"فيلم مهيب مفعم بالحيوية ومحفز للتفكير. تكشف فيه اللقطات -المصورة بشكل مذهل- عن لحظة موسيقية وثورية سوداء، تجعلك تشعر عند مشاهدتها وكأنك على المسرح".
فيلم "صيف الروح" عُرض لأول مرة في مهرجان صندانس السينمائي لعام 2021 (مواقع التواصل)
"صيف الروح" (Summer of Soul) فيلم وثائقيأميركي يتناول الموسيقي والتاريخ، إذ يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل. تم عرضه لأول مرة في مهرجان صندانس السينمائي لعام 2021، ثم عُرض للجمهور في الثاني من يوليو/تموز الجاري.
وبالرغم من أنه يُعد أول تجربة إخراجية للمؤرخ الموسيقي الأميركي أمير طومسون، المعروف باسم "كويستلوف"، فإن كبار النقاد أجمعوا على وصفه بـ"المذهل".
وقال عنه الناقد جوردان هوفمان "هو فيلم جديد مذهل، يتضمن لحظات مدهشة ومفعمة بالقوة، لدرجة جعلتني نسيت أن أتنفس أثناء مشاهدته". ووصفته أليسا ويلكينسون، بأنه "مدهش للغاية عند مشاهدته، لما يقدمه من لقطات مذهلة لم يسبق لها مثيل، جعلت من كل لحظة فيه مفاجأة".
وقال روب تانينبوم، إنه "فيلم مهيب مفعم بالحيوية ومحفز للتفكير. تكشف فيه اللقطات -المصورة بشكل مذهل- عن لحظة موسيقية وثورية سوداء، تجعلك تشعر عند مشاهدتها وكأنك على المسرح".
عمل موسيقي ذكي
في صيف عام 1969، في كل يوم أحد على مدى 6 أسابيع متتالية، أقيم "مهرجان هارلم الثقافي" (Harlem Cultural festival) للاحتفال بالموسيقى والثقافة الأميركية الأفريقية، وإشاعة روح الكبرياء والوحدة السوداء، وتألقت فيه قائمة لا تُصدق من مشاهير نجوم الموسيقى والغناء الأميركيين السود.
وضمت القائمة ستيفي وندر، الذي كان يتفجر حيوية وهو ابن 19 ربيعا آنذاك، إذ قدم وصلة "طبول" منفردا، ووصولا إلى بي بي كينغ، الذي عزف موسيقى البلوز دون توقف.
وجاء ذلك بعد اضطرابات اجتماعية عنيفة شملت أنحاء أميركا، وخاصة مدينة نيويورك، عقب مقتل مارتن لوثر كينغ الابن، في ربيع عام 1968.
وبعد أن صدرت عدة أفلام موسيقية ووثائقية بوحي من الأحداث، جاء "صيف الروح" ليجمعها في عمل "موسيقي رائع، وذكي فكريا"، حسب وصف كارين جيمس.
حيث نجح المخرج طومسون في إنقاذ تسجيلات مدتها أكثر من 40 ساعة من العروض الموسيقية والغنائية لعشرات الفنانين في هذا الحفل التاريخي، ومزج بينها وبين لقطات أرشيفية ومشاهد جديدة، على مدى 117 دقيقة. وكانت هذه التسجيلات حُجبت عن الجمهور وظلت مخفية في قبو مظلم، منذ ما يقرب من 50 عاما، لأسباب غامضة.
توقيت عبقري
يقول أودي هندرسون "لا يقدم طومسون فيلما موسيقيا فحسب، بل يعطيك درسا في التاريخ". ويؤيده بحماس، أوين غليبرمان، الذي يقول "إنه فيلم موسيقي قوي ومشرق ولا مثيل له، فهو يعد محاولة لإعادة تقييم لتاريخ وثقافة السود في أميركا".
جاء الفيلم باعتباره سجلا تاريخيا يطرح عدة أسئلة وهي "لماذا تم دفن تسجيلات المهرجان؟ ولماذا يُمحى هذا التاريخ؟ ومتى ولماذا يتم سماع أصوات السود، ومتى ولماذا يتم إسكاتها؟" كما يقول كيفن فالون.
ففي السنوات التي سبقت المهرجان، كانت بوادر اغتيال جون كينيدي، ومالكولم إكس، ومارتن لوثر كينغ الابن، تلوح في الأفق بشكل كبير، بالتوازي مع النهب والغضب والغليان في حي هارلم بمدينة نيويورك عام 1968. وهو ما جعل المهرجان مهمًا "لإبقاء السود منشغلين عن الشغب، كي لا يكرروا ما فعلوه عند مقتل مارتن لوثر كينغ" بحسب قول طومسون لروب تانينبوم.
ثم جاء صيف عام 2020، ليعيد "الظروف التي تسببت في إقامة المهرجان عام 1969″، كما قال طومسون في حديثه إلى "هوليوود ريبورتر" (Hollywoodreporter)، عندما أدى مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض، إلى اندلاع الاحتجاجات وزيادة الوعي بالظلم العنصري في أنحاء العالم.
أيضا، أظهر الفيلم تواري شرطة نيويورك تاركة تأمين الحفل الذي حضره أكثر من 300 ألف شخص، للفهود السود. لأن مجتمع هارلم لا يثق بالشرطة، وهو انعدام الثقة نفسه الذي ما يزال موجودا لدى ملايين الأشخاص اليوم. مما أعطى مزيدا من القوة والزخم "لهذا الفيلم النابض بالحياة، الذي جاء في توقيت عبقري" بحسب كارين جيمس.
تجربة غامرة
في التسجيلات الأصلية، التي كان يخطط المخرج التلفزيوني المخضرم هال تولشين لبيعها بوصفها عملا تلفزيونيا، قبل أن يكتشف أن "لا أحد يهتم بالعروض الموسيقية السوداء"، فتركها في قبو منزله قرابة نصف قرن، استخدم توليشن 5 كاميرات فيديو لتصوير المهرجان بلقطات مقربة، تكشف العاطفة والعرق المتساقط على وجوه المطربين، ولقطات واسعة للمسرح وردود أفعال الجمهور.
منح ذلك "صيف الروح" تجربة غامرة، امتزج فيها السياق الاجتماعي مع مشاهد الحفلات الموسيقية بمهارة، وتم تشغيل بعض الأغاني بالكامل تقريبا، وتعشيق فقرات من التعليقات الصوتية مع الموسيقى. وإدخال مقاطع من أغان أخرى مع مقابلات لأشخاص حضروا المهرجان، وعدد من الموسيقيين الباقين على قيد الحياة.
مخرج "صيف الروح" أعاد تجميع المقاطع الإخبارية الأرشيفية ودمجها ضمن أحداث الفيلم (مواقع التواصل)
أمير طومسون
أبدع المخرج أمير طومسون -الخبير في تنسيق الصوت- في إعادة تجميع المقاطع الإخبارية الأرشيفية ودمجها، لتنقل لنا صورة لما وقع من عنف في تلك الحقبة، بتسلسل غاية في السلاسة.
حيث نرى مشهدا للرئيس الأميركي جون كينيدي في موكبه قبل لحظات من إطلاق النار عليه، يعقبه قول مالكولم إكس إن اغتيال كينيدي "كان نتيجة مناخ الكراهية"، ثم نرى مارتن لوثر كينغ وهو يعلق على مقتل مالكولم إكس، ثم روبرت كينيدي وهو يعلن وفاة مارتن لوثر كينغ، قبل اغتيال كينيدي نفسه، وهكذا في سلسلة مثيرة من الأبطال المقتولين.
بدأ طومسون الفيلم كذلك بصور وثائقية لحي هارلم بمبانيه المتهالكة، والمخدرات المنتشرة كالطاعون، فجعل المشاهد وكأنه موجود هناك، ونقل له إحساسا باستعادة الأحداث وإعادة تصورها.
وفي أحد التسلسلات، عرض حدث الهبوط على سطح القمر، مُظهرا اللقطات الأرشيفية التي تكشف أن الناس كانوا يرون أنه من الأولى استخدام هذه الأموال لتخفيف الفقر والجوع.
ليبدو طومسون وكأنه يفجر شلالا من الحنين، "يجعل من الصعب محو اللون الأسود بعد الآن"، كما قال في مقابلة صحفية.