كيف عوض هتلر رفضه في عالم الفن بحلم أضخم متحف في العالم؟
لوحة منسوبة لهتلر تظهر شارعا بالحي القديم في فيينا مع أشخاص يرتدون ملابس القرنين 18 و19 (الفرنسية)
عندما نعود إلى بدايات أدولف هتلر وشبابه في التاريخ ربما نشعر بالتعجب والغرابة للتناقض الكبير بين البداية والنهاية.
كان هتلر طامحا لدراسة الفن، وعندما بلغ 18 عاما ترك مدينة لينز مسقط رأسه وانتقل إلى فيينا أملا في دراسة الفن، تاركا وراءه طموحات والده الراحل في أن يصبح موظفا حكوميا.
رأى هتلر فيينا كمكان مثالي لتحقيق طموحه الفني، لكنه تحول إلى فنان محبط، بعد أن تقدم بطلب لدراسة الفن في أكاديمية الفنون الجميلة وتم رفض طلبه. أعاد الطلب مرة أخرى لدراسة الهندسة المعمارية، لكن طلبه قوبل بالرفض أيضا، مما جعله يشعر أنه مواطن مرفوض من الدرجة الثانية.
خلال فترة إقامته بفيينا كان هتلر ينتقل بين غرف مستأجرة رخيصة، حتى أنه عاش في مأوى للمشردين لبعض الوقت.
عام 1909 بدأ هتلر في جني الأموال من خلال رسم بعض اللوحات الصغيرة، معظمها صور مباني ومعالم فيينا التي نسخها من البطاقات البريدية.
منذ ذلك الوقت شعر هتلر بالضغينة تجاه فيينا كمدينة ثقافية، وبشكل تدريجي أصبح مهتما بالسياسة، وشكلت تلك الفترة وجهة نظره للعالم.
انتقل إلى ميونخ عام 1913 وكان قد وجد بعض العملاء الميسورين الذين كلفوه برسم لوحات لهم. في ذلك الوقت تعقبته شرطة ميونخ لتعيده إلى التجنيد الإجباري في مسقط رأسه، لكنه فشل باختبار اللياقة العسكرية ووصم بكونه "غير مناسب للقتال وغير قادر على إطلاق الأسلحة". لكنه قدم نفسه طواعية للجيش بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى منهيا تلك المرحلة من حياته كفنان يكافح من أجل الفن.
هتلر أراد أن يكون متحفه الأكبر حجما (غيتي)
تقليل التأثير الثقافي لمدينة فيينا
عندما أصبح الفوهرر هتلر زعيم النازية أراد تقليل التأثير الثقافي الكبير لمدينة فيينا التي يبغضها، وقرر بناء متحف في لينز مسقط رأسه لتتحول من مدينة صناعية إلى مدينة ثقافية تنافس فيينا.
كان من المقرر أن يشتمل المتحف -الذي صممه المهندس المعماري ألبرت سبير- على دار أوبرا وفندق وساحة عرض ومسرح، بالإضافة إلى مكتبة تستوعب أكثر من ربع مليون كتاب ومجلد. تضمنت الخطة أيضا حوالي 36 كيلومترا من صالات العرض التي يفترض أن تعرض ما يقرب من 27 ألف قطعة فنية. وكان تاريخ الانتهاء المتوقع للمشروع هو عام 1950 لكن الخطة لم تتم بسبب سقوط الرايخ الثالث.
رغب هتلر أن يكون متحفه أكبر متحف من حيث الحجم ومجموعة المقتنيات في العالم. كانت الفكرة التي طرأت عليه هي السبب في أكبر نهب فني حدث بالقرن العشرين والذي بدأ عام 1939 عندما قام النازيون بمصادرة أو سرقة القطع الفنية من جميع أنحاء أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.
وتم إنشاء نموذج مصغر للمتحف في يناير/كانون الثاني عام 1945 في ملجأ للغارات الجوية بالقرب من برلين.
زار هتلر النموذج بشكل متكرر وأمضى ساعات عديدة جالسا أمامه بصمت. وكان يمضي وقتا أطول أمام النموذج كلما اقتربت ألمانيا من الهزيمة العسكرية.
وفقا لأحد أمناء الفوهرر المقربين، فلم يكن يمل من الحديث عن متحفه بكل تفاصيله بدءا من طريقة تعليق اللوحات مع مساحات كبيرة بينها، في غرف مزينة بالأثاث والمفروشات المناسبة لتلك الفترة، حتى شكل الإضاءة المسلطة على اللوحات.
لم يجمع هتلر المجموعة الفنية الخاصة بالمتحف المخطط له عن طريق السرقة والنهب فقط، لكنه أرسل جنوده في رحلات إلى إيطاليا وفرنسا لشراء الأعمال الفنية.
واختار لجنة خاصة لفحص الأعمال الفنية مكونة من 20 متخصص. ومنذ عام 1940 تلقى ألبومات فنية لشرح القطع المصادرة والتعريف بها، ووصل مجموع الألبومات التي تلقاها إلى 31 ألبوما بقى منها 19 ألبوما حتى يومنا هذا.
لوحة منسوبة لهتلر (الفرنسية)
بعد الهزيمة
بعد هزيمة ألمانيا الحرب العالمية الثانية بدأت مرحلة البحث عن الأعمال الفنية المنهوبة. وقد وجدت بعض الأعمال في قلاع بمدينة بافاريا، أو في أنفاق في مدينة نورمبرغ، وفي مناجم الملح والنحاس. وكانت حالة الأعمال الفنية غاية في السوء، خاصة أنه مع زيادة يأس النازيين في المراحل الأخيرة من الحرب، كان عليهم نقل الأعمال الفنية التي نهبوها بالكامل.
كانت إطارات اللوحات تستهلك مساحات كبيرة وصعبة في التخزين، لذلك تم سحب اللوحات من إطاراتها، مما تسبب في تلف الكثير من الأعمال. بالإضافة إلى ذلك كانوا يحملون اللوحات في شاحنات مكشوفة تحت المطر، ثم يخزنونها في مناجم رطبة، حتى أن رجال الآثار الذين اكتشفوا اللوحات وجدوا طحالب قد نمت على قماش اللوحات بسبب الرطوبة والإهمال الشديد.
وتقفى المتخصصون آثار تلك الأعمال بعد نهاية الحرب، وبحلول عام 1951 كانوا قد استعادوا ما يقرب من 5 ملايين قطعة، تضمنت آلافا من أجراس الكنائس التي كان النازيون على وشك صهرها وإعادة استخدامها في الآلات الحربية.
احتوى المخزن الرئيسي للأعمال التي كانت تخص هتلر على أكثر من 10 آلاف لوحة ومنحوتة وعمل فني. وكلها أعمال قيمة من بينها لوحات مايكل أنجلو وفيرمير.
وحتى الآن، تظهر من حين لآخر أعمال منهوبة في متاجر التحف والمجموعات الخاصة لمقتني الفنون وأماكن أخرى.
ويعتقد المتخصصون أنه خلال 15-20 عاما القادمة ستنتقل هذه الأعمال الفنية المخبأة إلى الأجيال الشابة وقد يحاولون بيعها. ويرغب المشترون معرفة تاريخ القطع الفنية ومن أين جاءت، وقد يؤدي ذلك لكشف المزيد من الأسرار حول تلك الأعمال الفنية وفترات نهبها.