في أكثر من مرّة في الموعظة على الجبل قال المسيح، سمعتم إنه قيل كذا وأما انا فأقول كذا.
مثلاً : سمعتم انه قيل عين بعين وسنٌّ بسنّ
وأما انا فاقول: من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً.
فهل نقض المسيح بذلك ما جاء في التوراة؟
المسيح لم ينقض التوراة بل جاء ليكملها ونستدل بذلك من قوله : لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، الحق اقول لكم السماء والأرض تزولان ولا يزول حرف واحد من الناموس حتى يكمل الكل.
هذا يعني ان شريعة العهد القديم لم تلغَ ولم تُنقض لا وبل حرف واحد منها لن يزول.
اذن ما معنى: قيل لكم عين بعين وسنٌّ بسن؟
إن هذا كان شريعة القضاء وليس لتعامل الأفراد فيما بينهم، بهذا التشريع يحكم القاضي حين يفصل بين المتخاصمين ولكن ليس للناس ان يتعاملوا هكذا مع بعضهم، غير أن اليهود فهموا ذلك خطأ، والسيد المسيح صحّح لهم مفهومهم الخاطئ هذا.
وتابع المسيح الحديث قائلاً : سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوّك.
وأما انا فأقول : أحبوا اعدائكم، باركوا لاعنيكم، احسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.
هنا لم ينقض المسيح الشريعة وإنما صحّح مفهومهم عن معنى التسامح، فكل إنسان يجب أن يقابلوا إساءته بالإحسان، وهذا هو المفهوم الحقيقي للشريعة،
مثال ذلك، يوسف الصديق الذي تآمر عليه إخوته وارادوا ان يقتلوه ثم طرحوه في بئر وخيراً بيع كعبد، يوسف هذا احسن إلى إخوته وعالهم هم واولادهم ولم ينتقم منهم ولم يعاملهم عيناً بعين او سنّاً بسن، وهو ما نادى به المسيح بهذه الوصية.
فالمسيح صحح مفهوم الشريعة وارتقى بالعقل البشري إلى مستوى يليق بحلول الروح القدس عليهم فيما بعد.
وقال المسيح: سمعتم إنه قيل للقدماء لا تزنِ.
اما انا فأقول : ان كل من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.
فالوصية لم تُنقض ولاتزال باقية، غير أن كل إنسان مطالب بحياة العفة والطهارة، فليس الزنا فقط هو إشباع شهوة الجسد بل هناك نجاسة القلب أيضاً، لذا نهى السيد الرب عن النظرة الشهوانية واعتبرها زنى في القلب.
وهكذا باقي الوصايا، فالمسيح منع وقوع الإنسان في الخطيّة وسما بالقلوب والعقول إلى مستويات رفيعة.