فى عام 962 شاهدت مدينة روما، للمرة الثانية، ملكاً عظيماً من شمال الألب يتوج أمبراطوراً رومانياً. فكما قام البابا ليو الثالث بتتويج شارلمان فى يوم عيد الميلاد عام 800، كذلك قام البابا يوحنا الثانى عشر بتتويج أتو الأول أمبراطوراً ( 936 - 973 ). وكان أوتو يلقب نفسه ايضاً بملك الفرنجة كما فعل شارلمان، ولكنه فى الواقع لم يكن يحكم سوى ألمانيا. ومنذ ذلك الوقت، ولعدة قرون تلت، كان الأباطرة ملوكاً جرمانيين.
أراد أوتو أن يقلد شارلمان، فتوج عام 936 ملكاً على ألمانيا فى " آخن "، مدينة شارلمان. إلا أن ألمانيا لم تكن فى ذلك الوقت بلداً متحداً، بل كانت مقسمة إلى خمس دوقيات هى : ساكسونيا، لوترنجيا ( اللورين حالياً )، فرانكونيا، سوابيا و بافاريا.
وقد أمضى أوتو العشرين سنة الأولى من حكمه فى إخماد الثورات. وكانت له ثلاث مزايا، فهو أولاً ملك، وهذه الصفة تجعل طاعته واجباً يشعر به محبو السلام. وهو ثانياً سكسونى ودوق على السكسون الذين كانوا أقوى المحاربين الألمان، وهو ثالثاً حليف الكنيسة التى كانت تشد أزره، وهو بدوره يحميها و يزيد من تراثها و سلطانها. وقد جعل من أخيه برونو رئيساً لأساقفة كولونيا، وفى الوقت نفسه دوقاً على لوترنجيا. وكان برونو أقل مبعثاً للمتاعب من غيره و خادماً أميناً للملك أوتو.
وبعدما تمكن من إخماد الثورات، أصبح بإمكانه أن يفكر فى تتبع خطوات شارلمان فى إيطاليا.
كان شارلمان يحكم ما نسميه اليوم فرنسا و ألمانيا و إيطاليا. إلا أن أمبراطوريته تفككت فى القرن التالى لوفاته إلى عدد من الممالك المختلفة. وفى القرن العاشر كانت ألمانيا أهم هذه الممالك، ولم يكن ملكها قد نسى أنه بصفته وريثاً لشارلمان فإن له الحق فى أن يطالب بملكية إيطاليا. وفى عام 951 كانت ملكة إيطاليا قد أصبحت أرملة، فدعت أوتو إلى حمايتها.
ولم يكن من الواضح ما إذا كان أوتو قد ذهب إلى إيطاليا بدعوة من الملكة " أدليد " أو بدافع المطالبة بعرش إيطاليا. ومهما يكن من أمر فإن أوتو تزوج من أدليد، وبذلك أصبحا ملكاً على إيطاليا و ألمانيا.
وفى ألمانيا لم تستمر الاوضاع هادئة، ففى عام 952 علم أن أثنين من الدوقات كانا يخططان للثورة، و أحدهما كان ابنه " ليودولف " الذى كان أوتو قد جعله دوقاً على " سوابيا ".
أقتضى الأمر سنتين لإخماد الثورة الثانية. وفى عام 954 أنتهز الهنغارييون فرصة الحرب الأهلية و غزوا ألمانيا، وكانوا فى ذلك الوقت من القبائل البربرية. وقد رحب بهم الثوار على الرغم من أن ترحيبهم نفر الناس منهم.
وفى العام التالى ( 955 ) جاء الهنغاريون مرة ثانية. غير أن أوتو أستطاع هذه المرة أن يجابههم على رأس جيش ألمانى متحد، وهزمهم فى موقعة " لشفيلد ". وكان هذا النصر ساحقاً لدرجة أن الهنغاريين لم يعودوا الهجوم على ألمانيا بعد ذلك. كما لم تحاول أية قبيلة أخرى تهديد أوروبا جدياً بعد ذلك.
فى الوقت الذى كان فيه أوتو منهمكاً بمحاربة الهنغاريين خرج الإيطاليون على طاعته. وفى عام 961 عاد إلى إيطاليا و تمكن من تحقيق هدفه، إذ دان له امراؤها و أساقفتها فى ميلانو. ودعاه البابا لتتويجه أمبراطوراً، وفى 2 شباط ( فبراير ) 962 تم تتويجه كما سبق تتويج شارلمان قبله.
كان شارلمان و أوتو يظنان أنهما يحييان الأمبراطورية الرومانية فى الغرب. أما فى الشرق فإنها كانت ماتزال حية فى إطار الأمبراطورية البيزنطية، إلا أن أمبراطورية أوتو كانت أضعف من أمبراطورية روما. ومنذ تتويج أوتو عرفت المملكة بأسم " الأمبراطورية الرومانية المقدسة ".
فى عام 1806 قام فرنسوا الثانى أمبراطوراً النمسا بإلغاء اللقب، بعد هزيمته أمام نابوليون. وقد قام أوتو بقيادة الشعوب الجرمانية ضد البربر، و أعاد النظام إلى إيطاليا، كما عاد النظام إلى إيطاليا، كما أعاد للبابوية أحترام العالم الغربى له.
كانت الكنيسة تعاون أوتو كملك بصورة مستمرة، وهذا التعاون جسده البابا يوحنا الثانى عشر بتتويجه أمبراطوراً. مقابل ذلك كان اوتو يساعد الكنيسة و يحميها، ولكنه فى الوقت نفسه كان يتوقع منها طاعته كما طاعت شارلمان. ولم يكن البابا ف ذلك الوقت يتمتع بالقوة كما حصل بعد ذلك. وعندما حضرته الوفاة فى عام 973، أعترف به كأعظم ملك فى أوروبا الغربية، يدين له جميع رعاياه بالطاعة.