموعة الشاعر عبد المنعم القريشي ( بالأسود والأبيض) الى الألوان الطبيعية الفطرية الأولى (الظلام والنور)، حيث تشكلت البدايات اللونية للإدراك اللوني لدى الانسان؛ فالسواد في مدينة الشاعر (النجف) لون سائد ومهيمن، لون الحزن والمناسبات الدينية المشحونة بالمأساة، كما أن اسم العراق كان يسمى أرض السواد ،المستوحى من الخضرة والنخيل في الأفق البعيد، ومن هنا سمي العراق بلد السواد، لأن العرب عندما قدموا مع الفتح الإسلامي للعراق كانوا محملين بإرث ديني يعد السواد لوناً مقدساً، فالحجر الأسود كان حجراً مقدساً، تغير لون الى السواد بفعل ذنوب الماسحين له، كما أنه جزء من ثقافة العصور الوثنية الأولى، ولبس السواد هو نوع من التطهير والاعتراف بجسامة الخطايا، والبياض تعبير عن النقاء ؛ وبفعل الصراعات الداخلية صار السواد رمزاً للحشمة والحزن والفجيعة، ومع ذلك هو جزء من اللعبة اللونية بين البياض/ الشعاع والنور ،وظلمة الحياة والألوان، ظلمة القبور حيث توجد أعظم مقبرة حديثة في العالم في النجف، فهي مدفن للكثير من الفانين، في ظل اسطوري معفر بالتراب والخطايا ،وصرخات الفقدان.
    ومن المفارقة - حقاً- أن تكون في المجموعة قصيدة عنوانها ( بالأسود والأبيض) تحمل فكرة العنوان والفضاء السائد، في زحمة الصور والكلمات، وزحمة ما بعد الحداثة (الحداثة الفائقة)، أو قصيدة النثر؛ بوصف السواد الماثل في بؤبؤ القصيدة وشاعريتها البيضاء، والشاعرية الملفعة بالبياض القابع في حدقات الشعر والسواد.
    ومن المفارقة أيضاً، أن معظم قصائد المجموعة تسبح في فضاء العتمة والسواد، فلا تتصالح مع البياض ،ولكنها تحاكيه وتغازله في رحلة البحث عن اللون الرمادي؛ فالرماد هو بقايا ما أحرقته النار، بحيث تبدو روح الفجيعة ماثلة مع رماد القبور والحرائق.
    تبدو متضادات الموت والحياة ،والخوف والفناء، والحب والحزن ملتصقة بالأمكنة كالمقاهي والقبور والطرقات والبيوت والأزقة القديمة، وهنا يتحرك اللون الأسود بقوة خفية تجتاح بصمات الأحلام، ويتحوّل الى رمز وحالة من حالات التجريب ؛ من خلال رمزية متجددة ومنتقاة وبصورة مبتكرة، مثل الأفعى واللقلق والملك الضليل ،فثمة محاولات لإدامة اللون الأسود، مع اللون الرمادي المراوغ.
    -2-
    سقت هذه المقدمة لأكشف عن صراع الأضداد بين السواد والبياض، في لعبة تمسك خيوطها قصيدة النثر والقصيدة الحديثة، والتي تقوم على نوع من المفارقة الرمزية التي تستند الى لعبة الاكتشاف، والبحث عن الجمال، في نصوص يطرح إشكاليات الحداثة ذاتها وبكل توجهاتها ، حيث يشعر القارئ بالريبة والخوف والحزن وربما الاضطراب بسبب هيمنة اللون الأسود، واهتزاز حضور البياض والنقاء؛ ففي (المتاهة) يرتفع ( السواد كناطحات السحاب)،و(يتصاعد منها الدخان والاقاويل)؛ الألوان ليست تعبيراً عن الصور الشعرية فحسب، وانما هي تعبير عن تمازج الشعري بالتشكيلي، حين تلتقي القصيدة باللوحة، كما في (خارج اللوحة)،فتمتزج الألوان لتشكل لونه الرمادي ،فيلبس الرمادي (قبعته)، مستفيداً من تجريدية سلفادور دالي والحركة الدادائية، وهذا ما تعبر عنه قصيدة (بالأسود والأبيض) والتي يقول فيها:
    "تمرّين...
    مثل شجرة قلعتها الريح
    مثل هواء مكهرب بالذكريات
    مثل فرحة طير ... " [ منشورات اتحاد الادباء – فرع النجف،2020م/ ص 75]
    ثم يقول:
    "وأنت تقترحين :
    (( العالم صورة فوتغرافية بالأبيض والأسود))" [ص76]
    لربما يقصد الشاعر بها العالم الفطري الذي حاكته اللوحة ، لوحة الحياة الميتة بنظره، ولهذا فإن السواد يحمل معه حقيقة الصراع الوجودي بين الوجود والعدم، والحب والكراهية ،والفرح والحزن، وغيرها من الأضداد، فالإعصار له حقد أسود، يقترب من النار والثعابين، ولربما يريد أن يبلغنا بأنه يعيش في فضاء مقدس يشبه الى حدٍّ ما قداسة الحجر الأسود.
    -3-
    تتشكل الرموز على شكل شفرات تحيل الى الأشياء والموجودات والألوان والأحلام والشخصيات والأمكنة والأقنعة المتداولة، ومن ذلك قناع امرئ القيس (الملك الضليل)، الذي يبدو أكثر وضوحاً، في تحولاته الرمزية، كما في قوله:
    "أنتظر المدّ، وانتظرنا السفائن التي تأتي محمّلة بالمطر، لكن
    البحر لم يأت ، والسفائن لم تعد صالحة ، بل جاءت الثعابين
    تسعى، لتلتف حول عنق الحياة، فكيف لي أن أكور الأرض
    بين عينيَّ، وأضمها الى صدري خوفاً عليها من الرجال-
    القوارض." [ص82]
    تكشف الرموز التي استخدمها الشاعر عن خيبة أمله بما حصل، من خلال رموز السفائن التي تحيل الى سفينة نوح ،أو سفينة النجاة، وهي تحمل الخصب ، لكن العطاء توقف وصارت الساحة موئلاً للثعابين.
    وهنا تبدو سيرة الشاعر امرئ القيس ملاذاً، وحكمة ليوم خمر وأمر، ولهذا جاءت السردية الشعرية ذات الطابع الرمزي، متواصلة مع الاحالة الى الحكاية النثرية، ولهذا ستقترب من هذه التصورات قصيدته( الموت على الطريقة العراقية)،والتي يخاطب بها الشاعر طالب عبد العزيز، فيقول:
    "الانكشاريون يحيطون بنا
    من كل حدبٍ وصوب
    وهم يغرسون الدبابيس في قلوبنا
    من أجل إرضاء ثعلب أو غراب!!
    فهل هذا ما وعدتنا به أيها الربّ؟؟
    نحن فقراء،
    وأيامنا مسننة
    بالطاعون والسرطانات." [ص100]
    وهنا تبدو رموز الشاعر متعدة تراثية واسطورية ووجودية وإنسانية ،وحيوانية ونباتية، ولكنها قريبة من مغاليق الأفكار التي تشتغل عليها، والسائدة التي تجمع بين القصيدة ذات التوجه اليومي ،والبلورة المكتنزة والمصفاة من الشوائب، التي ربما تخزلها بصورة أو بأخرى؛ وعملية الخلق الشعري تمر عبر موشور الغربلة بطريقة مثيرة، ومحملة بروح المفارقة التي توحي بقوة القناعات المؤثرة، وكذلك تحيل الى بدايات هذه التجربة، لأن غالب هذه التجارب قريبة من الواقع والتاريخ الحالي ، فهي تمتد بجذورها الى الماضي لتستعين به على قلق الحاضر؛ فالرمزية هي ليست مفردة قائمة بذاتها أو حلم عابر يحيل الى حكاية تفسيرية ،وإنما هي سردية متوغلة في عمق النص، من البداية حتى النهاية، وها يتطلب دمج الرمز في تفاصيل الحكاية الشعرية، بوصفها تعبيراً عن بلاغة الحداثة الفائقة( ما بعد الحداثة)، حينما تبدو الحداثة وكأنها صدمة الحضور أمام وحشة الغياب، وتبدو الجمل الشعرية التي يكنفها النص جملاً فائقة الحداثة، وان جرى سردها بطرية حكائية شبه يومية، ؛ وكان لهذا الانتقال من صفاء البلورة الى عبث الرمال في جو العاصفة، من أجل الإمساك بأدوات اللعبة الشعرية.
    -4-
    تبدو النزعة نحو التجريب وكأنها خلاصة لمغامرة تريد أن تجترح لها مسرها المتفرد، في ركب الحداثة الفائقة، ذلك لأن الحداثة هي من صلب التجريب، الذي لا يخضع لرهانات الماضي، فالمفارقة ضرورة ملحة في قصيدة الحديثة، ولأن الحداثة تختزل الكثير من المفارقات والتصورات، وتضعها في صلب التجريب وجماليات الابتكار والتأسيس فيما بعد، من حيث استخدام المفردات اليومية في كنف اللغة الصافية المتدفقة، ومن ذلك استخدام الترتيب الصوري للنص، كما في (الغريب):
    حينما جاء الغريب (همبل) كثيراً
    "وضع قدميه فوق الأرض
    وترك كل شيء...
    فاختلط اسمه مع وحل الشارع
    فصرنا لا نفرق بين اسمه والوحل
    وبين قامته القميئة وثقب الابرة
    وبين لحيته التي عشعش فيها الكذب والقمامة" [ص16]
    وعلى وفق ذلك سارت قصيدة (وتقول لي: ليست هناك مشكلة)، من حيث التلاعب في تصميم النص الذي تصبح التفاحة فيه رمزاً أزلياً للخطيئة، وكذلك قصيدة (في الطريق الى العدم) التي تميل نحو السردية المكتنزة القادرة على تفجير روح السجال المضمر ، كقوله:
    "ها هم الزائدون عن الحاجة يتحاورون مع الكلاب،
    ولا يفقهون أن بنات نعش حزينات لأن درب التبانة غير
    معبد كي يصلن الى أحلامهن، لا يفقهون أن مجنوناً
    واحداً يلبس خوذة التعقل ،أكثر جنوناً من آلاف
    المشعوذين المجانين .. خذ"غاليلو" مثلاً... أين أنت يا
    حبيبي"غاليلو:؟! [ص111]
    تبدو اللعبة اللغوية تلعب خارج اطارها المنطقي ،وكأن القصيدة لديه تعمل بلا منطق، في لعبة المتضادات.
    -5-
    ثمة قصيدة للشاعر عبدالمنعم القريشي ، بعنوان(أحمل المقهى حقيبة ...وأركض) يقسمها بعد منتصفها الى أربعة مقاطع، وكل مقطع بحرف ، هي(ح، ي، ا،ة)؛ أي (الحياة) لكن المقطع الأخير(ة)، يبدو مجرد نقاط، مما يشير الى وجود علاقة بين المقهى بالحياة، أو نهاية الحياة في إحالة رمزية الى الوجود نفسه، و الى تشظيات الحياة نفسها، فيعيش نوعاً من الوهم والأكاذيب ؛ حيث يهيمن الزمن الحاضر على عنوان القصيدة(أحمل، أركض)، وهما فعلان يؤسسان لقوة العنوان وتأثيره، وكأن نسقاً مضمراً ينطلق من العنوان حتى متن القصيدة ،للهروب من الخوف والتشظي وجنون والكذب والأباطيل.
    يتصدر الزمن المشاهد في قصيدة(أعوام مرّت)؛ فالمرور قديم ويرتبط بالفعل الماضي، في نوع من الصراع الوجودي بين الحياة والموت، فكأن مأزق جلجامش الوجودي يعود ثانية، ولأن الانسان مجبول في الحفاظ على حياته، فإنه يسترجع ماضيه وذاكرته وتراثه ورموزه، ليمدد سعاته في المقهى عبر الحصان الميت والسعالى والحيتان والصليب والعتبات وفيثاغورس.. وغيرها. حيث تعبر هذه الموجودات عن الحياة، في وقت يحاصرها الموت؛ فما الذي تشكله (الحقيبة) في هذا الخضم، والحقيبة مكانياً صورة أقرب الى المقهى ،لأن المقهى تحيط روادها بالجدران، والحقيبة تحافظ على محفوظاتها حالها حال الصناديق ذات الرموز الدفينة.
    المقهى بيوت بديلة للطارئين والصعاليك، وفي العراق هي بيوت العاطلين والشعراء الرافضين للسلطة ،والمتمردين على واقعهم، بعضهم يشعر بجنون العظمة، والتفوق، يهمشون الحواجز ويتحدون كل العقبات، يبنون بيوتاً من الأوهام، يسكنون المقاهي ويهجرون البيوت؛ والمقاهي وجدت بديلاً عن الخانات القديمة التي يرتادها المسافرون كمحطة وقتية ، ثم يرحلون ، كانت الدواوين وبيوت الوجهاء هي التي تستقبل الناس وتجمعهم، ولكنها بيوت مشبعة بالرسميات، ليست شعبية ولا لها مهمة دينية كالمساجد والمعابد، حيث تهيمن القداسة، بينما بيوت الوجهاء تشعرك بالتمايز الطبقي ،ولا تقدم لك شيئاً سوى الماء، وتشعرك بأنك مدين لها.
    بداية القصيدة مثيرة، ومقلقة معاً، حيث يقول:
    "أعوام مرّت ...
    وأنا أبحث عن كذبتك
    في قاموس الأرض،
    أقمار الحزن كاذبة أيضاً...
    وثمة ما يؤدي الى جنون العظمة من:
    أمام حشد معلّقٍ
    بين السماء والأرض." [ص41]
    وأزمة الانسان محصورة بين السماء والأرض، وحشد معلق بينهما، فماذا يقصد بذلك؟ هلى يقصد حشد النجوم من الأشياء والأمكنة، فتبدو الأزمة الوجودية للإنسان أنه لا يستطيع أن يغير شيئاً؛ فاذا كانت المقهى هي مرآة المجتمع الذكوري ، فإنّ انسان (نياندرتال) له صورة تتجول في مرآة مهشمة، بحيث يستند هذا النص على صراع الاضداد المضمر، فهو نص ثقافي بامتياز:
    "آهٍ .. كذبتك تثلج صدور الواهمين.
    تنام فوق عراء الفجيعة ... وهي أقرب
    الى صورة"نيا ندرتال"... يتجول
    في مرآة هشمتها الانانية،
    واعتراها خجل أصفر،
    يكحل عينيه بالخوف من الشتيمة،
    ليعرض آخر زوابع الابتكار،" [ص41-42]
    وهنا تستند اللغة على قوة صوتية مضمرة، جملة حسرات ، فثمة من يواجه الشاعر ، ويحاول المراوغة، ليبدو مثل قرد يمثل عليه، فتتصارع اللغة المهذبة الشتيمة لرسم صورة لحياة المقهى، في مواجهة بين الشفاهي والمرئي، والتخلف والوعي؛ والكنايات والصور والاوصاف للآخر الذي يواجهه في المقهى،في إشارة الى بذاءة الاتصال بين الرواد، والأصدقاء غير الاوفياء،
    غالباً ما يبدأ النص بالاسم ويتحاشى البدء بالفعل، فيضفي على المشهد بساطته وليونته، يتحول الى نوع من الكآبة، فيغذي أزمة الشاعر باللف والدوران، القرد يمدد سعادته، والفعل المضارع قادر على خلق الحضور الزمني في الجملة الشعرية، بينما يضع الاسم الجملة الشعرية في ظل الجفاف والضمور والقلق؛ يحيط الزمن المقهى/المكان حين يحرك قرص الشمس حركة الكون والعقل الوجودي.
    -6-
    الحديث عن القرد والانسان يذكرنا بما قاله ملك المطلبي عن الشاعر عبد الأمير الحصيري ، صعلوك المقاهي البغدادية، حين وصفه بحيوان المقاهي، بلا منازع، ووصف شارع الرشيد بإمبراطورية المقاهي، التي تشكل مقهى البلدية قدميها وحسن عجمي والزهاوي حوضها، وفي هذا التوصيف نوع من التشبيه بين الحيوان والمقهى،كما وصف مقهى البلدية بأنها عبارة عن جدار سجن، يمكن الاتكاء عليه بثقة.[ مجلة الأقلام، ص39].
    ترتيب القصيدة لدى القريشي كان على شكل كتل تبدأ بكتلة من اليمين ، ثم الوسد، ثم يعود الى اليمين، ويستمر ثم يعود اليمين في النهاية، فيكون المقطع الأخير عبارة تشكل كتلة الوسط ؛ في نوع من الإحالة الى الأركان الجانبية للمقهى،بينما يبدو المقطع الأول أشبه بمدخل أو شرفة يطل منها الرواد، أو يجلسون عليها وعلى وفق التكوين الجسدي للمقهى. بما يشير الى الأعوام التي مرّت بعد رحلة رفض واضحة للخديعة، وخربشات الكتابة الأولى على الجدران، في ظل حضور حيواني للمقهى التي يحملها في حقيبة، وكلامه على يؤخذ على عواهنه، لأنه يحتمل الكثير من التأويل، فهو يقول:
    " أعوام مرت...
    على كذبتك ... جيفة إثر جيفة.
    وهم يواصلون البحث عن الكلام خارج الكلام
    ويعودون الى طبائعهم الحيوانية
    حاملين أقفاصهم وخزائنهم،
    فوق رؤوسهم .
    يدخلون الحياة ، ليخرجوا مؤخراتها. [ص43]
    في نهاية النص، يوجد الحرف(ة)،آخر حروف الحياة المتشظية ثمة كتلة أخيرة في الوسط من النص وهي عبارة عن ثلاثة أسطر، في كل سطر ثلاث علامات، كل علامة تتكون من ثلاث نقاط(...)، ليتكون هذا النص من (12) كلمة محذوفة، والحذف هنا تعبير عن كلام مسكوت عنه ،معلق في سقف الغيب/الحياة التي تلاشت وربما توقفت، ومن هنا بدت المقهى صورة من صور الحياة وصخبها القلق.
    النسق الذي تتحرك على وفقه القصيدة هو نوع من الصراع بين الحياة المتشظية والموت المضمر، حيث الصراع الوجودي بين حالتين يمد المقهى ذراعه بينهما، لأنها محمولة في حقيبة/صندوق، لأن المقهى توازي الحياة؛ بينما بطن الحقيبة يوازي القبر والموت والظلام والسواد،،وهو صراع بين الوعي والتخلف، و المقهى مكان مفتوح على الحياة، مما يكشف لنا أن الشاعر يرفض أن يسجن ذاته بذاته.
    -7-
    في نص (في المقهى أيضاً) القصير نسبياً، عودة ثانية الى موضوع المقهى ، ولكنها عودة الى الفضاء المكاني، وليس فضاء السوق والشارع ،ولكن صورة التوازي بين الانسان والقرد(الحيوان) حيث يبدو الحجر وسيلة للإثارة وتحريك الجمود، مثل القاء الحجر في البئر العميقة، وهنا يتحول السقوط الى دوران، والحركة الدائرية جزء من حركة الحياة اليومية في المقهى، كما في قوله:
    "دار دورتين،
    في فضاء المقهى...
    أزاح زجاج الصمت...
    واصطدم برأس الصديق "ك".
    كان حجراً هابطاً
    كزوجة كاذبة
    كان الحجر ...!!!
    شتائم
    س
    قـ
    ط
    ت
    من فم العجوز. [ص84-85]
    فم العجوز هو الذي يحرك حركة الدوران، والحجر قرين به، ونتساءل: لما يصف الشيمة بالحجر؟
    ألأن الولد للفراش وللعاهر الحجر!
    مع العلم أن الحجر جزء من موجودات الطبية وعناصرها المهمة، التي انبثقت من التراب، حيث المكونات الأربعة(الماء والتراب والنار والهواء)، والتراب يحيل الى الأرض والوجود وكروية الأرض مثل فم العجوز؛ مما يعني هيمنة الحركة اللولبية/ الدائرية في المقهى، مع أن للمقهى في غالب الأحيان أربعة أركان، واحد أو أكثر مشرعة للهواء والباقي مجرد جدران، ولأن فم العجوز مفتوح بالشتائم فإن وصف المقهى بالعجوز له صفة زمنية، في القدم والزوال أو الموت.
    الأفعال التي يستند عليها النص بدأت مضارعة ، ثم انحدرت نحو الماضي، مع انحدار الحجر، والسقوط من الأعلى الى الأسفل، ثم الدوران نوع من التحول من الانبساط الى المراوغة، لأن الدوران عمل مقدس كالحج والزيارة.
    يقول في نهاية النص:
    "صديقي"ك"
    بعد أن اطمأن على رأسه
    ضحك ،وضحك، وضحك
    وأشار للعجوز:
    الحياة في القطب الجنوبي
    شتائم
    وسبورات بليدة
    وحكام أغبياء." [ص85]
    يشير الحرف (ك) الى بطل رواية وجودية كتبها كامو، وهي رواية(القلعة) وربما الى شخص ما بعينه ،أو الشخص الذي لا اسم له، أو اللا منتمي عند كولن ولسن؛ وهو فعلاً يعيش على هامش الحياة، ربما هو(الكلب) أو(الانسان) أو (القرد).

  2. #2
    مساعد المدير
    ام محمد
    تاريخ التسجيل: May-2014
    الدولة: روح إيليا وشمس الشموس
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 62,966 المواضيع: 1,046
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 125685
    مزاجي: I do not care about anyone
    المهنة: Graduate without appointment
    أكلتي المفضلة: دولمة
    موبايلي: iphone مال هسة +_-
    آخر نشاط: منذ 12 ساعات
    مقالات المدونة: 19
    شُڪرآ جزيلا

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    فلسفة نص
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مِـيهہرَمــآهہ ♬❥ مشاهدة المشاركة
    شُڪرآ جزيلا
    شكرا جزيلا ام حمودي لوجودج الجميل

  4. #4
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2021
    الدولة: الانبار
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,496 المواضيع: 263
    صوتيات: 5 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 8797
    شكرا للجهد والمتابعه المستمرة

  5. #5
    من المشرفين القدامى
    فلسفة نص
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجيد خلف غضيب الفهداوي مشاهدة المشاركة
    شكرا للجهد والمتابعه المستمرة
    شكرا جزيلا للمرور الطيب.

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال