في السنوات الأخيرة، تمكن العلماء من التقاط نتيجة أخرى لنسبية أينشتاين، وهي موجات الجاذبية المنبعثة من دوران الأجسام الضخمة مثل النجوم النيوترونية والثقوب السوداء حول بعضها بعضا.
نظرية أينشتاين في النسبية العامة أظهرت أن الجاذبية تنشأ من انحناء الزمكان (ناسا)
الجاذبية هي إحدى القوى الأساسية الأربعة في الكون، إلى جانب الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة والقوية. وعلى الرغم من كونها مهمة بشكل كاف لمنع أقدامنا من الطيران بعيدا عن الأرض، تظل الجاذبية إلى حد كبير لغزا للعلماء.
حاول العلماء قديما تقديم تفسيراتهم لسقوط الأشياء على الأرض، فقد فسرها الفيلسوف اليوناني أرسطو، بأن للأجسام ميلا طبيعيا للتحرك نحو مركز الكون الذي كان يعتقد وقتئذ أنه وسط الأرض.
فيما بعد أدرك العالم نيكولا كوبرنيكوس أن مدارات الكواكب في السماء تكون منطقية أكثر إذا كانت الشمس هي مركز النظام الشمسي، وبالتالي تم استبعاد كون الأرض مركزا للكون. ومن ثم قام إسحق نيوتن، عالم الرياضيات والفيزيائي، بتوسيع نطاق رؤى كوبرنيكوس واستنتج أنه عندما تسحب الشمس الكواكب، تمارس جميع الأجسام قوة جذب على بعضها بعضا.
وفي أطروحته الشهيرة عام 1687، وصف نيوتن ما يعرف الآن بقانون الجاذبية الكونية، بأنه ينص على أن قوتَيْ التجاذب بين جسمين ماديين تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما، وعكسيا مع مربع المسافة بين مركزيهما.
وعادة يتم كتابته كالتالي (F=G×(M1M2)/r2). حيث F هي قوة الجاذبية، وm1 وm2 هما كتلتا الجسمين وr هي المسافة بينهما. وG هي ثابت الجاذبية، ثابت أساسي يجب اكتشاف قيمته من خلال التجربة.
هل الجاذبية قوية للدرجة التي نعتقدها؟
تعد الجاذبية أضعف القوى الأساسية الأربعة، بدليل أن قضيب مغناطيسي واحد قادر على رفع مشبك ورق معدني لأعلى كهرومغناطيسيا، متغلبا على قوة الجاذبية الأرضية بأكملها، حسب علماء الفيزياء فإن الجاذبية أضعف من الكهرومغناطيسية بنسبة 10 ^ 40 (وهذا هو الرقم 1 متبوعا بـ 40 صفرا) .
لكن لماذا، من بين القوى الأساسية الجاذبية هي الأضعف؟ يعد تفسير ذلك تحديا عميقا لعلماء الفيزياء، وعلامة فارقة أساسية على طريق نظرية موحدة لجميع القوى، حيث إن توحيد القوى الأساسية الأربعة في نظرية واحدة حلم علمي طويل الأمد.
وبحسب تقرير لموقع "لايف ساينس" (Live Science) يرى العلماء أنه في حين أن تأثيرات الجاذبية يمكن رؤيتها بوضوح على مقياس أشياء مثل الكواكب والنجوم والمجرات، فإن قوة الجاذبية على الأشياء اليومية يصعب للغاية قياسها.
ووفقا لما جاء في دورية "بي إن إيه إس" (PNAS) العلمية، فإنه في عام 1798، أجرى الفيزيائي البريطاني هنري كافنديش (Henry Cavendish) واحدة من أولى التجارب عالية الدقة في العالم لمحاولة التحديد الدقيق لقيمة G، ثابت الجاذبية.
بنى كافنديش ما يعرف بميزان الالتواء، حيث قام بربط كرتين صغيرتين من الرصاص بنهايات عارضة معلقة أفقيا بسلك رفيع. وبالقرب من كل من الكرات الصغيرة، وضع ثقلا كرويا كبيرا من الرصاص. كانت كرات الرصاص الصغيرة تنجذب جاذبيتها إلى أوزان الرصاص الثقيلة، مما تسبب في التواء السلك قليلا فقط، مما سمح له بحساب قيمة G.
من اللافت للنظر، أن تقدير كافنديش لقيمة G كان يختلف فقط بنسبة 1٪ من قيمته المقبولة في العصر الحديث، التي تبلغ 6.674 × 10^−11 m^3/ kg^1 * s^2، وفقا لموقع لايف ساينس.
من المعروف أن معظم الثوابت الكونية الأخرى تتمتع بدقة أعلى بكثير، ولكن نظرا لضعف الجاذبية، يجب على العلماء تصميم معدات حساسة للغاية لمحاولة قياس آثارها؛ ولكن -حتى الآن- مازالت قيمة G الأكثر دقة تستعصي على أدواتهم.
صدام بين ثقبين أسودين يقتربان من بعضهما البعض ليشكلا دوامة عملاقة ويطلقا موجات الجاذبية (ويكيبيديا)
ثورة أينشتاين لفهم الجاذبية
وقد أحدث ألبرت أينشتاين، الثورة التالية في فهمنا للجاذبية، حيث أظهرت نظريته في النسبية العامة أن الجاذبية تنشأ من انحناء الزمكان (الزمان-مكان)، مما يعني أنه حتى أشعة الضوء، التي يجب أن تتبع هذا الانحناء، تنحني بواسطة أجسام ضخمة للغاية.تم استخدام نظريات أينشتاين للتكهن بوجود الثقوب السوداء، وهي كيانات ذات كتلة كبيرة بحيث لا يمكن حتى للضوء الهروب من أسطحها. لذا، فإنه بالقرب من الثقب الأسود، لم يعد قانون الجذب العام لنيوتن يصف بدقة كيفية تحرك الأجسام، ولكن معادلات أينشتاين لها الأسبقية في ذلك.
اكتشف علماء الفلك منذ ذلك الحين ثقوبا سوداء حقيقية في الفضاء، حتى أنهم تمكنوا من التقاط صورة مفصلة للثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرتنا. وشهدت تلسكوبات أخرى تأثيرات الثقوب السوداء في جميع أنحاء الكون.
يظل تطبيق قانون الجاذبية لنيوتن على الأجسام الخفيفة للغاية، مثل البشر والخلايا والذرات، نوعا من الحدود غير المدروسة؛ حيث يفترض الباحثون أن مثل هذه الكيانات يجب أن تجتذب بعضها البعض باستخدام نفس قواعد الجاذبية مثل الكواكب والنجوم، ولكن نظرا لضعف الجاذبية، فمن الصعب معرفة ذلك على وجه اليقين. ربما إذا تمكن العلماء من قياس قوى الجاذبية بدقة، سيكون من الممكن فهم الجوانب الخفية للكون.
بينما يحمل الضوء جسيما يسمى الفوتون، ليس لدى الفيزيائيين أي فكرة عما إذا كان هناك جسيم مكافئ للجاذبية (يوريك ألرت)
قوة دائمة من الغموض
تحير الجاذبية العلماء بطرق أخرى أيضا، بالنسبة لنظرية النمذجة القياسية لفيزياء الجسيمات، التي تصف تصرفات جميع الجسيمات والقوى المعروفة تقريبا، فإنها تتجاهل الجاذبية. بينما يحمل الضوء جسيما يسمى الفوتون، ليس لدى الفيزيائيين أي فكرة عما إذا كان هناك جسيم مكافئ للجاذبية، والذي يمكن أن يسمى الجرافيتون.
لا يزال الجمع بين الجاذبية في إطار نظري مع ميكانيكا الكم، مهمة غير مكتملة. وعلى الرغم من أن القوى الأساسية الثلاث الأخرى تتوافق مع ميكانيكا الكم (علم الأشياء الصغيرة جدا)، فإن الجاذبية تختلف كثيرا معها. إذ تنهار معادلات ميكانيكا الكم، إذا ما أضيفت الجاذبية إليها، وتعتبر كيفية التوفيق بين هذين الوصفين الدقيقين للكون من أكبر المعضلات الفيزيائية حاليا.
وعلى الجانب الآخر، ما زالت الجاذبية تستخدم للوصول إلى الاكتشافات الهائلة. في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أظهر عالما الفلك فيرا روبين وكينت فورد أن النجوم الموجودة على أطراف المجرات كانت تدور بسرعة أكبر مما ينبغي كما لو أن كتلة غير مرئية كانت تسحبها بقوة الجاذبية، ليتم تسليط الضوء بعد ذلك على مادة يسميها العلماء الآن "المادة المظلمة".
وفي السنوات الأخيرة، تمكن العلماء أيضا من التقاط نتيجة أخرى لنسبية أينشتاين، وهي موجات الجاذبية المنبعثة من دوران الأجسام الضخمة مثل النجوم النيوترونية والثقوب السوداء حول بعضها بعضا.
ومنذ عام 2017، فتح مرصد موجات الجاذبية بالتداخل الليزري (LIGO) نافذة جديدة للكون من خلال اكتشاف الإشارة الخافتة للغاية لمثل هذه الأحداث. ويحاول العلماء البحث عن موجات الجاذبية لفهمها بشكل أكبر.