من حجج المخالفين الضعيفة وتهمهم الباطلة هو أنّ الشيعة تروي عن الحمير بحجّة هذه الرواية الواردة في كتاب الكافي للكليني (ج1، ص237) :- «...فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) ، قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا ، فَكَانَتْ قَبْرَهُ . وَرُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ : يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَخَاتَمُهُمْ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ» .
الرواية ضعيفة ومردودة سنداً ؛ لأنّها رويت بصيغة التمريض . وعلى فرض صحتها فإنّ الرواية ليست عن الحمير وإنّما هي رواية تنتهي إلى المعصوم ، سواء كان الإمام علي أو النبي محمد (صلّى الله عليهما وآلهما وسلّم) . وبالنسبة إلى قول الحمار عُفيْر في الرواية : «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ...» ، فهذا النقل عن الحمير في داخل متن الرواية ، ولا علاقة له بسند الشيعة حتّى يُقال بأنّ الشيعة يروون عن الحمير وما إلى ذلك من التهريج والكلام الفارغ ! فلا يصح القول بأنّنا نروي عن الحمير ؛ لأن تعريف الحديث المسند هو ما رواه الرجل عن آخر إلى المعصوم ، وليس في سند الشيعة أنّ أحد الرواة قد قال عن عفير أو حدثنا عفير أو أخبرنا عفير أو سمعت عفيراً . فالسند هو ما وقع بين راوي الحديث أو مؤلف الكتاب إلى المعصوم ، وأمّا ما بعد الوصول إلى المعصوم فلا يعتبر من سلسلة السند أبداً ، ولا علاقة للرجالي ولمصطلح الحديث وعلومه بما بعد السند إذا انتهى إلى المعصوم ، فليكن ما يروى بعد ذلك ما يكون فإنّه لا يحاكم كسند وإنّما كمتن سواء كان عن الحمير أو البعير أو الهدهد أو النملة ، وخير شاهد لوقوع الحديث بين الحيوانات ما نقله القرآن الكريم .
وتكلّم الحيوانات مع الأنبياء والمرسلين والأئمة (عليهم السلام) من الأمور المتسالم عليها ، فهذا الهدهد يتكلم مع سليمان : ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ - [سُّورَةُ النَّمْلِ : 22 - 23.] وكذلك تجد سليمان يسمع قول النملة : ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ - [سُّورَةُ النَّمْلِ : 18.] وكذلك في قوله : ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ - [سُّورَةُ النَّمْلِ : 16.]
ومصادر الفريقين تؤكد حقيقة تكلّم نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أنواع الطير والحيوانات , وهي من معاجزه المسلّمة , ولكن القوم يريدون أن يطعنوا بالشيعة بأي وسيلةٍ كانت , حتى لو جرّهم هذا إلى الخدشة بمعاجز النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المتسالم عليها .
في حين أنّ قصة الحمار عُفَيْر أو يَعْفُور قد وردت في كتبهم أيضاً ، فعن كتاب البداية والنهاية لأبن كثير - الجزء (9) - الصفحة (41) :- قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ حَمْدَانَ السِّجْزِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَزْيَدٍ إِمْلَاءً، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الصَّهْبَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مَنْظُورٍ قَالَ: «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ أَصَابَهُ مِنْ سَهْمِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجِ نِعَالٍ وَأَرْبَعَةُ أَزْوَاجِ خِفَافٍ، وَعَشْرُ أَوَاقِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَحِمَارٌ أَسْوَدُ، وَمِكْتَلٌ. قَالَ: فَكَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ، فَكَلَّمَهُ الْحِمَارُ، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: يَزِيدُ بْنُ شِهَابٍ، أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ نَسْلِ جَدِّي سِتِّينَ حِمَارًا، كُلُّهُمْ لَمْ يَرْكَبْهُمْ إِلَّا نَبِيٌّ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسَلِ جَدِّي غَيْرِي، وَلَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُكَ، وَقَدْ كُنْتُ أَتَوَقَعُكَ أَنْ تَرْكَبَنِي، قَدْ كُنْتُ قَبْلَكَ لِرَجُلٍ يَهُودِيٍّ، وَكُنْتُ أُعْثِرُ بِهِ عَمْدًا، وَكَانَ يُجِيعُ بَطْنِي وَيَضْرِبُ ظَهْرِي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ سَمَّيْتُكَ يَعْفُورًا . يَا يَعْفُورُ . قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ: أَتَشْتَهِي الْإِنَاثَ؟ قَالَ: لَا. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَبُهُ لِحَاجَتِهِ، فَإِذَا نَزَلَ عَنْهُ بَعَثَ بِهِ إِلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي الْبَابَ فَيَقْرَعُهُ بِرَأْسِهِ، فَإِذَا خَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى بِئْرٍ كَانَتْ لِأَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التِّيهَانِ، فَتَرَدَّى فِيهَا فَصَارَتْ قَبْرَهُ; جَزَعًا مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
لعلّ قائلاً من المخالفين يقول أنّ هذه الرواية ضعيفة ! ونقول له ما الداعي إذاً من إخراج هذا الحديث في كتاب معجزات النبي لأبن كثير في باب دلائل النبوة الحسية > فصل واما المعجزات الأرضية > باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة > حديث الحمار - الصفحة (173) ؟!
لو نظرت في روايتهم ستجدها أنّ الحمار يعلم الغيب ويعلم ما حصل لآباءه وأجداده حينما يتكلم عن زمن نوح (عليه السلام) ، دون أن يكون ذلك بإخبار بعضهم لبعضٍ بذلك (أي من دون واسطة) ! وبالتالي فأنّ روايتهم مخالفة للشرع ؛ لأنّها تنسب علم الغيب للحمار أو أنّه يوحى إليه ! أمّا رواية الشيعة فقد ذُكِرَ في متنها أنّ الحمار يروي بإخبار كل حمار لابنه حتى وصل الدور إلى حمار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وأخبره بأخبار سلالة آبائه وأجداده بالتحديث بينهم ، وهذا عادي ومقبول إذا سلمنا بأن الحمار يتكلّم ويفهم وأنّهم سلالة مختصّة بخدمة أنبياء الله والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .