يتساءل الكاتب: هل تعدّ هذه الرحلات بداية لقطاع جديد يحقق حلما قديما للبشرية، أم ستكون رمزا لإهدار المال ومزيد من تلويث الكوكب وتعميق التفاوت بين الناس؟
رواد الفضاء الأميركيون في كبسولة "دراغون كرو" قبل الإطلاق بلحظات في أبريل/نيسان الماضي (مواقع التواصل الاجتماعي)
من يوم إلى آخر، يلوح حلم السياحة الفضائية الترفيهية ليبدو أقرب إلى أن يصبح أمرا واقعا، ولكن ذلك قد تترتّب عليه آثار وخيمة على البيئة بخاصة إذا كثر عدد الرحلات إلى الفضاء.
ففي تقرير نشرته مجلة لوبس الفرنسية، يقول الكاتب تييري نوازيت إنّ المواقف تختلف في هذا الصدد بين مؤيّد مثل ميشيل ميساجيه الذي يستثمر في القطاع ويرى أنه جزء من مستقبل البشرية، وبين مناهض على غرار عالم الفيزياء الفلكية رولان لوهوك الذي يعتقد أنه يجب تخصيص مثل هذه الرحلات للاكتشافات العلمية فقط.
وفي السنوات الـ20 الماضية، صعد 8 أشخاص إلى الفضاء بهدف الترفيه، من بينهم 7 رجال وامرأة، أنفقوا بين 20 إلى 35 مليون دولار لقضاء بضعة أيام على متن محطة الفضاء الدولية، وقاموا بالرحلة مع رواد فضاء في المركبة الفضائية سويوز.
وفي السنوات القليلة المقبلة، قد يرتفع هذا العدد إلى عشرات أو أكثر، لاكتشاف الفضاء. وتعدّ شركة "سبيس إكس" الأميركية التي يملكها إيلون ماسك، وكذلك شركة "بلو أوريجن" التي تعود ملكيتها إلى جيف بيزوس، و"فيرجن غالاكتيك" التابعة لريتشارد برانسون، الشركات الثلاث الرئيسة في قطاع رحلات الفضاء الترفيهية.
وقد قدّم بيزوس دعاية ضخمة عندما أعلن أنه سيقوم بأول رحلة على متن مركبته "نيو شيبرد" في 20 يوليو/تموز بصحبة شقيقه الفائز بالمزاد الذي دفع 28 مليون دولار ليقضي بضع دقائق على ارتفاع 100 كيلومتر، وستباع تذكرة الرحلة نفسها في وقت لاحق بنحو 200 ألف يورو.
جدل التلوث وعدم المساواة
ويتساءل الكاتب: هل تعدّ هذه الرحلات بداية لقطاع جديد يحقق حلما قديما للبشرية، أم ستكون رمزا لإهدار المال ومزيد من تلويث الكوكب وتعميق التفاوت بين الناس؟
يوضح الكاتب أن سياحة الفضاء تشهد ازدهارا كبيرا، وفي غضون 10 سنوات من الآن قد ينخفض سعر تذاكر رحلة بيزوس من نحو 200 ألف يورو للتذكرة، لتصبح 20 ألف يورو، أي أقل من تكلفة رحلة استكشافية في جبال الهيمالايا!
ويشهد العالم طفرة في مشاريع إنشاء المحطات الفضائية، وهو ما تعمل عليه الصين وروسيا حاليا، وستحتوي المحطات الجديدة على أجهزة متعددة الوظائف لتقاسم التكاليف بالإضافة إلى تركيز مختبرات وفنادق فضائية.
وتعدّ فكرة إتاحة هذه الرحلات للجميع فكرة بيزوس وإيلون ماسك بالأساس -وفقا للكاتب- وتبدو هذه السوق مثيرة للاهتمام بخاصة أنّ ما بين 15 ألفا إلى 20 ألف شخص مهتمون حاليا بمثل هذه الرحلات وينوون القيام بها. وقد خصص 600 ياباني بالفعل ما لا يقل عن 5 آلاف دولار كودائع استعداد للسفر إلى الفضاء.
تأثيرات سلبية في البيئة
ويعتقد الكاتب أن الشركات الثلاث الرائدة في مجال السياحة الفضائية تدرك الجانب السلبي لهذه الصناعة من حيث المخاطر البيئية، وهو ما يدفعهم للبحث عن أنواع وقود جديدة غير ملوثة لاستخدامها.
وقد تبرع بيزوس بمبلغ 10 مليارات دولار لمؤسسته لأبحاث المناخ، وقدم ماسك 100 مليون دولار للعلماء الذين سيجدون أفضل تقنية لعزل ثاني أكسيد الكربون الجيولوجي بالتنسيق مع وكالة ناسا والجيش الأميركي اللذين يعدّان بدورهم أبحاثًا لصنع صواريخ "صديقة للبيئة".
وحسب الكاتب، يجب التمييز بين رحلة شبه مدارية على ارتفاع 100 كيلومتر، ورحلة مدارية لمحطة الفضاء الدولية، ورحلة حول القمر يقوم بها ملياردير ياباني، فكل رحلة ستفرز كميات محددة من ثاني أكسيد الكربون.
وتمثّل انبعاثات الرحلة الواحدة من تلك التي يقدمها جيف بيزوس ضعف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تصدر عن شخص واحد فقط مدّة سنة على الأرض، مع العلم أن الرحلة تستغرق بضع دقائق فقط.
أما رحلات محطة الفضاء الدولية فهي تقارب الاستهلاك الفردي طوال 144 عامًا. فهل يعقل أن يسمح الإنسان لنفسه بتلويث الكون بهذه الطريقة، وإنفاق 30 مليون دولار للذهاب إلى الفضاء، فقط من أجل الترفيه؟
هل ستكون الفوائد الاقتصادية كبيرة؟
يقول الكاتب إن هذه الرحلات ستعود بفوائد اقتصادية كبيرة، فمن المتوقع أن توفر كثيرا من الوظائف، مثل الوظائف في صناعة البدلات الفضائية، وهناك من يقترح ابتكار عملة فضائية.
هل يمكن للتقدم التكنولوجي أن يقلل مخاطر السياحة الفضائية؟
صحيح أن التطورات التقنية أدّت إلى تحقيق مكاسب في الحماية من التلوث، ولكن كل هذه المكاسب أعيد استثمارها في صنع آلات أكبر، وهو ما أضرّ بالكوكب، على حد تعبير الكاتب.
فأصبحت السيارات ضخمة جدا وأكثر سرعة وقوة، وهي تتسبب في تلوث كبير جدا، وقد يحدث الأمر ذاته عندما يسافر عدد أكبر من الناس إلى الفضاء.
ويخلص الكاتب إلى أن الفضاء يجب أن يبقى خارج نطاق منطق الربح التجاري، ويوظّف فقط في استخدامات خاضعة للرقابة والإشراف، أي يجب أن يكون محصورا في البحوث العلمية وفي المصلحة العامة للبشرية.