دراسة أميركية تحدد 29 كوكبا بإمكانها مراقبة الأرض إن وجدت حضارات ذكية
تتيح لنا إحدى الدراسات تخيل أي كوكب من الكواكب المجاورة لنا قد يكون قادرا على العثور علينا".
من المرجح أنه في حال وجود حضارات ذكية أخرى، فإنها كانت طوال الفترة الماضية تقوم بمراقبتنا (غيتي)
مؤخرا، حددت باحثتان أميركيتان 29 كوكبا من الكواكب الخارجية القريبة التي من المحتمل أنها تؤوي حضارات متطورة ترصد الحياة على الأرض منذ حوالي 5 آلاف سنة، أو قد تقوم بذلك مستقبلا.
في تقرير نشرته مجلة "لوبس" (L’OBS) الفرنسية، يقول الكاتب جان بول فريتز إنه تزامنا مع الوقت الذي قضته البشرية على مدار العقود القليلة الماضية في مراقبة الكواكب الأخرى، فمن المرجح أنه في حال وجود حضارات ذكية أخرى، فإنها كانت -طوال الفترة الماضية- تقوم بمراقبتنا أيضا.
وإذا كانت مثل هذه الحضارات موجودة فعلا وتقوم بمراقبتنا من بعيد، فأين هي تحديدا؟ هذا هو السؤال الذي طرحته عالمتان أميركيتان في الفيزياء الفلكية، وقد كشفتا عن نتائج دراستهما بمجلة "نيتشر" (Nature) في يونيو/حزيران الماضي.
سواء كان ذلك من خلال تأثير الجاذبية الذي تمارسه على النجوم المحيطة بها، أو عبر انخفاض اللمعان الذي تسببه عند المرور أمام شموسها، فإن الكواكب الخارجية توفر لنا عناصر كافية لتمييز طبيعتها -سواء كانت صخرية أو غازية- من خلال التلسكوبات وأجهزة الرصد.
تم رصد أكثر من 4 آلاف كوكب خارجي منذ أوائل تسعينيات القرن الـ20 الماضي (غيتي)
"البشر هم الفضائيون"
يعدّ علم الكواكب الخارجية من العلوم الحديثة، وقد رصد أكثر من 4 آلاف كوكب منذ أوائل تسعينيات القرن الـ20 الماضي، مع ذروة كبيرة في عدد الكواكب المكتشفة بعد إطلاق تلسكوب كيبلر الفضائي.
ويقوم المتخصصون في علم الأحياء الفلكية -الذين يدرسون إمكانيات وجود الحياة في أماكن أخرى خارج الأرض- بتطوير تقنيات حديثة بشكل مطّرد لمحاولة تصنيف العلامات التي قد تشير إلى أن هناك كوكبا خارج المجموعة الشمسية يمكن أن يلائم تطور النباتات أو الحيوانات، وهو ما يُطلق عليه البصمات الحيوية.
افترضت ليزا كالتينيغير -مديرة معهد "كارل ساغان" في جامعة كورنيل- والدكتورة جاكي فارتي -من قسم الفيزياء الفلكية بالمتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي- أنه "إذا كان البشر قادرين على البحث عن علامات وجود حياة أو حضارات على الكواكب البعيدة، يمكن لتلك الحضارات (إن وُجدت) أن تفعل الشيء ذاته بشكل جيد. بقي أن نعرف، أي تلك الكواكب قادرة على فعل ذلك"، وهذا ما عملت الباحثتان على دراسته.
توضح البروفيسورة كالتينيغر أنه "من وجهة نظر الكواكب الخارجية، نحن كائنات فضائية"، مضيفة أنها عملت مع زميلتها على معرفة النجوم التي كانت في وضع جيد لرؤية الأرض عندما حُجب ضوء الشمس.
في الواقع، على مدى آلاف السنين، غيّرت النجوم (بما في ذلك الشمس) مكانها في المجرة، لذلك فإن مراقبة الأرض في أوقات معينة كانت متاحة من كوكب خارجي، لكن الوضع يتغيّر بعد بضع مئات من السنين وتصبح المراقبة غير ممكنة.
زودنا مرصد غايا بخريطة دقيقة لمجرة درب التبانة (غيتي)
أهمية الكسوف
لاكتشاف علامات الحياة على كواكب أخرى، يجب أن تكون قادرا على توجيه التلسكوب نحوه مباشرة. في الوقت الحالي، تتمثل طريقة الرصد الوحيدة أن يكون الكوكب في حالة عبور، أي أن يمر بيننا وبين نجمه، وهو نوع من الكسوف البعيد.
ويوفر ذلك معلومات حول الغلاف الجوي المحتمل من خلال تحليل الضوء القادم من الكوكب. ولكن لكي يحدث العبور، يجب أن يتوجّه مدار الكوكب الموجود خارج المجموعة الشمسية نحو الأرض.
وباستخدام قاعدة بيانات مرصد "غايا" الفضائي الذي أطلقته وكالة الفضاء الأوروبية، والتي تحتوي على معلومات عن جميع النجوم داخل دائرة نصف قطرها 100 فرسخ فلكي (الفرسخ الفلكي يساوي 3.26 سنوات ضوئية تقريبا)؛ تمكنت ليزا كالتينيغير وجاكي فارتي من تحديد 2034 نظاما نجميا لديه القدرة على مراقبة الأرض.
تقول الدكتورة فارتي "زودنا مرصد غايا بخريطة دقيقة لمجرة درب التبانة، مما سمح لنا بالنظر إلى الماضي والمستقبل ومعرفة أين كانت النجوم وإلى أين تتجه".وتعتقد العالمتان أن أي مراقب للأرض سيكون لديه متسع للقيام بذلك، وتوضح البروفيسورة كالتينيغير فتقول "تُظهر تحليلاتنا أنه حتى أقرب النجوم تقضي أكثر من ألف عام في وضع يسمح لها برؤية عبور الأرض. هذا من شأنه أن يوفر وقتا كافيا للحضارات المفترضة لمراقبة الأرض على أنها كوكب مثير للاهتمام".
طريقة رصد الكوكب الوحيدة أن يكون في حالة عبور، بأن يمر بيننا وبين نجمه الذي يكون في حالة كسوف (غيتي)
29 كوكبا خارجيا
عند الدخول في تفاصيل الدراسة، نكتشف بعض الحقائق المثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، تبين أن 128 من هذه النجوم هي من النوع جي، مثل شمس درب التبانة.
إجمالا، من بين أكثر من ألفي نجم ربما كان هناك 1715 نجما قام بمراقبتنا في الماضي، وسيتم إضافة 319 نجما إلى قائمة المراقِبين المحتملين في وقت ما خلال 5 آلاف سنة القادمة. ومن النجوم التي يزيد عددها على ألفي نجم يوجد 117 نجما ضمن نطاق 100 سنة ضوئية من الشمس.
بطبيعة الحال، لكي يكون هناك كائنات فضائية، يجب أن تكون هناك كواكب صالحة للحياة. ومن بين 2034 نجما هناك 7 فقط لها حاليا كواكب خارجية محددة. هذا لا يعني أن النجوم الأخرى ليس لها كواكب، لكننا حتى الآن لم نتمكن من رصدها.
هذا الأمر ليس مفاجئا، فحتى اليوم، أكثر الكواكب التي يسهل رصدها هي الكواكب الغازية العملاقة، نظرا لحجمها وكتلتها. في المقابل، يصعب اكتشاف الكواكب الصخرية، مثل الأرض، إذا لم تمر مباشرة أمام نجمها. بالإضافة إلى ذلك، لم تستكشف تلسكوباتنا حتى الآن سوى جزء صغير جدا من السماء المرئية.
إحصائيا، مع الأخذ في الاعتبار البيانات الخاصة بالكواكب الخارجية التي تم اكتشافها بالفعل، تقدّر الدراسة أنه من المحتمل وجود 508 كواكب صخرية صالحة للحياة. وفي غضون 100 سنة ضوئية، فإن 29 من تلك الكواكب قادرة على رؤيتنا والاستماع إلينا.
لا يزال مفهوم قابلية الحياة موضع تساؤل حتى يومنا هذا (غيتي)
كواكب مجاورة قابلة للحياة
في قائمة هذه الكواكب المجاورة القريبة، نلاحظ عددا من الكواكب الخارجية المعروفة بالفعل، بدءا من الأقرب، وهو "روس 128 بي"، والذي يدور حول كوكب قزم أحمر يقع على بعد 11 سنة ضوئية باتجاه كوكبة العذراء.
ويقع هذا الكوكب -الذي تفوق كتلته 35% من كتلة الأرض- في منطقة صالحة للحياة، لذلك فإن هناك احتمالا من الناحية النظرية لوجود مياه سائلة على سطحه. وإذا وُجدت حضارة متطورة على سطح هذا الكوكب، فقد كان بإمكانها مراقبتنا من بعيد لأكثر من ألفي عام، ولكن ذلك لم يعد متاحا منذ 9 قرون، وفقا للدراسة.
في المقابل، لا يستطيع نظام "ترابيست-1" (TRAPPIST-1) -المعروف أن لديه 7 كواكب قريبة في حجمها من الأرض بينها 4 كواكب في "منطقة صالحة للحياة"- رؤيتنا حتى الآن.
أما نجمة "تيغاردن" (Teegardens) -إحدى أصغر النجوم المعروفة، والتي تبعد عنا نحو 12.5 سنة ضوئية وتضم كوكبين أكبر قليلا من الأرض يقع كلاهما في "منطقة صالحة للعيش"- فلا يمكن لسكانها -إن وُجدوا- مراقبة الأرض إلا بداية من عام 2050.
يمكننا أن نتخيل أن العوالم البعيدة التي اكتشفتنا بالفعل تضع خططا مماثلة لخططنا (غيتي)
لا يوجد كائنات فضائية بعد
يرى الكاتب أنه رغم قيمة هذه النتائج، يجب النظر في حدود الدراسة.
- أولا، نحن لا نعرف ما إذا كانت هناك كواكب خارجية صالحة للحياة وفق النسب المقدرة أم لا.
- ثانيا، لا يزال مفهوم قابلية الحياة موضع تساؤل حتى يومنا هذا.
- ثالثا، ليس بالضرورة أن تظهر حياة على كوكب ما لمجرد أن الظروف ملائمة لذلك.
مع ذلك، فإن فرضيات الباحثتين الأميركيتين، على الرغم من كونها لا تستند إلى أدلة مثبتة عمليا، فإن لها فوائد عملية، فهما تحددان مسبقا النجوم التي يمكن أن تكون موضوع دراسات أكثر تفصيلا لرصد أدلة وجود حياة ذكية خارج كوكب الأرض.
ومن المتوقع أن يلقي تلسكوب "جيمس ويب" (James Webb) الفضائي -المقرر إطلاقه في موعد لا يتجاوز نوفمبر/تشرين الثاني 2021- نظرة فاحصة على العديد من الكواكب الخارجية التي يمكن تحليل غلافها الجوي.
وتفترض الدكتورة فارتي أنه "يمكننا أن نتخيل أن العوالم البعيدة التي اكتشفتنا بالفعل تضع خططا مماثلة لخططنا. وتتيح لنا هذه الدراسة تخيل أي كوكب من الكواكب المجاورة لنا قد يكون قادرا على العثور علينا".