ما أكثر ما جمع النقاد في نقد الشعر بينه وبين الموسيقى، -فكلاهما فن زماني- حتى عودونا أن يبينوا أحدهما بالآخر! تُرى هل يستوي في نفس المستمع أثر دقيقة من الموسيقى وأثر ساعة؟ إذا استوى أثراهما في نفسه استوى أثر بيت من الشعر وأثر سبعين، ولكنهما لا يستويان، بل يستفزه الأول إلى طلب الثاني!
إنه إذا احتكم مستنبط الدلالة العروضية الوزنية إلى تفاوت المتحركات والسواكن، ثم مضى في القصيدة ذات السبعين بيتا من مطلعها إلى مقطعها- قضى بأن ما اتضح له بالبيت الواحد شأنه، قد تحوَّلت حاله، ثم تحوَّلت، ثمتَ تحوَّلت، حتى احتاج إلى رسم بياني رياضي يقِفُه على تموُّج تيار الأبيات السبعين الوزني، فيتبين تموُّجَ خوالج القصيدة الشعورية! فكيف إذا اشتغل باستنباط الدلالة العروضية القافوية مع الوزنية!
لقد شبه القافية بالتاج أستاذنا الحبيب الدكتور أحمد كشك، وإنها لكذلك إذا قصرناها على التزام تكرار أجناس بعض الأصوات؛ إذ التاج زيادة طارئة على الجسم، والقافية زيادة طارئة على الوزن، ولكنها مع ذلك جزء من بيتها -وبجزئيتها هذه تخالف التاج- ربما كانت تفعيلته الأخيرة أو أكثر أو أقل، تختص بما يجوز أن نسميه الوزن القافوي، من داخل الوزن البيتي، الذي تتعدد أحواله كذلك، ليظل المستمع متطلعا: ماذا، وكيف؟
وقديما قال ابن الرومي -٨٩٦م- من آخر أمدوحةٍ أشرفت على ثلاثمئة بيت:
أنتَ ألجأتَني إلى ما تَراهُ بالذي فيك مِن فنونِ المعاني
أيُّ وزنٍ وأيُّ حرفِ رَويٍّ لهما بالمديح فيكَ يدانِ
ضاق عن مأثُراتِكَ الشعرُ إلا فاعلاتنْ مستفعلنْ فاعلانِ”،
فحيَّر في طولها ممدوحه، أكان عن أثر اللغة (فنون المعاني) في العروض، أم عن أثر العروض في اللغة (فنون المعاني)! أما نحن فلم نتحير منذ ثبت لدينا أنهما سبيكة واحدة!