كيف تتحول العناقيد النجمية في مجرتنا إلى عناقيد من الثقوب السوداء؟
وجود عدد كبير من الثقوب السوداء قد يكون شائعا في جميع المجموعات التي شكلت تيارات المد والجزر، وهي تيارات من النجوم التي تم إخراجها من مجموعات النجوم أو المجرات القزمة.
مجرة درب التبانة بها أكثر من 150 عنقودا نجميا مرتبة في هالة شبة كروية (غيتي)
توصلت دراسة جديدة قام بها فريق دولي من علماء الفلك والفيزياء الفلكية، بقيادة جامعة برشلونة (University of Barcelona)، إلى أن مجموعة مكونة من آلاف النجوم قد تتحلل لتصبح مجموعة من عشرات الثقوب السوداء خلال مليار سنة.
وبحسب الدراسة التي نشرتها دورية "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy)، كشف علماء الفلك عن وجود عدد كبير من الثقوب السوداء في عنقود نجمي فريد من نوعه، يدعى "بالومار 5" (5 Palomar).
وتأتي هذه الدراسة بعد أن حلل العلماء مجموعات مكتظة بالنجوم القديمة، قد تحوي كل منها ملايين النجوم، فمجرة درب التبانة بها أكثر من 150 عنقودا كرويا مرتبة في هالة شبه كروية حول المجرة.
بالومار 5 واحد من نحو 150 عنقودا كرويا يدور حول المجرة (مارك جيليس – مرصد غايا)
العنقود النجمي "بالومار 5"
التجمعات النجمية أو العناقيد النجمية عبارة عن مجموعات من النجوم متجمعة معا كأنها عناقيد، مثل مجموعة الثريا، وهي تنقسم إلى نوعين: التجمعات المفتوحة والتجمعات المغلقة.
يعد "بالومار5" من تلك التجمعات النجمية التي تحوي داخلها مجموعة من النجوم تتخذ شكل كتلة كروية، اكتشفها والتر بادي عام 1950، وأعاد اكتشافها ألبرت جورج ويلسون بشكل مستقل في عام 1955.
ويوجد العنقود النجمي "بالومار 5" في كوكبة الحية على مسافة تبعد نحو 65 ألف سنة ضوئية من مركز مجرة درب التبانة، وهو واحد من نحو 150 عنقودا كرويا يدور حول المجرة. ويقدر علماء الفلك عمر هذا العنقود النجمي بأكثر من 10 مليارات سنة، مثل معظم العناقيد الكروية الأخرى، مما يعني أنها تشكلت في المراحل الأولى من تكوين المجرات.
ويعد التجمع النجمي "بالومار 5" فريدا من نوعه، لأنه واحد من التجمعات "الأكثر رقة" التي تسبح في هالة مجرتنا، حيث يبلغ متوسط المسافة بين النجوم بضع سنوات ضوئية، مقارنة بالمسافة بين الشمس وأقرب نجم، كما أن له تيارا نجميا مرتبطا به يمتد أكثر من 20 درجة عبر السماء.
هروب النجوم وزيادة أعداد الثقوب
في هذه الدراسة كشف الفريق العلمي الدولي عن بعض السمات المثيرة في مجموعة النجوم لعنقود "بالومار 5″؛ ومن أكثرها إثارة، أن عدد الثقوب السوداء يتجاوز أعداد النجوم في العنقود النجمي، حيث تم اكتشاف أكثر من 100 ثقب أسود في مركز الكتلة.
وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور مارك جيليس، من معهد علوم الكون في جامعة برشلونة (ICCUB) والمؤلف الرئيسي للدراسة، في البيان الصحفي الصادر عن الجامعة إن "أعداد الثقوب السوداء أكبر بـ3 مرات تقريبا من عدد النجوم في العنقود، وهذا يعني أن أكثر من 20% من الكتلة الكلية للعنقود تتكون من ثقوب سوداء، تبلغ كتلة كل منها نحو 20 ضعف كتلة الشمس".
وعن تشكيل الثقوب السوداء في هذه المجموعة النجمية، يقول البروفيسور جيليس "تشكلت هذه الثقوب السوداء في انفجارات سوبرنوفا في نهاية حياة النجوم الضخمة، عندما كانت الكتلة لا تزال صغيرة جدا".
ثقب أسود في الكتلة الكروية لعنقود نجمي (غيتي)
تيارات المد والجزر النجمية
وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور جيليس إن تيارات المد والجزر هي تيارات من النجوم التي تم إخراجها من مجموعات النجوم أو المجرات القزمة، وقد تم في السنوات القليلة الماضية اكتشاف ما يقرب من 30 تيارا رفيعا في هالة درب التبانة.
ويضيف جيليس "نحن لا نعرف كيف تتشكل هذه التدفقات أو التيارات، إلا أن إحدى الافتراضات المطروحة أنها مجموعات نجمية ممزقة. مع ذلك، لا يوجد في أي من التدفقات المكتشفة مؤخرا مجموعة نجمية مرتبطة بها، وبالتالي لا يمكننا التأكد، ولهذا فإن هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة أحدها بنظام نجمي مرتبط بها".
ومن ثم فقد قام العلماء بمحاكاة مدار وتطور كل نجم من نجوم عنقود "بالومار 5" منذ تشكله حتى الانحلال النهائي. ووجد الفريق أن العنقود تشكل بمكون قليل من النجوم السوداء، لكن نجومه هربت بشكل أكثر كفاءة من الثقوب السوداء، بحيث زاد مكون الثقب الأسود في العنقود عن النجوم تدريجيا.
ثم بعد ذلك قامت الثقوب السوداء بنفخ كتلة ديناميكيا في تفاعلات مقلاع الجاذبية مع النجوم، مما أدى إلى المزيد من النجوم الهاربة وتشكيل التيار أو ما يعرف بتيارات المد والجزر النجمية. إلى أن يذوب العنقود تماما بعد ما يقرب من مليار سنة من الآن، وحينها سيتألف العنقود بالكامل من ثقوب سوداء.
وجود عدد كبير من الثقوب السوداء قد يكون شائعا في جميع المجموعات النجمية (غيتي)
نتائج مهمة
يقول جيليس إن هذه الدراسة كشفت أن وجود عدد كبير من الثقوب السوداء قد يكون شائعا في جميع المجموعات التي شكلت تيارات المد والجزر، وهي تيارات من النجوم التي تم إخراجها من مجموعات النجوم أو المجرات القزمة.وتعد هذه النتيجة مهمة لفهم تشكل الكتلة الكروية، والكتل الأولية للنجوم وكذلك تطور النجوم الضخمة. هذا إلى جانب الآثار المهمة على موجات الجاذبية أيضا، إذ يُعتقد أن جزءا كبيرا من عمليات اندماج الثقوب السوداء الثنائية تتشكل في مجموعات نجمية.
وبحسب العلماء، فإن المجهول الكبير بالنسبة لهم في هذا السيناريو هو عدد الثقوب السوداء الموجودة في مجموعات أخرى، التي يصعب معرفتها بالرصد لأننا لا نستطيع رؤية الثقوب السوداء.