مئات الكتب تناولت موضوع الأساس البيولوجي للوعي، لكن لا يوجد حتى الآن إجماع حول كيفية إنتاج الدماغ للوعي.
تاريخ موجز للدماغ.. كتاب حديث لماثيو كوب، أستاذ علم الحيوان بجامعة مانشستر
في ثنايا ما يقرب من 450 صفحة، يتتبع أستاذ علم الحيوان ماثيو كوب (Matthew Cobb) في كتابه الجديد "تاريخ موجز للدماغ"، تاريخ النظريات البيولوجية حول الدماغ والفكر.
وفي تقرير نشرته صحيفة "لوموند" (Le Monde) الفرنسية، قالت الكاتبة إليزابيث بيرتو، إن ماثيو كوب أستاذ علم الحيوان في "جامعة مانشستر" (The University of Manchester)، سلّط في كتابه الأخير الضوء على 500 عام من الدراسات حول الدماغ بشكل يشد انتباه القارئ.
البشر اعتبروا لفترة طويلة أن القلب هو مقر الفكر والعواطف (شترستوك)
حديث عن القلب
استهل ماثيو كوب كتابه بالحديث عن القلب، مشيرا إلى أن البشر اعتبروا لفترة طويلة هذا العضو مقرا للفكر والعواطف.
وقد لاحظ المؤلف أن هذه المفاهيم العلمية قد تركت آثارا في اللغة المشتركة، حيث تعودنا على قول عبارات من قبيل "أحفظ عن ظهر قلب" و"تحطم القلوب". ووفقا لأرسطو، أنتج القلب روحا يحملها الدم، مما يشير إلى النظرية البطينية في علم النفس.
وخلال القرن الـ17، ذكر رينيه ديكارت، بعد العديد من عمليات تشريح الدماغ، أن جسم الحيوانات يعمل كآلة ويلعب فيها الدماغ دورا أساسيا، لكن البشر يختلفون عنهم في امتلاك الروح واللغة.
وكانت نظرية الحيوان والآلة متبوعة بتشبيهات أخرى، مثل ساعة الدماغ والتلغراف والكمبيوتر وكثير من الاكتشافات المحفزة ولكنها توضح "قبل كل شيء مرونة أدمغتنا"، على حد تعبير الكاتب.وتحدث كوب عن نشاط الدماغ غير المعروف على امتداد 15 فصلا تحت عناوين قصيرة ولكنها صريحة وهي "القلب" و"القوى" و"الكهرباء" و"الوظيفة" و"التطور" و"التثبيط" و"الخلايا العصبية" و"الوعي" و"المستقبل".
استنتج هنري برجسون أن الفكر لا يكمن في الدماغ (شترستوك)
كلما تقدم البحث أكثر ذهلنا أكثر
يؤكد ماثيو كوب أن العلماء لم يفهموا تماما بعد كيف تعمل 90 مليار خلية عصبية و100 مليون نقطة اشتباك عصبي ومليارات الخلايا الدبقية، وما إلى ذلك، في الدماغ.
وفي عام 1883، قال هنري برجسون إنه "إذا تم تحديد مكان الفكر، فيمكننا تشريحه والحصول عليه بنقطة مشرط" قبل أن يستنتج أن "الفكر لا يكمن في الدماغ".
واليوم، تمكن العلماء من وصف 70% فقط من الشبكة العصبية وهي المخطط الكامل لوصلات "10 آلاف خلية عصبية في دماغ اليرقة"، وهذا الأمر حسب الكاتب "يعطي فكرة عن مقدار ما يجب القيام به قبل فهم الدماغ البشري".
وباستخدام الأوصاف السريرية الحديثة، أوضح ماثيو كوب أنه كلما تقدم البحث أكثر ذهلنا أكثر بمدى مرونة الدماغ، وذلك ما يجعله يرفض فكرة أن الدماغ منظم في وحدات مستقلة مثل مكونات الجهاز.
فالخلايا العصبية والشبكات العصبية مترابطة ويمكن أن تؤثر على المناطق المجاورة عن طريق تغيير نشاطها الكهربائي والتعبير الجيني. وبالتالي، يمكن إلغاء الوظائف أو تفعيلها بواسطة مجموعة معقدة من المشابك العصبية والمعدلات العصبية. وتزيد ظواهر اللدونة من صعوبة تحديد موقع أي وظيفة للدماغ بشكل دقيق.
لا يوجد حتى الآن إجماع حول كيفية إنتاج الدماغ للوعي (شترستوك)
وأفاد الكاتب بأن مئات الكتب تناولت موضوع الأساس البيولوجي للوعي، بوجود 16 ألف مقال علمي يحتوي عنوانه على عبارة "الوعي"، لكن لا يوجد حتى الآن إجماع حول كيفية إنتاج الدماغ للوعي.ورغم الابتكارات التكنولوجية المهمة للغاية -على حد تعبير كوب- فإن السؤالين الكبيرين اللذين لا يزالا قيد النقاش والبحث يرتبطان بالنشاط الموضعي أو الموزع، وأهمية الارتباطات الجسدية للوعي.