من حق المؤمن أن يستعين بكل القوى الروحيّة والماديّة (الوسائل والمسببات) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ - [سُّورَةُ الْمَائِدَةِ : 35.] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ - [سُّورَةُ الْإِسْرَاءِ : 57.] ، ولا توجد أدنى مشكلة في ذلك مادامت هذه الاستعانة ليست بشيء محرمٍ . والمؤمن يطلب العون من محمّد أو علي أو فاطمة أو زينب أو حسن أو حسين أو المهدي والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام لأنّهم أولياء الأمور والوسيلة إلى الله تعالى وباب الله الذي منه يؤتى ، ولقد كانت شعارات المسلمين في الحروب هي : "يا محمداه" أو "وا محمداه" . عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : «الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ ، مَنْ أَطَاعَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، هُمُ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى ، وَهُمُ الْوَسِيلَةُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ» . (البحار : ج36، ص244، عن عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام.)
وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ قال : «أَنَا وَسِيلَتَهُ» . وفي خُطبة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) المروية في دلائل الإمام للطبري - الجزء (1) - الصفحة (159) :- «...فَاحْمَدُوا اَللَّهَ اَلَّذِي بِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ اِبْتَغَى مَنْ فِي اَلسَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي اَلْأَرْضِ إِلَيْهِ اَلْوَسِيلَةَ ، فَنَحْنُ وَسِيلَتُهُ فِي خَلْقِهِ ، وَنَحْنُ آلُ رَسُولِهِ ، وَنَحْنُ حُجَّةُ غَيْبِهِ ، وَوَرَثَةُ أَنْبِيَائِهِ...» . وفي الزّيارات المأثورة نقرأ : «أَنْتَ وَسيلَتي إِلى اللهِ ، وَبِكَ أَتَوَسَّلُ إِلى رَبّي» . وفي دعاء عَلْقَمة المرويّ عن الإمام الباقر (عليه السلام) بعد زيارة عاشوراء : «فَإِنِّي بِهِمَا أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا، وَبِهِمْ أَتَوَسَّلُ وَبِهِمْ أَتَشَفَّعُ» . وفي باب بدو أرواحهم في حديثٍ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «نَحْنُ الْوَسِيلَةُ إِلَى اللَّهِ ، وَالْوَصْلَةُ إِلَى رِضْوانِ اللَّهِ» .
لأنّ الروحانيّة الخاصة بهم تحضر عند كل من يذكرهم ويستنجد بهم ويصل مدى محيطها لمسافاتٍ بعيدةٍ جداً ، فالموتى يسمعون حتّى لو كانوا كفّاراً فكيف بالنبي محمد وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) ؟! حيث ورد أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشرف على قليب بدر وفيه جثث أقطاب المشركين ، فقال : «قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» ؟ فاعترض عليه بعض الصحابة وقالوا : أتتكلّم مع الموتى ؟! فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «إِنَّهُمْ أَسْمَعُ مِنْكُمْ وَأَبْصَرُ» .
وكما أسلفنا أنّ الله تعالى قد قرن طاعته مع طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر ، فمن يطيع أهل البيت (عليهم السلام) كأنّما أطاع الله تعالى ، والله يفعل ما يشاء ويقضي حوائجنا كرامةً وحُبّاً لهم . وهذا ليس مخالفاً للإخلاص في الدعاء والعبادة ولا يكون من قبيل الشرك بل هو عين التوحيد ؛ لأنّ من يتوسّل بالنبي وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) لا يرى لهم حول ولا قوّة إلّا بالله تعالى ، فالخطاب وإن كان متوجّهاً إليهم في الظاهر فيقول مثلاً ﴿يا محمّد﴾ في الظاهر لكنّه واقعاً يدعوا الله تعالى في الحقيقة ؛ لأنّ الله تعالى أبى ان يجري الأشياء إلّا بأسبابها ، والله تعالى مسبّب الأسباب ولا مؤثّر في الوجود إلّا الله تعالى ، وقد تكون الأسباب تكوينيّة ، وقد تكون فعل انسان كالنبي أو الإمام ، أو قد تكون على يد طبيب على سبيل المثال لو كنت مريضاً فاستعملت الدواء ، هل تصير مشركاً بذلك لأنّك دعوت غير الله واستعنت بغير الله ؟! أم أنّك تشرب الدواء ؛ لأنّ الله قد جعل فيه خاصية الشفاء ؟. فالله تعالى الشافي في الحقيقة والدواء وسيلة ، ولولا إرادة الله تعالى لم ينفع الدواء أصلاً والطبيب إنّما هو وسيلة وآلة ، أمّا لو راجعت الطبيب وترى أنّ الطبيب هو الشافي الوحيد الذي ينجيك فهذا الإلحاد بعينه .
فحينما نطلب العون من السبب التكويني أو السبب العيني ففي الحقيقة نطلب من الله تعالى الذي هو مسبّب الأسباب ، فالله تعالى أراد أن يبيّن ويوضح للأمّة مقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومنزلته الشريفة ، فأمر الناس بالتوجّه إليه وجعله واسطة بينه وبين خلقه ليقضي حوائجهم ويغفر لهم ذنوبهم ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 64.] ، فالمسلم كان بإمكانه أن يستغفر بنفسه ويطلب المغفرة من الله تعالى ، لكن الله أمره أن يأتي إلى النبي ويطلب منه الإستغفار له ، كما انّ المسلمين كانوا يتمكّنون من الدعاء والاستسقاء بأنفسهم ، لكنّ الله تعالى أمرهم بالتوسّل إلى النبي وجعله واسطة بينهم وبين الله تعالى لينزل عليهم المطر .
قد يقول قائل أنّ هذه الآية : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ تدلُّ على الاستغاثة بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط عند حياته ولا تصلح عنده موته . والإجابة على ذلك من كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي - الجزء (9) - الصفحة (24) - الحلقة (14250) :- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ، يُبَلِّغُونَ عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ . قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُحْدِثُونَ وَيُحَدَثُ لَكَمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكَمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمَدَتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكَمْ» . رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ .
وعن نيل الأوطار للشوكاني - الجزء (5) - الصفحة (113) :- «احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ [النساء: 64] الْآيَةَ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ جُزْءًا . قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ: قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ كَانَ الْمَجِيءُ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْمَجِيءِ إلَيْهِ قَبْلَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَتْرُكُونَ قُبُورَهُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ . وَرُوِيَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ قَدَحَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ وَيُعَارِضُ الْقَوْلَ بِدَوَامِ حَيَاتِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُرَدُّ إلَيْهِ رُوحُهُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، نَعَمْ حَدِيثُ مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي الَّذِي سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ صَحَّ فَهُوَ الْحُجَّةُ فِي الْمَقَامِ وَاسْتَدَلُّوا ثَانِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: 100] الْآيَةَ، وَالْهِجْرَةُ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ الْوُصُولُ إلَى حَضْرَتِهِ كَذَلِكَ الْوُصُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُصُولَ إلَى حَضْرَتِهِ فِي حَيَاتِهِ فِيهِ فَوَائِدٌ لَا تُوجَدُ فِي الْوُصُولِ إلَى حَضْرَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْهَا النَّظَرُ إلَى ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ وَتَعَلُّمُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مِنْهُ وَالْجِهَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ» .
وقد استعان الأنبياء بأسباب طبيعية أورثت المعجزات ، كاستعانة نبي الله يوسف (عليه السلام) بقميصة في تطبيب عين أبيه يعقوب (عليه السلام) ، قَالَ تَعَالَى : ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 93.] ومن جميع هذه الآيات وغيرها يستفاد أنّ الاستغاثة بأولياء الله والذين أكرمهم الله تعالى وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في الحقيقة نفس التوكّل على الله والاستعانة منه والاستغاثة به ، فإنّ الله تعالى أحبّ ان يتوسّل المؤمنون اليه بهؤلاء لكي يعرف الناس مقامهم ومنزلتهم . قال الله تعالى في قصّة إخوة يوسف : ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 97.] ، وقد كان أبوهم يعقوب من الأنبياء ومع ذلك لم ينكر عليهم ولم يقل لهم أبوهم يعقوب طلبكم هذا شرك ولم يقل لهم استغفروا الله بأنفسكم ولا تطلبوا منّي الاستغفار لكم ، وانّما قرّرهم على ذلك ووعدهم بالاستغفار لهم ، قَالَ تَعَالَى : ﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ - [سُّورَةُ يُوسُفَ : 98.]
حتّى أنّ رسول الله مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قادرٌ على أن يغني ويرزق ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 74.] لكن الفرق أنّ الله يغني بذاته وعلى نحو الاستقلال ، أمّا الرسول فهو يغني بإذن الله وحوّله وقوّته وإرادته . وقد روي أنّ ضريراً جاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشكو من عمى عينيه ، فأمره أن يتوضأ ويحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِي ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِيهِ» .
وقد توسل عمر بن الخطاب بالعباس (عليه السلام) للاستسقاء ، فعن صحيح البخاري - الجزء (2) - الصفحة (27) - الحلقة (1010) :- حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا»، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ .
وهناك روايات يتوسّل فيها الأئمّة (عليهم السلام) بالنبي مُحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلّى الله عليهم وسلّم) ، حيث ورد أنّ الإمام علي الهادي (عليه السلام) مَرِضَ مرضاً شديداً ، فطلب من بعض أصحابه أن يذهب من سامراء الى كربلاء ويدعو لشفائه تحت القبّة الشريفة للإمام الحسين (عليه السلام) ، ولما اعترضوا عليه بأنّك إمام معصوم وحجّة من الله تعالى فلا حاجة لك الى التوسّل بقبر الحسين (عليه السلام) فأجاب : «إِنَّ للَّهِ تَعَالَى أَمْكِنَةً يُحِبُّ أَنْ يُدْعَى فِيهَا وَيَسْتَجِيبُ دُعَاءَ مَنْ دَعَا فِيهَا» . لأنّ هناك مواضع يشعر الإنسان فيها بالقرب من الله وإن لم تكن لها قدسيّة ، ككونه تحت السماء ، ولذلك أمر في بعض الصلوات والأدعية أن يخرج الإنسان بها من تحت السقوف إلى ما تحت السماء والصحراء ؛ فإنّ الإنسان يشعر فيها بقربه من الله تعالى ، ولذلك أمر في صلاة العيد والاستسقاء أن يصحروا بهما ؛ فكلّ موضع يشعر فيه العبد بالقرب ويذكّره بالله تعالى يؤمّل فيه استجابة الدعاء .
وهناك حالات للإنسان تؤثر فيه بشعور القرب كالبعد عن زخارف الدنيا ؛ ولذلك أمر الحاج بلبس ثوبي الإحرام والتنعل وكشف الرأس . والدعاء والصلاة أيضاً للتأثير في الإنسان ، فرحمة الله واسعة شاملة ، وعلى الإنسان أن يصقل مرآة نفسه ليمكنه الاستضاءة من هذا النور الغامر ، والصلاة والدعاء وغيرهما من العبادات تحقّق الأرضيّة الصالحة لاستقبال أنوار الرحمة الإلهيّة . فكذلك التوسّل والحضور لدى الرسول والأئمة (صلّى الله عليهم وسلّم) ؛ كلّ ذلك من أجل التأثير في الإنسان ليشعر بالقرب وإلّا فلا شيء يؤثر في الله تعالى .
وكان الأئمة (عليهم السلام) ومنهم الإمام محمد الباقر (عليه السلام) إذا اشتدّ به المرض يقول : «يَا فَاطِمَةُ» ؛ لأنّها الصدّيقة بنت الصدّيق فاطمة بنت محمد الزهراء (صلوات الله عليها) أُم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وسيدة المؤمنين . فعن المستدرك على الصحيحين للحاكم - الجزء (3) - الصفحة (170) - الحلقة (4740) :- زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدٍ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَهُوَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: «يَا فَاطِمَةُ، أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَسَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟» هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ هَكَذَا .
وعن تاريخ الإسلام للذهبي - الجزء (3) - الصفحة (46) :- وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَرَحَّبَ بِهَا كَمَا كَانَتْ هِيَ تَصْنَعُ بِهِ، وَقَدْ شَبَّهَتْ عَائِشَةُ مِشْيَتَهَا بِمِشْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . رواه أبو داود في الأدب 4/ 355 رقم (5217) باب ما جاء في القيام، والترمذي في المناقب 5/ 361، 362 رقم (3964) باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها، والحاكم في المستدرك 3/ 154 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه أيضا في ج 3/ 160، وابن سعد في الطبقات 8/ 26، 27.
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ : انْهَزَمَ النَّاسُ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَّا عَلِيٌّ وَحْدَهُ . فَقُلْتُ : إِنَّ ثُبُوتَ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ لَعَجَبٌ !!! قَالَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : إِنْ تَعَجَّبْتَ مِنْهُ فَقَدْ تَعَجَّبَتِ الْمَلَائِكَةُ . أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ يَعْرُجُ إِلَى السَّمَاءِ : ﴿لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ﴾ . وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ : قَالَ لِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ أُحُدٍ : أَمَا تَسْمَعُ مَدِيحَكَ فِي السَّمَاءِ ؟ إِنَّ مَلَكاً اسْمُهُ رِضْوَانُ يُنَادِي : ﴿لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ﴾ . وَيُقَالُ إِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) نُودِيَ فِي هَذَا الْيَوْمِ :
نَادِ عَلِيّاً مَظْهَرَ الْعَجَائِبِ * * * تَجِدْهُ عَوْناً لَكَ فِي النَّوَائِبِ
كُلُّ غَمٍّ وَهَمٍّ سَيَنْجَلِي * * * بِوَلَايَتِكَ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ
بالنسبة إلى آية : ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ ، فهذه خاصة بالأصنام والأوثان التي تُعبد من دون الله تعالى ، وهي لا تسمع الدعاء لأنّها جمادٌ ، فعن تفسير ابن أبي حاتم الرازي - الجزء (10) - الصفحة (3177) - الحلقة (17965) :- عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ قَالَ: هِيَ الْآلِهَةُ لَا تَسْمَعُ دُعَاءَ مَنْ دَعَاهَا وَعَبَدَهَا مِنْ دَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَو سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ قَالَ: وَلَوْ سَمِعْتِ الْآلِهَةُ دُعَاءَكُمْ مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ قَالَ: بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ . (الدر 7/ 16)
وعن تفسير الطبري - الجزء (19) - الصفحة (350) :- قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: 14] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ تَدْعُوا أَيُّهَا النَّاسُ هَؤُلَاءِ الْآلِهَةَ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ، لِأَنَّهَا جَمَادٌ لَا تُفْهَمُ عَنْكُمْ مَا تَقُولُونَ ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: 14] يَقُولُ: وَلَوْ سَمِعُوا دُعَاءَكُمْ إِيَّاهُمْ، وَفَهِمُوا عَنْكُمْ أَنَّهَا قَوْلُكُمْ، بِأَنْ جُعِلَ لَهُمْ سَمْعٌ يَسْمَعُونَ بِهِ، مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نَاطِقَةً، وَلَيْسَ كُلُّ سَامِعٍ قَوْلًا مُتَيَسَّرًا لَهُ الْجَوَّابُ عَنْهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ: فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَهُوَ لَا نَفْعَ لَكُمْ عِنْدَهُ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ضُرِّكُمْ، وَتَدَعُونَ عِبَادَةَ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعُكُمْ وَضُرُّكُمْ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ .
وعن تفسير ابن كثير - الجزء (6) - الصفحة (541) :- ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ يَعْنِي: الْآلِهَةَ الَّتِي تَدْعُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ ؛ لِأَنَّهَا جَمَادٌ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ أَيْ: لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَا تَطْلُبُونَ مِنْهَا، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ ، أي: يتبرؤون مِنْكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الْأَحْقَافِ: 5، 6] ، وَقَالَ: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مَرْيَمَ: 81، 82] .
فلا دخل لهذه الآية بقضية التوسل بأهل البيت (عليهم السلام) التي يشنع بها المخالفين على الشيعة ! ذلك لأنّ النبي محمد وعترته (صلّى الله عليهم وسلّم) ليسوا جماداً أو أصناماً لا ترى ولا تسمع ! وإنّما هم أحياءٌ لإنّهم ماتوا في سبيل الله تعالى ، فما مضى منهم أحدٌ إلّا مسمومٌ أو مقتولٌ ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 154.] . وهم يرزقون عند الله عزّ وجلّ ، والله ربنا موجودٌ في كل مكانٍ أحاط بكل شيءٍ علماً وأحصى كل شيءٍ في إمامٍ مبين .
أمّا بالنسبة لهذه الآية : ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ ، فالخطاب وإن كان موجهاً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلّا أنّ المقصود منه الأُمة أي المسلمين ؛ لأنّ القرآن الكريم كتاب تذكرة للمتقين : ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْحَاقَّةِ : 48.] وَقَالَ تَعَالَى : ﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ - [سُّورَةُ الْأَعْرَافِ : 2.] ، وَعَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيَّهُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ» . (البحار : ج17، ص83.)
ذلك لأنّ النبي مُحمّد وعترته (صلّى لله عليهم وسلّم) يرون ويطلعون على أعمال المسلمين ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ - [سُّورَةُ التَّوْبَةِ : 105.]
1- عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ : ﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ . قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «هُوَ وَاللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ)» .
2- عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «هُمُ الْأَئِمَّةُ (عَلَيْهِمْ السَّلَامُ)» .
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، أَعْمَالُ الْعِبَادِ كُلَّ صَبَاحٍ أَبْرَارُهَا وَفُجَّارُهَا فَاحْذَرُوهَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾» .
وَعَنْهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : «مَا لَكُمْ تَسُوءُونَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)» ؟ فَقَيلَ لَهُ : كَيْفَ نَسُوؤُهُ ؟ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ؟ فَإِذَا رَأَى فِيهَا مَعْصِيَةً سَاءَهُ ذَلِكَ ، فَلَا تَسُوءُوا رَسُولَ اللَّهِ وَسُرُّوهُ» .
3- عَنْ الْإِمَامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ :
«إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَبْرَارَهَا وَفُجَّارَهَا» .
المصدر : (الكافي : ج1، ص219.)
فالله تعالى يرى ويطلع على أعمالنا والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً يطلع على أعمالنا وكذلك الأئمة (عليهم السلام) هم المؤمنون الذين يطلعون على أعمالنا ، وكذلك الملائكة الكرام الكاتبين يعلمون ويطلعون على اعمالنا ، بل حتى إبليس اللعين وجنوده يرون أبناء آدم من حيث لا نراهم ؛ قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ - [سُّورَةُ الْأَعْرَافِ : 27.]
أمّا بالنسبة إلى هذه الآية : ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ وهذه الآية : ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ، فأنّ الله تعالى قد دعا إلى طاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر وقرن طاعتهم واحدة ، وذلك في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 59.] وقوله تعالى : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ - [سُّورَةُ الْمَائِدَةِ : 55 - 56.]
وهذا يعني أنّ من أطاع او استغاث بالرسول فقد اطاع الله ؛ لقوله تعالى : ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 80.] . ومن أطاع أيضاً او استغاث بأولياء الأمور الذين هم الأئمة (عليهم السلام) من عترة النبي محمد (صَلّى الله عليهم وسلّم) فقد أطاع الله أيضاً . ولا يجوز أبداً أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلّا من ثبتت عصمته وعلم أنّ باطنه كظاهره وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح .
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) :
«فَرَضَ تَعَالَى عَلَى الْأُمَّةِ طَاعَةَ وُلَاةِ أَمْرِهِ الْقُوَّامِ لِدِينِهِ ، كَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ . ثُمَّ بَيْنَ مَحَلَّ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَ : ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ ، وَعَجْزَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِ كِتَابِهِ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْمَأْمُونُونَ عَلَى تَأْوِيلِ التَّنْزِيلِ» . (البحار : ج90, ص23.)
وَعَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿أَطِيعُوا اللّٰهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «أُولِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ» . فَقِيلَ : أَخَاصٌّ أَوْ عَامٌّ ؟ قَالَ : «خَاصٌّ لَنَا» . (الوسائل : ج27، ص136.)
وَعَنْ الْإِمَامِ الْكَاظِمِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ﴾ ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : «يَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ رَأْيَهُ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى» . (الكافي : ج1، ص374.)
توسل آدم بالنبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :-
1- المستدرك على الصحيحين للحاكم - الجزء (2) - الصفحة (672) - الحلقة (4228) :- حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْعَدْلُ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ثنا أَبُو الْحَارِثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللَّهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ» . هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ ذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ .
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي - الجزء (8) - الصفحة (253) - الحلقة (13917) :- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أَذْنَبَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الذَّنْبَ الَّذِي أَذْنَبَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى الْعَرْشِ فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ إِلَّا غَفَرْتَ لِي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: وَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: تَبَارَكَ اسْمُكَ، لَمَّا خَلَقْتَنِي رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى عَرْشِكَ فَرَأَيْتُ فِيهِ مَكْتُوبًا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْظَمَ عِنْدَكَ قَدْرًا مِمَّنْ جَعَلْتَ اسْمَهُ مَعَ اسْمِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا آدَمُ، إِنَّهُ آخِرُ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، وَإِنَّ أُمَّتَهُ آخِرُ الْأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، وَلَوْلَا هُوَ مَا خَلَقْتُكَ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ، وَفِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُمْ .
3- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي - الجزء (1) - الصفحة (85) - الباب الخامس في كتابة اسمه الشريف مع اسم الله تعالى على العرش وسائر ما في الملكوت وما وجد على الحجارة القديمة من نقش اسمه صلّى الله عليه وسلم :- قال الإمام العلاّمة خالد بن محمود بن جملة رحمه الله تعالى: لم يثبت أن غيره صلى الله عليه وسلم أثبت اسمه على العرش .
روى الحاكم والطبراني عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. قال وكيف عرفت محمدا؟ قال: لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله. فقلت: أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. قال: صدقت يا آدم، ولولا محمد ما خلقتك» . [أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 615، والبيهقي في دلائل النبوة 5/ 489، والبداية والنهاية لابن كثير 1/ 81، 2/ 322.] .
قال الإمام الزاهد الشيخ إبراهيم الرّقّيّ رحمه الله تعالى: «لو لم يتب عليه لبقي هو وذريته في دار السخط أبد الأبد. فما ظنّك برجل واحد شمل العالمين كلهم بركته، حتى صولح به المتمردون ورزق به المحرمون وجبر به المنكسرون وأنقذ به المعذّبون، ومن العجب أن ننتظر شفاعته في القيامة وقد سبقت شفاعته فينا وفي أبينا من أول دنيانا، فهو مطهّر الباطن والظاهر مبارك الأول والآخر». وروى ابن أبي عاصم في المسند وأبو نعيم عن أنس : أن الله سبحانه تعالى قال لموسى: «يا موسى إن من لقيني وهو جاحد بمحمد صلى الله عليه وسلّم ّأدخلته النار. فقال: من محمد؟ قال يا موسى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم عليّ منه، كتبت اسمه مع اسمي في العرش قبل أن أخلق السماوات والأرض والشمس والقمر بألفي عام» .
وروى ابن المنذر، عن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: «أنّ آدم لمّا أكل من الشجرة عظم كربه واشتد ندمه علّمه جبريل أن يقول دعاء ومنه: اللهم إني أسألك بجاه محمد عندك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي. ففعل آدم، فقال الله: يا آدم من علّمك هذا؟ قال: يا رب إنك لمّا نفخت فيّ الروح». فذكر نحو الحديث الأول .
وروى ابن أبي الدنيا عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال: «اختصم ولد آدم: أي الخلق أكرم على الله؟ فقال بعضهم: آدم خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته. وقال آخر: بل الملائكة الذين لم يعصوا الله. فذكروا الكلام لآدم فقال: لمّا نفخ فيّ الروح لم تبلغ قدمي. فاستويت جالساً فبرق العرش فنظرت فيه: محمد رسول الله. فذاك أكرم الخلق على الله عز وجل» .
وروى ابن الجوزي بسند جيد لا بأس به، عن ميسرة قال: قلت يا رسول الله، متى كنت نبياً؟ قال: «لمّا خلق الله الأرض واسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وخلق العرش كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء. وخلق الله تعالى الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأوراق والأبواب والقباب والخيام، وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه الله تعالى نظر إلى العرش فرأى اسمي، فأخبره الله تعالى إنه سيّد ولدك. فلما غرّهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه» .
وقال ابن أبي الدّنيا: حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا قريش بن أنس حدثنا كليب أبو وائل قال: «غزونا في صدر هذا الزمان الهند، فوقعت في غيضة فإذا فيها شجر عليه ورد أحمر مكتوب فيه بالبياض: لا إله إلا الله محمد رسول الله» .