مساء الخير وجمعة مباركة على الجميع .. سأنشر حالاً النص في صورته الأخيرة .. وسأتجاوز الملاحظات هذه المرات مكتفياً بملاحظتكم للنص لمعرفة ما جرى .. كما أن طول النص منعني من نشره مدمجاً , ما أنشره الآن هو تكملة للنص في آخر مرة .. وتحديداً عند الجملة ( وتجعلني أشعر بالزهو من انتصار ذكائي عليها .. هي صحفية إذن .. جميل ( ويمكنكم أن تنسخوا النص السابق وتدمجوه مع ما سأنشره الآن في حاسباتكم الشخصية .. كل الود لكم
فشلت في تحميل النص .. سأدرجه هنا لاحقا .. كل الود
ما رايك ان تفتح موضوعا خاصا بالنص في شكله الاخير
تتركه مغلقا ولا تفتحه الا عندما تحاول ان تدرج فيه الاضافات الجديدة في صورتها النهائية
تعطينا الرابط هنا كل مرة تعتمد فيها اضافة جديدة
نتوجه اليه
ومن ثمة نعود فنكمل هنا من هناك .... اتصور ان هذا سيوفر عليك وعلى هذا الموضوع ايضا
سعيدة انا لانه تم تمديد الاجازة ههههههههههههههه
النص في صورته الأخيرة .. أكملوا من بعده أعزائي
أرقتني كثيراً تلك الكائنة خلف ستار المعاني لابد من استعادتي للأفق العام لشخصيتها والذي أعطب الكثير من إشراقاتي الأسلوبية وها أنا أترنح تحت وقع انبعاثها الرمزي , سأبدأ بتمزيق كل الأقنعة وصولاً إلى روح المعاني وجوهر الاستقامة سأبدأ أولاً .. آية من سورة .. فهي إذن جزئية من كلية .. لا تفتح نوافذها على الورد فهي متدرجة في قراءتها للجمال لا تعطي الأشكال قهراً معنوياً .. تعلقها بالجواهر أغناها كثيراً في البحث عن الأسباب .. عالجت مداركها ببعد الرؤية فأضفت تلك المعالجة رونقاً على تفسيرها للحوادث .. قرأت كثيراً لكنها عرفت سر التأليف .. مفرداتها دلت على انسجام ما تريده مع تطرحه , آه سأرتب وأرتب ولا أبقى أسير الانهزامية فلكل مخلوق سبب لهزيمته أمام صمود الجمال .. رسمها للدلالات الرمزية يعطيها هوساً معرفياً , يبدو لي من خلال سردها التتابعي لمفرداتها أنها قرأت كثيراً في الأدب والفلسفة , تبحر في رموزها مقتدرة على التعاطي مع كل طارئ أو جديد .. اكتمال رؤيتها أعطاها شمولية الإدلاء بمعارفها ببلاغة , نعم هذه بدايات تشخيصي للأفق العام سأمارس التفكيك مع كل نصوصها سأستدرجها إلى مصيدتي . اندفعت أصابعي نحو لوحة المفاتيح لتنقش عبارتي التالية : ( الأسوار عالية والنوافذ مغلقة فهل قدرنا أن نتناول الأبعاد دون معرفتنا بالسبل أم أن تواريك خلف الستر أعطى لشخصيتك بعداً حالماً لا تريدين أن يوقظك منه أحد ) وختمت رسالتي بتوقيع ( خطوط على الرمال المقاومة )
************************************************** ************************************************** **
( ولكنكِ أغفلت شيئاً مهماً , وهو حق الذات في تصوير الأشياء , في تصوير العالم , كلامكِ هذا يقودنا لفهم أن الإنسان ذا وظيفة سلبية تماماً , هو فقط عليه أن يستلم الإشارات من الأشياء من العالم ليعرفها عبر التفسير , مثلاً لابد لكِ أن تلتقطي مني ما تعبر عنه ذاتي لتعرفيني , بهذه الطريقة فقط يمكنكِ معرفتي .. وهو أمر ليس بالصحيح كما أعتقد , إذ ماذا عن قابلية الكذب ؟ نحن نكذب وقد يكون العالم أيضاً يكذب , ماذا عن معرفتكِ بأشخاص لا يودون معرفتكِ بهم هذه ؟ أليست ذاتكِ هي الفاعل الإيجابي هنا ؟ )
كان حلماً .. كانت عباراته تلك هي كل ما في الحلم .. يحاورني بعباراته ذاتها في نومي كما في يقظتي ..
لم تمهلني حتى أستفيق تماماً من نومي ولا أدري لما تساءلت مع نفسي وبسمة على شفتي : هل أفاق قبلي أم قبله فعلتُ .. لكني شعرت أني أسمع هذه الكلمات بصوت بشري صوت له نبرات , مخارج , وصفات .. إذن من المؤكد أنه كان يرقب استيقاظي وها قد فعلتُ ... هل يمكن أن أخطئ في تصوري عن الناس ؟ هل يمكن أن يرسل الآخرون إلينا إشارات خاطئة ؟ هل يتعمدون ذلك أم الخلل في وسائل الاستقبال لدينا ؟
رن المنبه فأسكته .. هذا حدث لا بد أن يسجل في التاريخ ، أن أفيق قبل منبهي أمر ينبغي أن يدرج في الصفحة الأولى من جريدتنا وبالخط العريض .. ياااااااااي ما كل هذا أين أريد أن أصل ؟ كم هو جميل أن يفيق أحدنا ويجد نفسه ممتلئاً سعادة دون سبب ..... دون سبب ؟؟؟ ركزت مع هذه العبارة , هل حقاً لا يوجد سبب لأفيق سعيدة اليوم ؟؟؟ .. والصور؟؟ وكلام جمال عن الدليل ؟ ووقوف رئيس التحرير إلى جانبي ؟ كل هذا لا يدعو للسعادة الجمة ؟
بسرعة توضأت فرشت أسناني وأديت صلاتي ثم ارتديت ملابسي والطعام في فمي , وأسرعت إلى مقر الجريدة أبحث فقط عن جمال والدليل .... من هناك أتاني مسرعاً وبيده ظرف ابتدرته :
ــ هل يخصني ما في هذا ؟
ــ نعم لكن لن تتوقف الحياة إن سلمتِ وسألتِ عن الحال .
لم أتعمد ذلك ولكني وكأني لم أسمعه استلمت الظرف وأخرجت الصور وسألته باهتمام ولهفة :
ــ هل صحيح أن رئيس التحرير سيساندني في القضية ؟
ــ نعم .. بحماس لم أتوقعه يدعو للريبة والشك
ــ للريبة والشك ؟ ماذا تقول ؟ ماذا تقصد ؟
ــ لا أدري انسي ما قلته أنا , فلكل ذات حقها في تصور الأشياء وبناء الأحكام عليها , عليك أن تقابليه لتلتقطي بذاتك ما يرمي إليه .
وجمت فجأة وانسحبت من هناك إلى غرفتي قبالة حاسوبي , وعاد ما قاله ذلك الرملي لينثر بين عيني كأنما يريد إعمائي , ولم أستفق إلا على إلحاح جمال:
ــ هيا اذهبي إليه ماذا تنتظرين ؟
ــ لا لا سأقابل السيدة صاحبة السكن الذي طردها منه المحافظ أولاً ثم قد أمر على المحافظ قبل أن أرى رئيسك فأنا لا أراهن عليه كثيراً .
سرت وسط الشوارع التي ضاقت بما حملت من المارة أشق طريقي إلى السكن الذي انتقلت إليه تلك السيدة العجوز مع عائلتها , كان هناك أمر في الصورة لم أفهمه ولم أمتلك أي خيط لبداية فهمه , بل حتى أني لا أجد مدخلاً لسؤال أطرحه بشأنه , ارتبكت كثيراً واحترت .. ليس لي إلا أن أريها الصور , فلربما من تلقاء نفسها ستتحدث .. وصلت للعنوان , وقفت مشدوهة , هل أخطأت ؟ يا له من سكن رائع أسطوري فخم .. ماذا تفعل مثل تلك العجوز هنا ؟ ترى هل هي خادمة هنا ؟ أم رق صاحب هذا البيت لحالها فاقتطع لها جناحاً لتعيش فيه ..
ليس من عادتي أن أقف طويلاً عند الأبواب , أصابعي لا تستأذنني لتشرع في الاستئذان .. وأسرع من أصابعي كان الرد :
ــ من ؟
ــ أنا الصحفية أريد التحدث إلى السيدة هانئة هل هي هنا ؟
ــ هل لديك موعد معها ؟ السيدة هانئة مشغولة وقد لا تستقبلك.
ــ يا عيني .. هذا آخر ما كنت أتوقعه أو أفكر فيه
ــ ماذا قلت؟؟
ــ لا شيء .. لدي موعد مسبق معها دعني أراها
ــ اصعدي إذن
فتح الباب وبعد أن ملأت عيني الأضواء وتمكنت من استيعاب نفسي في المكان وقعت في صدمة فقد قابلتني تلك السيدة بأحسن حلة .. ووجدت نفسي افقد القدرة على التحكم في لساني كما فقدتها قبلاً على أصابعي فابتدرتها:
ــ هل أنت صاحبة الفيلا ؟
ــ نعم أنا هي ...
ــ لكن....
ــ لا تحتاري صغيرتي أنا لست سيدة بائسة لكن القضية بيني وبين المحافظ ليست بالسهولة التي ترينها .. وهي عصية على الكثير .. لقد سمحت لك بإقحام نفسك فيها لأني لمست فيك ما لم ألمسه في الكثيرين طوال حياتي .. أنت تتمتعين بأمور يعز وجودها و يبهرنا أن نراها ..
ــ دعكِ من مجاملتي وأخبريني أين صرت معه ؟
ــ لا شيء جديد عزيزتي .. لكن يبدو أنه سيلين قريباً .. أنا لست صاحبة مشاكل ولكن أريد من الناس أن يعرفوا من هي الجماعة التي تحكمهم في الخفاء.
ــ قلت جماعة ؟ في الخفاء ؟ ماذا تقصدين ؟
ــ اجلسي سأقول لك كل شيء .. ارتاحي هنا ستكتبين كل شيء حصري وجديد من خالتك المخضرمة .
ــ قبل أن تقولي أي شيء انظري هذه الصور ...
لم تكد عينها تقع عليها حتى استشاطت غضباً وصاحت بي كما لم تفعل مع المحافظ..
ــ من أين لك بهذا ؟ من فعل هذا ؟
ــ ماذا ؟ ماذا هناك ؟
انتبهت لنفسها فحاولت عبثاً أن تهدئ من روعها لكنها لم تفلح ولما رأت إصراري على معرفة ماذا هناك قالت بصوت أجش :
ــ دعي عنك كل هذا ولا تدعي أحداً يرى ما لديك أرجوك
ــ لكن لماذا ؟
ــ اخرجي من هنا لا تعودي إلي أبداً فأنا لا أريد أن تكون لي أية علاقة بك ..
بدت مصرة على طردي فخرجت محتارة .. ولم أقبل أن تستمر حيرتي فأخذت سيارة أجرة بسرعة قاصدة المحافظ ...
انتظرت قليلاً في مكتب السكرتير ثم سمح لي بالدخول .. وقبل أن أقول أي شيء ودون أن يرفع نظره إلي
ــ أعتقد أنكِ لن تحتاجي إلى الجلوس إن لم تريدي وتضيعي وقتك .. لا بد أنه لحقك أني تنازلت عن الدعوى ضدك ..
ــ حقا ؟ لم فعلت ؟
ــ لأني لم أتوقع أن فتاة بذكائك ونشاطك قد تتمتع بذلك القدر من الغباء وتسهو بطريقة ساذجة , لكن صغر سنك وقلة خبرتك بررا لك ذلك فسامحتك .
كنت محتارة جداً , ماذا يقول ؟ بم يهذي ؟... رمل آخر من الذاكرة يزرع بين عيني .. سمعت صوته من جديد يخاطبني لكن ليس في غرفتي أمام حاسوبي ( ولكنك أغفلت شيئاً مهماً )
كان المحافظ يقصد صرفي لذا لم أملك أن ألح في السؤال وإن كان الفضول المحتار يمزقني بشدة وعنف ..
وعند الباب وجدت نفسي أردد (( قد تبدو الأشياء في حقيقتها على عكس ما نتصور تماماً ، العالم كمـا نتصوره قـد يخدعنا بشكل لا يمكن تصديقه )) .
وجاء المساء سريعاً .. ولمرة أخرى وجدتني مع نفسي متلبسة بالحديث معها عنه , كيف يمكن للكلمات أن تصنع مدناً حالمة لا تكتظ بسكان سوانا أنا وأنت يا صديقي ما بال جوارحي تعزف لك ترنيمة تقول سطورها :
مساء يليق بك سيد الكلمات ...تنحني حروفي وكلماتي احتراماً وإجلالاً لما تحمله من فكر نير وطاقات ذهنية وملكة أدبية لها نكهة الليمون ممزوجة بالشهد , فحلاوة ما تقول سمفونية تفردت بها أناملك بالعزف تارة بدقة وتارة بحذر وترقب الآتي واقفاً على أطلال الأمس الراحل بأيامه , وصفحات الذكريات التي طويت بين الجفون وتقلبها أعاصير الذاكرة بين الحين والآخر , ماذا عساي أكتب وبين قوسين اسمك , لطالما كانت كلماتك وعباراتك صديقاتي وبلاسمي ...كلماتك ذات البشرة الخمرية تسقط على أوجاعي وأيامي كقطورة مطر على ورقة يانعة واقفة على غصن ندي ...تقبل مني ما بحت لك وأتمنى أن تمتد بيننا أواصر الصدق .
ختمت ليلتي وأنا أطوي ستار تلك الشاشة التي تشع بنور أمل تعثر لكنه يأبى أن يموت .
استيقظت على أصوات من حولي , ها هو نور الشمس يعدني بغد جميل ...مرت الساعات قضيت منها روتيني اليومي وهاهي الشمس من جديد تطوي أجنحتها ملونة السماء بغسق شجي يعلن بداية المساء فالشمس تغير أثوابها الزرقاء في اليوم عدة مرات يا سيد الكلمات ... نعم يعني كثيراً لي المساء فهو موعدي المشوق معك , وأطللت بورقة الكترونية جديدة لأحاور ذاتي ..اليوم كنت ضجرة متألمة ...سافرت ذاكرتي لمدن رحلت أيامها ...قلبت وقلبت من الأيام حتى عصفت بذاكرتي رياح الحنين إلى كل ما كان وما لم يكن ...وأنا أتنفس الملل قررت أناملي أن تأخذني برحلة على الشبكة العنكبوتية لعلي أصحو من ضجري , فتحت متصفحي وعيوني لا تستقر على شئ , تصافح الأشياء بلا اكتراث ...وإذا بذاكرتي تضج بكَ فاطرق اسمك على متصفحي كي أزور مدنك الجميلة التي تأسرني وتحملني بين السحاب فأنا دوماً متشوقة بشغف طفولي إلى حبات سكر حروفك الماسية ...وإذا بقلبي يقفز فرحاً لما قرأت , كم تمنيت لك طيب العيش بكنف من تحب ...على الرغم من فراستي لقراءة مابين سطورك دوماً فلك روح تتناغم مع خلجاتي يا صديقي إذ أعلنت أناملك مسبقاً حوارات رجل مع بنات أفكاره فتنبأت بما بحت به الآن على الملأ بصور رمزية تحاكي سرورك ...دعني يا صديقي الغالي على شغاف قلبي أهديك الآتي من الكلمات:
( ما أباح الورد سراً للفراشات كي تقبله صباحاً أو مساء....إنما في الورد سر يجذب الأشياء دون جهد أو عناء....أيها الورد الأنيق لك مني أحلى مساء ...)
التوقيع : حصرياً من شرفة شباكِ إلى سيد الأمسيات الحالمة حيث تكون أماني تصلك بدعوة صادقة معلقة بالرجاء .
بعد أن أنهيت رسالة أمنياتي له ... وأنا على أمل تلك الاشراقة ... استشعرت السعادة وأنا أتذكر كلماته التي نقشها هناك , السعادة التي غمرتني في لحظات فقد كان عمرها قصير عندي ... فأحياناً تكون لحظات السعادة قصيرة تذهب في مهب ريح زحمة ما ينتظرنا من أعباء الحياة ...
عدت أدراجي إلى عالمي الذي أطبق على نفسي إلى ذكرياتي إلى مللي ...
أريد أن أزفرني بعيداً وأتخلص من تلك السموم التي تستوطن أعمق نقطة على سطحي , أشعر أن الأكسجين الذي يحيطني لم يعد كافياً على حدود الحياة ومنحدر الاختناق , رئتاي لم تعد تسعفني ... فهـا أنا أشهقني بصعوبة !…. الاختناق الذي أشعر به ليس هو نفاد الأكسجين كما أعتقد , الاختناق أن تزداد التجاويف بروحك , أن تتعملق الهموم بداخلك فتقصيك بعيداً عن أرصفة الحياة تقبع في زاوية الذات تمسك بأطراف الأسئلة تحدق فيك علامات الاستفهام تذوب أصابعك في إجابات هلامية وأحرف متجردة تبحث بين سطور الكلام عن طوق ينجو بك ويخلصك من طعنات الوجع .... نهضت من رقادي أمام شاشة حاسوبي بعد أن تركت الأمنيات معلقة تقف على باب صندوق رسائله علّه إذا قرأها استشعر ما نوهت لهُ بهِ ... فالأمنيات الرقيقة لا نتمناها إلا لمن روحه لامست أرواحنا ...
تجولت في أركان المنزل وأخذتُ أقومُ بترتيبِ ما بُعثر منه ... لعلي أتخلص من تلك الهواجس التي تخنقني وأن أحاول تقـزيم تلك الهموم التي في تجاويفي ....على أمل أن يكون ترتيب المنزل فيه شيء يلهيني ويخلصني من همومي ..... تحركت بخفة المستعجل علّي أُكمل ما على عاتقي من الأعمال ... وأرجع إن استطعت إلى عالمي الوهمي .... في هذه الأثناء سمعت صوت أمي وهي تنادي .... حاولت أن أكمل ما في يدي من عمل ثم ذهبت إلى غرفتها ... دخلت عليها فبادرتني بسؤال فاجأني
ــ هل تعانين من شيء ....؟؟
قلت لها بصيغة المتفاجئ
ــ من ؟ أنا!!!
ــ نعم أنتِ ....
ــ ما بالي لمَ تسأليني هذا السؤال يا أمي ....؟؟
ــ لا تتوقعي أنني لا أشعر بكِ فاني أراكِ على غير عادتكِ , أنتِ دائماً واجمة كثيرة الشرود شاحبة الوجه مرهقة هل لي أن أعرف ماذا يعتريكِ ... هل أنتِ مريضة ...؟؟ هل هناك من يشغل فكركِ ...؟؟ قولي لي أنا أمك ومكمن سركِ .....
ضَحِكتُ فاعتلت على وجهي ابتسامة الحائر ماذا أقول لها ... هل أقول لها إن ما تملكني هو شعور وهمي ... هل أقول لها أن اليوم الذي لطالما انتظرتهِ بلهفة الأم التي تتمنى أن تطمئن على ابنتها فيه وتراها أسعد الناس ... قد أتى ....... ولكن ......!!! وما أدراكِ ما لكن يا أمي ... !!! هو .. وهمٌ .. هو محض خيالات هو شيء لا أعلم إن كان حقيقة أم كذباً ... وهل يا ترى كان هذا الوهم هو من ذاتي الذي صورت لي الأشياء ... أم لا ... وهل أني استقبلت منه الإشارات الصحيحة عن ذاته أم أنه كَذب علّيَ في وصف ذاته بتلك الفلسفة العميقة ... وهل حقاً أن ذاتي الفاعل الإيجابي هنا و هوَ الذي صور لي الأشياء كما أنا أتمنى ... فجعلني أنظر إليه بكل تلك الإيجابية المطلقة لدرجة إنني همت وراء تلك الحروف التي تأتيني على شكل رسائل من ذاك العالم المجهول .... أطرقت برأسي إلى الأرض وقلت لها ...
ــ ليس هناك شيء يا غاليتي سوى هموم في العمل تضايقني فأنا الآن أعاني من بعض الإشكالات التي صادفتني في قصة تلك المرأة التي لها مشكلة مع المحافظ فقط .... فقد اكتشفت شيئاً لم أجد له تفسيراً في تلك القضية ... وجدت شيئاً بخصوص هذا الموضوع أثار حفيظة تلك المرأة العجوز مما حدا بها إلى طردي من منزلها الذي تصورت عند رؤيتي له للوهلة الأولى أنها حتماً خادمة فيه .... إلا أنني اكتشفت العكس فقد كانت هي سيدة المنزل ذاك .......
حينها اقتنعت أمــي بإجابتي على سؤالها بكل تلك الطيبة المعهودة عنها فهي امرأة روحها أقرب إلى روح الملائكة منها إلى البشر ... لصدقها ونقاء سريرتها , فتأملتها وقلت في نفسي لها .................
ما كان سيكون لونُ حياتي بدونكِ .... ؟
وأيُ لونٍ للحياة سيكون من بعدُكِ ....؟
لا لون يا أمــــي لا لون ......
لا أعلم مالذي انتابني في تلك اللحظة .... هو شعور بالحنين لحضن أمـــي فأسرعت بالذهاب لها والجلوس بقربها حيث كانت ممدةٌ على سريرها وطلبت منها أن تفسح لي المجال كي أتمدد بقربها .... أعادتني هذه اللحظة إلى زمن الطفولة حيث كنت أركب دراجتي الهوائية وأشعر بالخوف من السقوط , كان هناك تحدياً داخل نفسي يجبرني على الركوب كي لا تتصور صديقاتي أنني لا أجيد سياقة الدراجة .... كان التحدي إحدى صفاتي , صفة لصيقة بي منذ الصغر .... هي ذاتها التي جعلتني أقبل تحدي صديقي الافتراضي في اللعبة التي تمكننا من التقاط ما يمكن التقاطه من خلال الحوار الذي يدور بيننا ... ابتسمت حين ذكرت تلك اللحظة التي تغلب بها علي وأخذ معلومة له عني ... أتمنى في المرة المقبلة أن يكون الفوز من نصيبي لأعرف عنه شيئاً يوضح لي صورته التي اختزنها في بالي ... فأنا دائماً ما كنت أتصور أنه ليس من الوارد أن أبادر بسؤاله عن من يكون هو .... إذ أجد في هذا الأمر صعوبة ... لا أعلم كيف أعللها ........
سريعاً ما عاد تفكيري لتلك اللحظات الدافئة وأنا أعيشها في حضن أمي وفي أعماق الماضي الذي هربته إلى روحي وأنا أطبق بنفسي على ذلك الجسد الملائكي الحاني ......أأأأه يالها من طفولة مشرقة .... تلك التي عشتها في كنف أهلي وبقرب صديقاتي ... فلي معهم ذكريات جميلة لا تعد ولا تحصى ... أحسست أن هذه اللحظات كانت بالنسبة لي الطوق الذي خفف عني الآم الوجع الذي تشعر به بروحي ... ولكــــن ..........ولأن بعض اللحظات المهربة من العالم الملائكي السامي تلاحقها اللعنات فقد رن هاتفي بإلحاح مجنون ... إنها أمنية .. أنا أضع لها رنة خاصة ... أغنية شارة لرسوم متحركة .. ماذا تريد مني الآن ؟
ــ نعم ماذا تريدين ؟
ــ لمَ هكذا تردين ؟!!!!.. أين أنت ؟
ــ في حضن أمي .... لا تنتظري أن أعتذر فرصيدك لن يسمح أكيد ....
ــ منذ ساعة وأنا أقف على الباب .. سيخرج جيرانكم ليقدموا لي بعض الأرغفة والملابس المستعملة ..
قفزت مسرعة وأنا منتشية ... أمنية عزيزة على قلبي لكني أحب أن تقع في المواقف المحرجة ... هي فتاة معتدة بنفسها ويندر أن يمسكها أحد من يدها التي تؤلمها , مددت لها وجهي لأستقبل منها قبلتين لكنها دفعتني بعيداً وولجت ترفع رأسها في انزعاج ..
ــ لو علمت أن تلك الرواية ستأخذك عني كل هذا الوقت لما ذهبت معك لاقتنائها ..
ــ آآ صحيح... الرواية... ذكرتني .... لم أفتحها بعد
نظرت إلي بعينين تعلوهما الدهشة
ــ إذن الأمر كما ذُكر
ــ وما الذي ذكر ؟
ــ أنت هي الصحفية المتورطة مع المحافظ ... لمَ أخفيت الأمر عني ؟
ــ ربما لأني لا أريد أن يتدخل والدك . وعمك وخالك وبن عمك وكل قبيلتك .. أعرفك عندما تحشرين نفسك في أموري .
رغم أني أطلقت ضحكة مع كلامي إلا أنها لم تزد الأمر إلا تشنجاً وبدت أمنية متضايقة جداً مني , فأسرعت إليها وحوطتها بذراعي أعتذر لها وأطلب عفوها ... لكنها دفعتني بتكبر من جديد وارتمت على الأريكة وهي تقول :
ــ على كل لقد قابل أبي المحافظ صباح اليوم وأخبره بكل شيء ... فالبيت الذي كانت تنزل فيه تلك السيدة وقف , وكان لزاماً أن يعاد إليهم ولأنك تعرفين أن أخذ أي شيء من تلك العجوز ورده لأصحابه أمام العيان قد يثير فتنة وضغينة بين الناس فقد حرص المحافظ أن يتم كل شيء بطريقة أخرى غير التي كانت العجوز تريدها ....
لم تقو قدماي على حملي ... هل يعقل ؟؟ ... كيف لم يخطر ببالي هكذا أمر ... هل إساءة الظن بالمحافظ وكل محسوب على السلطة هي السبب ؟ , كأن أمنية قرأت كل ما يدور في خلدي وأكثر فابتدرتني مهدئة وفي لهجتها بعض السخرية :
ــ لا عليك .. ما زلت صغيرة وستتعلمين الكثير ... الضربة التي لا تكسر الرأس تزيده فطنة ... والآن أريد رؤية إن كنت تعلمتِ إعداد عصير تمر هندي بطريقة جيدة ... افعلي في الوقت الذي سأرى فيه خالتي واطمئن على حالها ...
دخلت المطبخ واختفت أمنية في غرفة والدتي , وما أن اختفت حتى سبرت أعماق أفكاري لعلي أجد عنواناً يستفز مشاعر صديقي الافتراضي وفي خضم صراع العناوين الكثيرة امتدت يدي لتطبع العنوان التالي ـ على شاشة حاسوبي الذي رافقني في المطبخ ـ ما هي الأسس التي تدفعنا لإنشاء العلاقات عبر العنكبوتية هل هي الرغبة في الخلاص من التقوقع اليومي ؟ أم قتل الفراغ أم محاولة استقراء العقول ؟ هل هذه الشاشة هي الخلاص أم بداية الذوبان في اللاجدوى ؟ .. سيكون هناك ردود كثيرة لا يهمني منها إلا ما امتزج ببعد النظر واستخلاص الأبعاد والقدرة على رسم الوقائع بعيداً عن الأطر الجاهزة والمسالك المكررة , أريد رأياً تتمحور فيه قدرة القارئ على الإدلاء برأيه وفق خزينه المعرفي ممزوجاً بعمق تجاربه حتى يقوم برسم جوابه رسماً سريالياً لا مجرد حروف يقوم بترتيبها , أنا معجبة برسم المعاني أنا أبحث عن المصاديق لا المفاهيم ما يهمني هو الجوهر لا العرض , هل سيلتفت إلى أني مولعة حقاً بغاية علة ولعه وما عندي من ثقافة لا تؤطر تحت عنوان واحد لذلك أنا مختلفة العناوين لمعنى واحد , يسوقني فهمي المتعدد لاستدراج الأقرب إلى قدرتي الذاتية , هل سيبقى أسير انهزاميته ؟ أريد انتشاله من محورية كتابته حتى يستثمر تحرره باتجاهات عدة , سأسأله باتجاهات متعددة لعلي أجد منفذاً للولوج إلى عمقه وقدرته على التأقلم مع أنساقي البلاغية نعم هذه طبيعة تطلعاتي لرسم محوريته الثقافية ..
توالت دقائق صارت ساعات وتضاعف عدد المشاهدات ولا رد واحد ... صرت أخمن أن الموضوع عصي على الفهم .. هل وضعت إشارة أبعدت الرواد عن الإفصاح ؟ ... ولم أنتبه أن أكثر تلك الأرقام ـ عدد المشاهدات ـ قد فعلتها أنا بترددي بين كل دقيقة وأخرى على الموضوع .. ضقت ذرعاً وأنا أرى أن ( ذاكرة الرمل ) شاهد الموضوع ولم ينبس ببنت شفة ولا حتى شكر ومر كما يفعل بعض المستعجلين .. خسرت رهاني غير المعلن أمام أمنية التي غادرت دون أن أقف على تعليقها على مشاركته التي راهنت نفسي أنها ستكون أولى المشاركات ....وأردت أن أغير الموضوع كله , ربما علي أن أعيد محورته ... لا انتظري ماذا أرى هناك رد ... بسرعة ضغطت على العنوان وما إن دخلت حتى كانا ردين وما إن علقت على الرد الأول حتى وجدتها ثلاثة ردود .. صارت الآن خمسة ... (( وخلق الإنسان عجولا ))... أخذتني ردود وتعليقات الرواد في فسحة جميلة غنّاء .. كانت وجهات النظر مختلفة وفي تضاربها تناسق وانسجام نابع من الذات .. كأن كل واحد كان بعفويته بصدقه بشفافيته يسمح لنا أن نلج ليس إلى فكره المنمق فحسب بل إلى روحه الصافية وحقيقته البسيطة ... وصار الموضوع نقاش السهرة وشعرت كأني في مائدة مستديرة .. وبدأت أستحضر أصواتهم مع رؤاهم وهِمت معهم في أحلامهم من ماضيهم ... وبعد برهة خف الصوت في الموضوع وساد صمت مطبق ... مضت نصف ساعة ولا أحد زاد شيئا .. إن استثنيت العبارات الشاكرة على السريع ... لا أنكر أني شعرت بالضيق ففكرت أن أرفه عن نفسي بإلقاء نظرة على والدتي .. لكنها كانت نائمة فعدت وقد سيطرت على ذهني فكرة أخرى ببعث الموضوع من جديد وإبقاء ذلك الجمال المتناسق في حضرتي بين كلماتي ومتصفحي ... دخلت لوحة تحكمي وهناك انتابتني صدمة لذيذة .... كان اسم ( ذاكرة الرمل) آخر المشاركين .. تصرفت أصابعي بدلاً عني .. ترى ماذا قال هل علق على الموضوع في حد ذاته أم جلبه تعليق رائد آخر ... لا أصدق عينيّ كان رده فارغاً إلا من جملة واحدة ( ذواتنا دوماً قد تفاجئنا بكمّ كبير من التناقضات التي تختزنها ) ثم بسرعة ظهرت صورة بقلم الرصاص .. خطوط أولية غير مكتملة .. إشارات محيطة توحي بإضاءة مكتومة وأخرى ساطعة ... منصات بلاطية متعالية ... وأيادي نحو الفضاء مرسلة وأخرى من أفواه منبعثة .. الكثير من الخربطة والكثير من الحركة والكثير من الحيرة .. وتوقيع في آخر الصورة ( ذاكرة الرمل)... شعرت لوهلة أني ضائعة .. هل يختبرني هذا الرملي ؟؟ أم مرة أخرى ينفث رملاً في عيوني ؟؟ .. مرت دقائق وأنا أقضم اظفري في فمي وعيناي تتفحصان الصورة وعقلي صاحبَ الصورة ... جددت الصفحة علّني أستنجد بأحد يفهم مثل هذه الإشارات ويساعدني في فك طلاسمها .. لكني لم أجد إلا رداً آخر منه يقول ببساطة طفولية ( أثارت حروفكِ الكثير من الهواجس في نفسي فلم أملك إلا قلمي لأنتدبه رسولاً إليكِ ... أكرم به من مرسل إليه ) ... شعرت بالراحة وكأني به قد فهم أنه ورطني بصورته تلك فأرسل لي طوقاً أصل به إلى شاطئ الأمان ... أجبته :
ــ بل أكرم به من مُرسلٍ ورسولٍ آنسنا بكما ووددنا لو خاطبتمونا بلغة قومنا .. بفعلك صرت أنت صاحب الموضوع .. بل دعني أكون أكثر وضوحاً وأقول أنك صرت أنت الموضوع .. تفضل أيها الرملي فعقولنا لا تشبع من خطوط دون حروف... واشرع نوافذك أمام فضولنا المحموم ، أعلنْ عن ثورة الكلمة التي طالما بقيتْ رهينة العقول.. يا ذاكرة الرمل سأجيبك على مشاركتك هذهِ لاحقاً .
ــ رجاءً خذي وقتكِ , لكن لا تجعلي سفن الانتظار عالقة في كبد البحر ..
ــ سفن الانتظار ؟؟ ... وأين الريح إن فقدتْ السفن أملها بالانتظار ؟؟
ــ يا سيدتي , ربما الريح في بلدٍ آخر و سماؤنا الآن لا تريد ضجيج الرياح .. أو ربما لأن تلك السفن التي تنتظر التحرك أتعبها الجري خلف أطياف المودّعين لركّابها ...
ــ ربما !!.. سأجيبك عن هذا لاحقاً أيضاً .. إلى اللقاء
ــ في أمان الله .
استبد الليل وأخفى القمر وجههُ خلف الغيوم , مُعلناً قراره الأخير نحو وجهة الخفاء لا التجلي .. وأنا لا زلتُ أبحث عن حقائق يستحيلُ أن أجدها وأنا جالسةٌ على هذا الكرسي المُتحرك المقابل لشرارات لهيب الموقد ..يُقحمني ذلك السيد بالبوح عن معالم
الانتظار ومكامن الأسرار ..أجوبتي تحملُ أكثر من معنى وفي الوقت نفسه تختصر الكثير من الحرية في التعبير .. تحملُ أجنحةَ طائرٍ يُحلّقُ في فضاء عقولهم ..لا أعلم كيف فسرّوا لغة طائر كلماتي وكيف سيفرّون من بحر الغموض الذي غرقتُ فيه..تارةً يتكلم عن شاطئ الأمان وتارةً أخرى عن سفن الانتظار..هل....؟؟؟؟ أوووه لالالا لا يحتمل أبداً ..قد يكون مجرد فضول لمعرفة الإجابة .. قلمهُ رسول يحملُ دماً أسوداً يلتقطُ من الرياح أوراقاً هربتْ من أقلام دكتاتورية , مُتسلطة , متعجرفة لكنني أؤمن بأن قلمهُ يحملُ ذاكرة .. قلمٌ طافح بحبر الحياة , يُلطخ صفحات الأثير تاركاً بصماتهِ على جبيني .. تتجول الأفكار وتضمحل الأوهام تدريجياً من قاموس عقلي الذي بلا حروف .. الآن سأرى ذاكرة الرمل بمَ يُجيبني ؟؟..
ــ مساءاً بعيداً عن السهو ,, مساءاً لا يرمز للوهم بأي صلة.. ( فتحت المشاركة الأخيرة وإذا برسالة زائر(
ــ صديقتي لقد غرقتْ سفن الأنتظار فالغياب طال كثيراً.
بصمتٍ عارم وشحوبٍ على وجهٍ أرهقهُ البحث عن الأدلة , قرأت تلك الرسالة.
ــ أيها السيد الرملي , أشحنْ مُخيلتك وأستمع إلى صوت الريح الآن ..."لا تغرق السفن لمجرد الانتظار
ولولا الرياح ما تجمعّتْ غيوم السماء لكي تمطر تاركةً تحت همسها ذلك البحر.."..أي نوع من الانتظار هو؟؟
ــ ذلك الذي يبعثُ بأقلامي إلى جحيم الأحبار ..
ــ عجباً !!.. ليتني أغرق في جحيمها كي يستمد عقلي منها الأفكار,الإصرار و عدم التفكير بأوهن الأمور
التي أعطتْ لقلمي الجمود والبرود..
تلعثمت ماذا عساي أقول تهت بين سطور دونتها في الماضي وبين تمتمات نسجتها في الحاضر ضاقت عليّ النفس حد الاختناق راودتني أفكار وعواصف مزاجية كنت سأنهار كلياً لولا الأمل الذي رافقني في أروقة الطريق وبعض نسمات ممتزجة بين الحب والجنون علقتها في مخيلتي لإكمال ما تبقى من مسيرة طالت حتى ثلاثة أشهر ونفد معها الصبر لولا أني تمسكت بخيوط تلك الأيام الجميلة التي تعالق نسجها في ذاكرتي الحاضرة , دفنت وجهي بين كفي .. لمَ أعود لأذكرهم ... كانوا هنا ورحلوا ... لما جاؤوا قررنا أن نحتضنهم ... ولما قرروا المغادرة لم يكن بيدنا إلا أن نودعهم ...
رن جرس الباب ... حملت حقيبتي ووقفت برهة أمام المرآة أتثبت من عاديتي .. ولما سرت نحو الصالة سمعت أمي تصيح من غرفتها :
ــ هل حقا ستذهبين ؟؟ ألا يمكن تأجيل هذا العمل إلى الغد ؟؟
ــ ضوء الشمس قد يخفي أحياناً أكثر مما يظهر أمي ..
ــ ليتك لا تذهبين ...
كنت قد وصلت إلى الباب وفتحته ثم استدرت وقلت لها :
ــ سأعود سريعاً لا تقلقي ...
ــ ألن تقومي بدعوتنا إلى شيء نبل به ريقنا... قال جمال ذلك وأردفت خلفه سعاد تؤيد فكرته وهي تضحك في مكر , دفعتها بجسمي وأغلقت الباب وصرنا ثلاثتنا في الخارج ونزلت قبلهم السلالم وأنا أستعجلهم لإنهاء عملنا في أقرب وقت لأني لا أستطيع أن أترك أمي لوحدها كثيراً .
************************************************** ************************************************** **
ما عهدت سيدة الكلمات تبطئ في الرد ... فحين تماهت في ردها على ما كتبته ... راودني إحساس باني أثقلت عليها بعبارتي ... ما بالها هل أصبحت كلماتي ثقيلة عليها هل حقاً أني الأقدر في التغلب عليها ... راودني هاجس بأن أكتب لها اعترافي فلم أعد أحتمل عبء هواجسي فقد أثقلني شرودي بها .... فكتبت :
استشعري مواضع الألم داخلي ... اقبضي على وجعي بقوة ... فأنا يا سيدتي فقدت لغة التخاطب فكل أحاسيسي معلقة إلى أجل غير مسمى ... وحواراتي لا شكل لها ... أنا بحاجة ماسة إلى الكلمات الخالية من الأحرف ... استوعبيني ألبسيني إياك فأنتِ هي من أصبحُ أمامها متجرداً من كبريائي , لستُ بتلك الصعوبة التي يتخيلونها فأنا متسامٍ لأبعد مدى , أربتي على حناياي دون أن تشعريني بضعفي , املئي ذلك الفراغ بحضوركِ فهو ما يجعلني أستمد بواعث الحياة ....لأتلون بها ...
هكذا كتبتُ كلماتي التي اعتزمت أن أرسلها لها ... فقد أحسست أنني أصبحت على حافة الاعتراف لها بكل ما يجول في خاطري ... نمقت كلماتي وجملتها بالألوان وما أن أوشكت على الإرسال ... وكأن هاتفاً نادى بي ... لا تفعل ... ترددت ... خارت قواي ولم أستطع فعل ذلك ... نهضت بسرعة من أمام حاسوبي وأنا مستنفر لكل طاقتي ومتوتر أشهق الأنفاس بقوة .. ماذا كدت أفعل !! ... أخذت ألوم نفسي وأوبخها لست أنا من يتصيد ويستجدي المشاعر من الآخرين ....
تباً لكل شيء ... تباً لذلك الوهم الذي اعتشت عليه وفيه ... تباً لي ولقوتي المزعومة ... تباً للهالة التي تطوقني وتنسج صلابة لا وجود لها ... تباً لعينيّ التي تأبى أن تسقط في غياهب نومٍ بت أفتقده ... تباً لشخصيتي التي جنت علي ولازالت تجني ... تباً لأنفاسي المقطوعة ... تباً لذاكرتي التي لا تختزل إلا الوجع ... تباً لقلمي الذي تعذر عليه البوح ... تباً لضميري الذي يؤرقني ... تباً للخذلان الذي يكسو روحي ... تباً لي وتباً لكِ لأنكِ لستِ هنا في هذا العالم الذي أرتاده كل يوم .. تباً لأنكِ لا تسلكين نفس طريقي التي أسلكها ... تباً لأنكِ لم تدرسي في تلك المدرسة المجاورة لبيتنا ... تباً لأنكِ لا تتسوقين من جاري الذي أشتري منه كل يوم إفطاري ... تباً لأني لا أعلم أين تقطنين ولا مع من تعيشين ولا إلى من تنتمين .......
عزت علي نفسي وأنا ألومها وألومني .... على ما حملتنياه من ألم الفقد الذي يعتريني .... ها أنا حقاً أفتقد تلك الروح التي ليست لها ملامح سوى حبر تلك الكلمات المطبوعة على شاشة ذاك القلب الافتراضي الذي بت أتبادل معه شعوراً لا أعرف ماذا أسميه ...!!!
عدت أدراجي وأنا أشعر بخيبتي .... أتأمل ما كتبتهُ ولا أستطيع البوح به .....ومحوته كما احتمال أن يمحو قصتي معها موت رقمي .. فكل ما حولي هنا هو افتراض لا أكثر .. ولعل ما يختلف في العالم الافتراضي ويجعله مميزاً أيضاً هو انفتاحه على كل الاحتمالات .. على العكس من العالم الواقعي الذي يدجّننا بالاعتياد , يخلق منا كائنات داجنة كما لم نتصور في بواكير الحياة , وما أن نجتاز شوط الحياة الأول ونخطو خطوتنا الأولى بعيد الشباب حتى تكون إجاباتنا عن الحال هي ( كما هو المعتاد ) هنا فقط نشعر بأننا مدجنون بالتكرار والرتابة , ونرمي بالتهمة فوراً على التكرار مع أنه العنصر الفاعل في الموسيقى والإيقاع الشعري اللذان لا يمكن أن نسمهما بالرتابة مع كل مشاهد الخلق التي تنتابهما , لا متهم غيرنا نحن , نحن من نقف في نقطة ما من الحياة حين نشعر بشيخوخة الأشياء من حولنا ونبحث عن المناسب والأقرب لنتهمه , ليس ثمة ما يقطع هذه التداعيات الذهنية سوى تصفح العالم الذي أمامي , أدخل لمواضيعي القديمة لأبعث نشوة الذاكرة , وما دامت ذاكرة افتراضية فلا خوف حتى من العبث فيها , لم تمضِ إلا نصف ساعة حتى لاحت لي علامة رسالة ما في ملفي , إنها هي مبتدرة , ومدشنة لحوار طويل كما يبدو :
ــ يبدو أن الوقت الذي منحتكَ إياه للشعور بانتصارك قد انصرم , مساؤك خسارة صديقي , ماذا لديكَ سيدي لهذه الليلة ؟
ابتسمتُ وأنا أقرأ رسالتها , وجهزت من فوري كوب القهوة إيذاناً ببدء جولتنا , وعدت لحاسوبي لأرد عليها :
ــ قد يكلفكِ هذا الاستفزاز الكثير يا صديقتي , حسناً فات وقت الندم هههه , أممممممم لا أعلم من أين نبدأ .. ما رأيكِ لو قاربنا مفاهيمنا عن الماضي ؟ ولمَ يبدو جميلاً غالباً ؟ هل ثمة سلطة له تمنحه كل تلك النشوة والحنين إليه حين نذكره ؟
ــ يا سيدي .. ليس ثمة سلطة باعتقادي , الأمر كما يبدو لي متعلق بنا نحن .. نحن من نمنحه تلك الحلة الجميلة بصورة أو بأخرى , وإلا فالماضي بحد ذاته كمفهوم زمني حاله حال أي مفهوم زمني آخر , ولعلي أستدل بأنه ليس الوحيد الذي يكتسب تلك الجمالية بل المستقبل أيضاً , فحتى مع مجهوليته تبديه أحلام يقظتنا جميلاً .
ــ ولكن المستقبل يا صديقتي يبقى مشوباً بالحذر , ليس له ما للماضي , نعم ربما لأن الماضي منجز ولا مجال لسلطته الفعلية علينا , أي لا تأثير له يمكن أن يوقع بنا السوء أو ما نكره , ثم أن الماضي حتى مع كونه تجربة أليمة لنا يكتسب جماليته .. لا أقل من شعور الارتياح بتجاوزه , ومع إمكانية تكرار مثل تلك التجربة يبقى المستقبل وحده من يحظى بالقلق , والماضي له مجد النشوة الجمالية في أذهاننا , وهذا ما يدلل على أن له سلطة خارج تعلقه بنا نحن , أي أن له سلطة لذاته لا لمتعلقاته .
ــ صديقي .. نحن من نجمّل الأزمنة , يمكن أن نجمّل الواقع مع كل مرارته , هذا ما يحدث في تجارب الخروج من الواقع التي يمارسها المعتقلون في قضايا الفكر والسياسة , سمعت عن أحدهم أنه قضى في المعتقل 18 عاماً وحين خرج سُئل أين كنت ؟ فقال : في حوار فكري مع أشهر كتّاب ومفكري العصر وعصور سبقتنا وعصور ستلحقنا .. الرجل كان في حوارية امتدت طوال فترة اعتقاله , وبمعنى من المعاني فقد مارس تجربة الخروج من زمنه , أو فلنقل أنه كان في تشيئ ما صنعه هو بفعالية كبيرة , هذا يقودنا للاعتراف بأننا نحن من نعطي للماضي وغيره من الأزمنة صوره التي نريد , وإلا لمَ تبدو تجربة واحدة مؤلمة بالنسبة لك وحزينة وتبدو لي أنها مؤلمة ولكنها ليست حزينة .. ربما أمنحها أنا صفة أخرى ؟!! نحن يا سيدي نحن ولا غير .
ــ حسناً يبدو ما قلتهِ مقنعاً لولا الإشكالية الآتية : لمَ نقدّس الماضي ؟ لم نقدّس الرموز بعد موتها ؟ ولمَ تصبح بعض الشخصيات الإشكالية المثيرة للجدل بعد موتها رموزاً تتفق الثقافة على منحها صفة الرمز بما لها من خاصية التقديس الضمني ؟ مع أننا قد نكون قبل موت تلك الشخصيات بزمن قصير لا نتفق معها ونقف موقف الضد منها تماماً ؟!! نحن كما نحن لم نتغير في حدود هذا المعطى ولكننا انتقلنا من الضد إلى الــ مع .. وأنا على تمام التأكد لو أن تلك الشخصيات عادت للحياة لعادت صفة الإشكالية معها ولعدنا للوقوف موقف الضد منها .. مراجعة بسيطة للتراث والتاريخ ستغني عن سوق الأدلة يا صديقتي .
ــ صديقي .. السبب فيما ذكرت بخصوص تلك الشخصيات هي ذواتنا نحن لا الزمن .. وما افترضته من إمكانية عودتها للحياة يدلل على ذلك .. نحن نتغاضى عن مواقفنا بفعل العاطفة , ولعل سلب فاعلية مثل تلك الشخصيات بالموت يجعلها خلف الكواليس , مما يدفعنا للبحث عن شخصيات فاعلة في الحياة الحاضرة , والتغاضي عن نتاج الشخصيات السابقة وتأثيراتها الممتدة محاولين بذلك ـ وبتأثير العاطفة ـ صنع منطقة تصالح وهمية معها .. ثم أين ذهبت فاعليتنا كذوات والتي تحدثنا عنها سابقاً ؟؟!! يا رجل لقد كانت سبب انتصارك السابق هههه .. أم تراكَ عدلت عن رأيك بخصوصها ؟!! .
صدمتني مباغتتها لي .. كيف أغفلتُ محاورتنا السابقة ؟! كيف يمكن الالتفاف عليها ؟ وهل حقاً أريد ذلك لمجرد الانتصار عليها أم أن الحقيقة ومحاولة الوصول إليها أكثر إغراءً حتى وإن جاءت بكأس الهزيمة ؟ أجبتها :
ــ أعترف أنكِ تستحقين أكثر من معلومة .. صدمتني , أنت على حق .
ــ ههههه .. ولكن أين الــ ( أكثر من معلومة ) ؟
ــ أعمل في المحاماة , أسكن في بغداد , والمعلومة الأكثر أهمية أنني ما زلت أعيش وأحتفظ بصديق مقرب .
ــ ممتاز .. لستَ الوحيد الذي يحتفظ بصديق مقرب هههه .. تشرفنا سيدنا المحامي .. مرحباً بابن مدينتي .. كما ترى لستُ أقل كرماً منكَ أيها الكريم .. سعدت بمحاورتك , ألتقي بك لاحقاً , تصبح على خير .
كم هي كريمة وكم هي قوية .. حتى مع انتصارها لا ترغب بإشعاري بالهزيمة .. تقدم عنها معلومات عن صديقة مقربة ومكان سكناها , لكنها ذكية بالقدر الذي جعلها تتصرف هكذا لأنها تعلم حتماً بأن هذا يمنحها نصراً إضافياً .. تغمرني نشوة كبيرة .. وأرد عليها :
ــ ذكية أنتِ , تصبحين على خير صديقتي , اشعري بالنصر دوماً .
وألوذ بما قبل النوم مسترجعاً حواري معها .. والغد أولى بكشف مجهول آخر عنها , تصبح على خير أيها المهزوم , تصبح على خير يا من تبدو سعيداً .
حاولت يا ليديا .. لكنني لم أفلح في تحميله هناك كموضوع مستقل .. عموماً الآن النص في متناول أيديكم الكريمة .. شكراً لك
شكراا ع مجهودك استاذ ،،.