المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيفرة دافنشي
هذه هي صورة النص الأخيرة .. أرجو منكم قراءتها كلها من البداية حتى النهاية .. وبدقة .. إليكم أعزائي .. أكملوا من بعد هذا :
قد تبدو الأشياء في حقيقتها على عكس ما نتصور تماماً ، العالم كمـا نتصوره قـد يخدعنا بشكل لا يمكن تصديقه
يوم آخر .. والشمس تمنح أرصدة مجانية من أشعتها , كم أن الأشياء المجانية تبعث فينا نشوة الحصول عليها , ما زلت ذاك الطفل الذي تغريه الحلوى التي تحمل داخلها هدية ما , لا أعلم ما سر هذا الولع بتلك الأشياء مع أنها مجانية حقاً , يبدو لي مرة أخرى أن الحصول عليها أجدى من التفلسف بشأنها , وهكذا أقضي الصباح متأملاً تحت سقف الشمس , ويخطر في بالي ما يمكن أن تحمله التجربة الجديدة التي يحملها يومي هذا , في المساء سأكون على موعد مع ما يدعى الأنترنت , هو عالم كبير وواسع كما يقال .
كان الأسبوع المنصرم مجدياً في تعلمي ارتياد هذا العالم الجديد جداً , ما يغريني فيه أنه يبدو جديداً كلياً , ترى ـ وتتناسل الأفكار ـ من هم أولئك الذين يربضون خلف شاشاتهم ؟ يقتلني الفضول عن كل تفاصيلهم , والأهم من ذلك هي دهشتي عن متى تكوّن هذا العالم ؟ !!! أتراني كنت خارج العالم لهذه الدرجة ؟!!
الشاي والسكائر رفيقاي في ارتيادي المسائي لعالم النت , وأنا مهتم بالبحث عن كل ما يخص الفلسفة ( الظاهراتية ) هذه الليلة بالذات , وجدت ضالتي في منتدى عربي , وشيئاً فشيئاً وجدت طريقي بين رواده الدائمين , كان أنسب اسم لي بينهم هو ( ذاكرة الرمل (
حين نكون داخل الأشياء المعنية , تلك التي نقصدها , فإن أبعد ما نتصور حدوثه يحدث غالباً , كانت ليلة أخرى لا شيء فيها خارج الاعتياد , وأنا أتنقل بين صفحات المنتدى بشغف المعرفة والاستمتاع , هناك حيث صدمني العنوان ( لا شيء يشبه .. إنه الاشتباه فقط ) !! كان نصاً أدبياً , ومع أن سنوات البكالوريوس التي قضيتها في كلية القانون جامعة بغداد كانت مضنية جداً للدرجة التي سلبتني الوقت الكافي لمتابعة شغفي بالأدب , إلا إنها لم تقطع صلتي بهذا العالم الساحر , وأنا أتابع النص كان يبدو لي أنه يحمل شيئاً غير معتاد , عجباً كيف تمّ لكاتبته إنتاجه بهذه الصورة ؟ كان نصاً بحق , علقتُ عليه : (( هو يشبه الاشتباه إذن ....... نحن نشبهنا )) كان الفضول ينتابني عن كاتبة النص , بدت لي شخصية لا نصادفها كثيراً في حياتنا , كان افتراضها في المنتدى معنوناً بــ ( آية من سورة .......... ) , كنت أثق بذكائي إذ أرسلت لها تحية نصها : ( مساؤك ضجيج .. ترى من أية سورة ؟ ... ليس في القرآن سورة الاختلاف أيتها اللاتشبهين )
وبدا أن ثقتي بذكائي لاستدراجها لسد فراغات فضولي الشديد نحوها قد أوشكت على التلاشي بعد أن مرت الأيام دون ورود إجابة منها , غير أن مساء يوم الجمعة حمل معه إجابتها : ( مساؤك سكينة .. يبدو أنك تحب الوجبات السريعة .. سأدعوك على واحدة مجانية .. لو كلفت نفسك تأويل الفراغ الذي تملؤه النقاط .. الاستفهام محض مخاض .. و لك أن تعرف قيمة الإجابة سيدي .. ربما في فرصة أخرى .. أو حياة أخرى ربما .... ربما (
كانت إجابة صادمة .. كأنها تعرفني .. كيف تعرف ولعي بالأشياء المجانية التي تأتي منقادة .. كيف عرفت جزعي من البحث عن الإجابة ؟!! , وليومين كنت ألملم الإجابة المناسبة لهذه الآنسة أو ربما السيدة الذكية , فالحق أنني لا أعرف عنها شيئاً سوى أنها ذكية للدرجة التي توقظ فيّ مكامن الحذر
لا أعرف عنها سوى أنها وجه لا يشبه شيئاً .. كنت سابقاً عارفاً بطقوس الرسم حد الثمالة إلا إنني الآن أيقنت أن يدي لم تعدّ تتذكر تلك الطقوس حتى امتد العجز إلى رأسي فلم يعد يملك الأفق ليبدع فيه رسماً ... حاولت إلا إنني وجدت رأسي تدور فيه حلقة مفرغة عن كل نقاط الالتقاء فيها .. ولأول مرة أعرف مدى التيه الذي أصبت به .. لا بل مرضت به وجُعلت أدمنه .. أمد خطوطاً مستقيمة فتجيء منزهة عن استقامتها ... إنها عدوى الاشتباه سرت إليّ ... أي سحر تملّك خاطري من تلك الإجابة حتى أوقف الزمن فيه ؟؟؟
لم أحتمل ذلك فعاودت الكتابة لعلها ترد شيئاً مما اقفها به جمالاً أو ترهباً أو لعلها جملة تساؤلات تخرجني من هذا التيه تعيد لي زمني الذي فقدته عن بعد أو عن قرب لا فرق المهم أن زمني سيرجع لي .... كتبت لها بانتظار أن تبوح إجابتها بوجه يتعلق بخطوطي .. برتوشي .. ولربما سأتخذه وطناً وأنا البارع في رسم الأوطان أينما شئت ... انتظرت دون وطن طويلاً ... فأفنيت قلمي وزمني التيه ورأسي العاج بخطوطه المستقيمة المنحنية .. دون رد بقيت أعدّ أصابعي ويا لدهشة صرت أخطئ بعدّها ... رباااااااااااااه أيّ وقت هذا الذي يمرّ عليّ فأخطئ عدّ أصابعي ؟؟؟؟؟
واستدركت في الحال إن ما يجعلنا نُخطئ في العد هو طول الانتظار... والوله الذي ينتابنا حينما يحل طارئ على حياتنا ... كنت أعد الكلمات للرد بها على هذا الطارئ الذي أربكني في حال لو أنه أطل عليّ لكنني تلعثمت ولم أعرف ما تفعل أصابعي التي فقدت التركيز حين انبثقت لي علامة التنبيه بقدوم رسالة تشير إلى أن أحدهم قد ترك لي ما قد يكون فيه إرضاءٌ لفضولي واستخراجٌ لرأسي الذي تركتهُ وهو منشغل في الدوران في تلك الحلقة المفرغة فقد تعبت وأنا أنتظر وأعد وأخطئ بالعد ... واستدركت أيضاً إن ما يأتينا بعد الانتظار تكون له لذة خاصة ... نتذوقها حينما نفاجأ بقدوم من أرهقنا انتظارهم
تخليت عن حذري وذهبت إلى أعلى الصفحة وضغطت على ذلك الضوء الأحمر المنبثق من أسفل كلمة التنبيهات فإذا بها رسالة زائر ... لا أستطيع وصف كم هو طول الوقت المستقطع من يومي في تلك الهنيهات التي تفصل بين إرضاء فضولي وبين فتح الصفحة لمعرفة ما قد حملته لي هذه التنبيهة هل هي بصيص من أمل إطلالة لهذه الصورة التي أربكت فرشاتي وحيرتها ولم تعد تعرف كيف تنسق خطوطي التي اعوجت من فرط سحر هذا الشيء الذي
لا يشبه ... وهو من الاشتباه فقط
أم الخوف من أن تكون التنبيهة لاشتباه آخر لا يمت للموضوع بصلة ...
لكن الشعور بتلك اللذة ...لا ينفي أبداً حقيقة ذلك الإرهاق..........
أحسست بالشلل ، إنها تستفزني لملء الفراغ ....إنها تختبرني ....تطرح سؤالها بهيئة الإجابة ....وترمي كرة الكشف عن الآخر في ملعب لوحة مفاتيحي ....
تطالبني ببطاقة تعريف بطريقة مهذبة ....ولا ألومها ...فأنا من قرع الشبّاك ....فلمَ احتجّ على فتح الباب ؟
و رحت أفكر ............ بمَ عليَّ أن أجيب على السؤال الذي طرَحتُه ؟
ولم أدرِ أيهما كان يطغى في تلكم الأثناء ، إحساس بالندم ، أم تشوقٌ لما سيأتي ؟ وعندها قررت أن لا أُبالي بما سيقع أثناء محاولتي فتح الباب لها لكن حتماً أدركت أنه لا مجال للكلام ،، والذي سيقع لابد منه. ولا مفر لما صدر مني سابقاً
انتابني شعور مريض بأن أُبرر لها ما فعلته وأن أقول بأني كنت مريضاً وراودتني أفكار جنونية وصرت لا أرى ولا أسمع ولا أعرف ماذا جرى ، هل ستتقبل ما سأقوله
أم تفر هاربة كالعادة ،، يا إلهي احترت بهذا ومن أين سأبدأ وهل تنتهي القصة على خير أم هناك حلقات متواصلة من العذاب ومما سأعانيه مستقبلاً ؟
جلست قليلاً لأفكر قبل أن تمتد يدي لفتح دفاتري ،،رويداً عانقت أفكاري حلول وسطية لابد منها .. ولازال جرس كلماتِها يدق في أذني بجنون وأسمع نداءها !..
هل مللت مني يا هذا ؟؟ أما زلت تفكر في حكاية حتى تلقيها إلي ، وعندما سمعت كلماتها ترن في عقلي ،، أسرعت وفتحت الجهاز .
شدني الأمر كثيراً وزاد تعلقي وشوقي لمعرفة ما سوف أكتشفه عن هذه الإنسانة المبهمة القابعة في الطرف الآخر من العالم .... فعلى الرغم من بعد المسافات التي بيننا ... إلا أنها تقبع أمامي ليس بيني وبينها إلا شاشة زجاجية ملونة ...
في أحيان ٍكثيرة يشدنا الآخرون ممن تسحرنا عقولهم وأناملهم وقوة قدرتهم على التعبير عما يجول في خواطرهم ... فنبدأ برسم صورهم بين حدقات العيون التي تتأملهم بشغف ... فأخذت أطرح على نفسي أسئلة كنت أتمنى أن أجد إجابة لها ... كيف تكون يا ترى ... هل هي طويلةٌ أم قصيرة ؟؟؟ ... هل هي جميلةٌ أم بشعة ؟؟؟ ... ما سرُ هذا الذكاء الذي شدني إليها وأنا من أنا وأحسبني لا أتأثر بمن يأتي أو يذهب !!! ... وأتعبتني كثرة التفكير بكيفية الرد على سؤالها الذي أحرجني ولم أعتد على الهزيمة أمام أحد لو طرح عليَّ سؤال !!! ...
كنتُ أخالني لا أهزم ...
استللت سيكارتي وأشعلت نارها وأخذت أتجول في أركان غرفتي عليّ أجد ما يوصلني إلى ردٍ يشفي غروري ،،، ويفحم آنسة / سيدة الشاشة الافتراضية ... عندها تعالت من فؤادي ضحكة معلولة..... أنى لك بإفحامها يا مغرور ؟
حقاً كيف لي بإفحامها وهي من أحرقتني بنيران الشوق لمعرفة من تكون
أنا ما عدت أنا..... أصبحتُ رماداً يتطاير كتطاير الحروف
قد ضيعتُ أرقامي وضيعتُ الحروف التي أخذتها هي مذ جعلت حتى صمتها كلام
لكن يجب أن أعود للمواجهة فغروري لا يستسلم لغرورها ، واستمرت تساؤلاتي عنها..حتى أني أهملتُ قراءة الكتب الأخرى..كأن هذا العالم هو الكتاب الوحيد المفتوح أمام عيني ، وصرتُ أكثر تشوقاً لما ستكتبهُ تلكَ المرأة من أسئلة في الأيام القادمة على تلك الصفحاتِ..خلتُ أنها من كوكبٍ يرأسهُ القلم..حيث كلما رأيتها قتلني فضولي لحروفها الماسية..كان في عقلي كماً هائلاً من الأسئلة وخيالاً أرهقني عن كيف خُلق كفاها
اللتان تَشعان بالنور المُتخفي بين كلماتها في طيات الرسائل..سؤالها رمى بي في متاهةٍ لا أبوابَ لها..
فجأة سمعتُ صوتاً قادماً من الخارج , صوتاً يشبهُ ألحان كلماتها التي لا تفارقُ مسامعي..
فتحتُ نافذة غرفتي وإذا بأمطارٍ تهطل بغزارة..ذكرّني هذا المشهد بحروفها التي أمطرتها على أرض ذلكَ العالم الافتراضي..في تلك الأثناء انتابني شعور بالحيرة كيف أجيبها؟؟..كيف أُبحر في مكامن أسرارها اللامتناهية؟..جلستُ لأفكر وبيدي كوب قهوتي المعتاد أُردد بيني وبين نفسي..الآن حان المساء سأجيبها غداً..عندما تطلُ الشمس بوجهها علينا..لكن يا ترى هل جوابي سيكون مُقنعاً لأسئلتها الذكية؟؟ يا ربّ السماء!! إلى متى سيبقى هذا التردد الذي يسكنُ صميمي؟؟؟
لم أشأ الدخول إلى رأسي كي لا أكوّن حلقة مفرغة أخرى فما زادت حروفها الرأس إلا تكوّراً .. أشعلت سيكارتي سحبت منها نفساً عميقاً خزنته في رئتي ما أستطيع من كتم الأنفاس ثم أطلقته دفعة واحدة حتى كاد وجعي ينطلق إثره .. استحضرت طقوسي كاملة لم أنتقص شيئاً منها سوى اللعب بأشباه الحروف والتكلم بلغة رامزة تخليت عنها فليس لي أن أبني لغة رامزة فالأمر لا يحتمل رموزاً أخرى .... انطلقت مع حلقة الدخان الكثيف المنطلق من فمي باتجاه حروفها وهالني ما قرأت ... إذ وجدت كلمات هي بعض حدود لخارطة تتماهى بين رأسين لأفق مستقيم تارة ليوازي انحناءه تارة أخرى ( ليس للألق أن ينطفئ لحظة عندما تنقاد وجوهنا لما سيتم نيله في النهاية .... الوجه ليس إلا مساحة واسعة من التساؤلات .. تنشئ وطناً ... لا علاقة بين تقاسيمه .. يُرغم على التعايش مع بعضه قسراً... مع أنها ليست على طرفي نقيض ... وجوهنا لا نمتلكها بإرادتنا ولذا فنحن مرغمين ألا نزيح عنها غبارها فتظهر وكأنها دخيلة علينا أو أننا فشلنا باختيارها .. إنها لا تمثلنا لأنها غيبوبة جاثمة على رؤوسنا ( ...
هالني ما قرأته ... حروفها لم تلق مني جواباً .. مذهلة هي .. بحيث أنني تركت سيكارتي تعبث بأصابعي حتى توارت بينها ورجوت للحظة لو أني ألقي القبض على قلمها وأحاكمه على هذا التيه الذي أغرقني فيه دون سابق معرفة أو إنذار حتى بل قذفني فيه دفعة واحدة لم ينتظرني حتى ألملم رأسي الذي بعثره وحيه الأول ........
هذا أنـا مبعثرٌ عقلي على أرصفة الذكرى, كالرماد ..هي لم تتركْ لي مجالاً للمواجهة ولم أملك خياراً للإجابة ..
أُبصر كل الأشياء من حولي..سيكارتي التي تنتظر تلك اليد لتُطفئها, أوراقي المُتعطشة للإجابة وقلمي الصامت الذي جعلني أستبدلهُ بقلمٍ آخر عسى أن ينطق بحضرتها..تمنيتُ لو أن قلمها يكون ضيفاً عندي ولو لخمس دقائق لكي أُشبع أوراقي وأُخبر قلمي الأصم عنه..على أية حال,أتى الصباح التالي مُبعثراً خيوط الشمس هنا وهناك..فتحتُ عيني وكان أول الصبح أفكار,لهفة و ضياع بسبب ذات القلم الذي لا يمتلك الإجابة الشجاعة .. كيف أداوي هذا القلم وأنقذهُ من ضياعهِ وكيف أغرسُ بذور الذكاء والفطنة بعقله .. بل كيف سأقنعهُ بأن يتمهل ولا يتهور بالحديث معها؟؟
حاولت أن ألملم شتاتي المبعثر وأستجمع قواي التي خارت وأنا تسوقني هواجسي وأفكاري ... فجلست مستقيماً على الكرسي وأطلقت زفرة قوية من نفسي الذي حبسته بعد أن سحبته من سيكارتي للمرة الثانية والتي ذابت بين أصابعي وتحولت إلى رماد دون أن أعي وأنا مشدوه بين لمسات حروفها .... عليَّ أن أهدأ لأواجه تلك المخلوقة ... مددت يدي إلى حاسوبي لأبحث عنها وأفاصلها .... ولكنني بعد كل هذا العناء وتلك الأنفاس المقطوعة التي يملؤها دخان السكائر ... لم أجدها وتمنيت لو أنها كانت حاضرة لأجد عندها ما قد يبلُ رمقي ويروي تعطشي ولهفتي لمعرفة ما يجول في خاطرها وما تخبئ عنا من دهاء حبر قلمها الذي يمكر بي وبالآخرين فلازالت تلك العبارات التي تطلقها عنواناً لمواضيعها تشدني ....!!!وبقوة قررت في النهاية أن أمارس طقوسي المفضلة هرباً....غادرت غرفتي التي خلت أنها امتلأتْ بها حد الفوضى ...قررت أن أتطهر من استعمارها لأطول فترة ممكنة ...تناولت جهاز التحكم و شغلت التلفاز و أنا في طريقي إلى الحمام ...سمعتُ صوت فيروز يصدح ُ من مكان ما حين فتحتُ النافذة .......أنصتُّ محاولاً أن أعرف ماذا كانت تقول تلك الشحرورة الصباحية ....إنها حتما ً (يا طير الوروار )....كعادتها ترسل هذه الملاك سلاماً لأحبة ٍ بعيدين ....تنهدتُ لا شعورياً و رششت وجهي بماء الحنفية بكل العنف و الفوضى الممكنين ...كأن شيئاً في أعماقي كان يصرخُ (أفِقْ (......
مررت بالتلفاز مرة أخرى و أنا في الطريق لأعد قهوتي ...لفتت انتباهي مذيعة جميلة لبقة ...عاد دماغي لحظتها إلى سكره : ترى ما هو شكلها ؟....أنيقة كما كلماتها ؟...رشيقة كما قلمها ؟...كدتُ الطم وجهي احتجاجاً على كسر الهدنة ...لكنني هرولت نافضاً أفكاري باتجاه المطبخ ...
بدأت بإعداد قهوتي أملاً مني بأنها ستساعدني على الاستفاقة من عالم "الاشتباه "تساعدني على مسح علامات الاستفهام؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ والتعجب !!!!!!!!!!!!!!! التي تخيم على رأسي وتملأ كل فراغ ، وعندما انتهيت من إعداد قهوتي حملتها معي إلى غرفة الجلوس محتضناً إياها بشغف ومستنجداً بها كالغريق الذي يتعلق بقشة .. رشفت منها رشفة طويلة
شعرت معها بدفء يملأ قلبي وأحسست بأني بدأت أستفيق من عالم الخيال ، وقررت أن أكمل يومي بشكل اعتيادي مستعيناً بتذكر لحظات الصفاء وراحة البال التي كنت متنعماً بها قبل أن تنبهر عينيّ ببريق كلماتها المتناثرة ..
في الطرف المقابل كنت أجلس أمام حاسوبي أحتضنه بين يدي لكنه أبعد مما كان أي كتاب .. ترى لماذا لا أحتضنه كما لو أنه كتاب ؟ .. هل هو يقيني أنه ليس بصدق ولا إخلاص الكتب ؟ .... كنت أجول بين عالم الأزياء والموضات قبل أن أفرغ عقلي من الشحنات السالبة وأندمج أكثر مع هذا العالم المتسامي في خيالي وفكري فأدخل المنتدى من جديد وهناك خرجت أمامي رسالة تملأ الصفحة كاملة ( المنتدى تحت الصيانة عُدْ بعد أسبوع (
ياااااااااااه صعقتني هذه الصفحة بخروج الإشارة لي بما يحدث في ملتقاي مع هواجسي التي لا أعلم إن كانت حقيقة أم خيال .... انتابني شعور هستيري كالذي يصيب المدمنين حين لا يجدون ما أدمنوا عليه .... ولم أعرف ماذا أفعل .... وقفت أمام المرآة وأخذت نفساً عميقاً بعد أن أحسست بحمق ردة فعلي وانتقادي لذاتي وأخذت أهدئ من روع نفسي ..... ولكني سرعان ما عدت أسأل نفسي ماذا عساي أفعل كل هذه الفترة كيف سأحتمل هذه الأيام الطويلة دون أن أعرف ما قد يحدث في الجانب الآخر من عالمي الافتراضي الذي حبستُ فيه روحي ..... ونسيتُ فيه نفسي وكل من حولي
كنت حائراً جداً.. انتبهت لنفسي وأنا أحدثها عنها :
تجيئين ولن أرحل .. تعبت من ضجيج الليل .. تجيئين وأكتب في مجيئك كل تساؤلاتي - تجيئين وأرسم في عيونك بعض إجاباتي .. لن أرحل .. فقد طال انتظاري للقائك ، وإن لم تجيئي سأحضر وأحمل كلماتي ومنجلي ..
طال انتظاري ولم تأتي – وها أنا أحمل حقيبة الكلمات لأبدأ الرحيل في هدوء أطراف المساء .. كلماتك وتساؤلاتك باتت تلاحقني ، أحاول نسيانها ,لكنها تتأنق كعادتها , تغمرني نشوة بحضورك بعد انتظار , ولكن دون جدوى , أنتِ لن تأتي ... أفكاري مشتتة , وفي سكون ليلتي يظهر القلق بين عينيّ .. وينتابني الحزن .. وأنا اردد لن تأتي .. بدأ النعاس يداعب جفوني وأنتِ تلتئمين مع حزني و... رباه ما هذا الشوق اللامنتهي لرؤية ما ستكتب .. تساورني لهفة مشتهاة لرؤية بصيص قلمك .. ماذا فعلتِ ومن أين جئتِ ؟ كيف أعدتِ لي المساومة مع نفسي كي لا أذوب في سحر ما تكتبين .. كوني أقل سحراً أو ابزغي حتى , فقد مللت النداء الصامت .. أريد موجاً صارخاً .. ابزغي أيتها الغائبة إذ لازلت أقف حائراً أمام كلماتك التي جرت أذيالها إلى حيث لا أدري ...
ومرة أخرى أتأمل ....أحمل الأماني ..ولا أعرف متى عليّ طرحها ...
لا أجد عقلي !! ما لذي دهاني ؟؟ تهت مع حرف و سطر ..
تاهت أفكاري .. حلقتُ مع حرف إلى ....هناك حيث هي ...أحتضن حسرتي مع بياض كلمة ...
إلى متى أقبع هنا انتظاراً .....سأخرج .
************************************************** **************************
شبحتُ ببصري تعلقتْ نظراتي بتلك الجملة ( مساؤك ضجيج ) من هذا الذي قرن مسائي بالضجيج أتخيله رائعاً بإدراكه .. سأسحبه إلى فراغاتي ليريح نفسي من ضنك ألآمها سأختار عبارة أخرى .. تبعثرت أصابعي على الحاسوب لتضيف لغزاً آخر .. أيها البعيد المقترن بالقرب سأدعوك إلى مأدبة تغريداتي .. هل ترى أن التشابه يقرن الاشتباه أم تشابهت عليك صورك المتعددة ؟ كم صورة لديك ؟ لا تدّعي أنك لم تشتبه يوماً في طرح التشابه , سأكون ظلك الرمادي الذي يزيح عنك اشتباه التشابه .. كن كما بدأت ضاجاً بمساءاتك المتشابهة لأن سكوني متعلق بأفق سورتي التي اكتنزت آياتها طراوة البلاغة ونشوة المعرفة لا أريد تسويرك بردي لكن اقتحامك غربة كلماتي جعلني أرفع درجة طغياني
أرفعها إلى درجة أخرى لعلها تهديني إلى رأسه الموبوء بامتلاء تام فأملأه فراغاً تاماً ... يا لروعة الانتقال من تمام إلى تمام من نوع آخر .. إنها لعبة أخرى سأمارسها بطواعية معه .. لكن .. أفأستطيع أن أحمل وزر هذا التنقل بين الامتلاء والفراغ ؟؟ أفأجرؤ على أن أكون المسار الذي يوجه وطنه الساكن ؟ هل بإمكاني أن أتكوّر فيه على نحو غير مألوف ؟ .. لم أشأ أن أتكوّر في مخيلته بطريقة توحي بوجه غير وجهي أو على الأقل بفمٍ غير فمي لكنني وجدت نفسي مجبرة على التكوّر عنده إذ إن فيه ما شدني إلى رأسه فرحت أنسج من كلماته خارطة أخرى لوطن آخر ربما سأجعله على الشاشة الزرقاء ضمن خرائط العم كوكل .. .. هي المرة الأولى التي أجد نفسي عاجزة عن إتمام ما قمت به أولاً ... أية لعبة صرت ألعبها معه ؟ حتى غدت هوايتي ... بئست الهواية هي ..
هل يراني مجرد حروف يا ترى ؟؟
هل بصمتي أصيبه بالملل ؟؟ ما هي قصص الفضول في رأسه عني يا ترى ؟؟
يااااااااه أتخيل الأمور المخيفة من وراء لعبة الغميضة التي لعبتها معه ..لمَ أبدو وكأنني لا أطيق الحياة هاااا ؟ آآآآه أيتها المتحاذقة لمَ ترتعشين هااا ؟ ....أتخافين من وسادة أحلام أنت صنعتها ؟؟؟
كفى .. يا لذلك العقل ..
أشعر بالبرد ولا يدفئني سوى جلسة قرفصاء طويلة ...وضوء صباح جديد .
هادئ أنت اليوم على غير عادتك .. يا ترى أهو شوق وحنين أم بؤس وأنين؟؟
صمت مسافر أتعبه السفر وهدوء حدائق الفجر ...
على غير عادتك أراك اليوم مترنحاً ,,,كأنك سكبت بحراً من الخمر على فمك وغرقت فيه حتى النوم
وكأنني أنظر إلى لوحة مر عليها قرن من الزمن وأصبحت أثراً ..وحيدة في ركن من أركان الحياة ..بعيدة تنظر لا تتكلم
هكذا أنت اليوم يا سيدي هائماً سارحاً في أفق فكرك ...تبحث عن مرسى لخيالك
أيحدث هذا فعلا أم أنني أتخيل ذلك لأنك هادئ على غير عادتك؟؟
قلت لنفسي سأحاول أن أشغل وقتي علّني لا أفكر فيه .. وبدأتُ بالتصفح والتنقل من موقع إلى آخر
تحدثت مع بعض الأصدقاء الذين كنت قد بدأت أتناساهم ..
مضى من الوقت ساعة وبضع الساعة أشعر بارتياح قليل...لكني عدت لانشغالي به
وها أنا أنتظره ...
وطال الانتظار..وها قد حل المساء .. هناك بحر لا يجف هو بحر اللقاء...
أراك عالماً بلا حدود .. أناديك .. ساعاتي طويلة وثقيلة
وأنت بعيد ..ليتك تفهمني..الوقت يمر ببطيء وفضولي لرؤيتك لا يحتمل الانتظار طويلاً..
لازلت أسترق النظر بين الحين والآخر..
رباه ما هذا.. لم أعد أصدق..جميلة هي أشياؤك .. ترى من علّمها أن تصمت في لحظة اللقاء .. في حضرة صاحب أشياء لا تشبه تلكم الأشياء .. من علّم أطواق الورود أن تصمت على طاولة صماء .. من علّمها الانتظار.. بل من علّمها الصمت وهي الناطقة ..
أنا من الأمس أو من الأبد .. لكن قدري أن أكتب إليك كما كتبت إليك في المرة الأولى أيها الحلم والألم والأمل ...
أوليس غريباً أن نشعر أن هناك شيئاً ما يشدنا كالطوفان .. هذا الشعور الذي يملؤنا دفئاً ثم يحملنا حتى الأفق البعيد ويرمينا على ضفاف صيف ناعس..تختبئ - تتكتم - تتعذب .. دون أن أقرأ لك كلمة صريحة...تخاف على نفسك ؟ أناني أنت أم قديس ؟ لا أدري ولم أعد أدري .
كثيراً ما يحسن لنا القدر .. ولكننا لا نشعر بذلك غالباً , بل قد لا ندين له في قرارة أنفسنا بمجرد الشكر , ها هو قدري المسائي يمنحني فرصة التفكير خارج طائلة التواصل , كان الأمس المنصرم موعداً لإجازة منه , إجازة لأسبوع كامل , أمدٌ لصيانة افتراضات الأرقام , وإعادة النظر في اجتياح هذا الرجل لعالمي , أو ربما قبولي بهذا الاجتياح .. بدا هذا الصباح حيوياً بالقدر الذي يعمّق اشتهاء التسوق وإرسال قدميّ بشكل عبثي إلى آخر مدى في شوارع بغداد التي ما رأيتها منذ زمن إلا في حدود رتابة الذهاب والإياب اليومي إلى العمل ومنه , فكرتُ في تدليل تأنقي لمثل هذه الجولة المزمعة , ملابس وإكسسوارات تناسب تجوالاً صباحياً قد يمتد لما بعد الظهيرة , صوت معزوفة ( آخر رجال الموهاكينز) قطعت عليّ تسلسل نية الترتيب هذه .. أهااا إنه هاتفي ..
ــ مرحبااااااا أيتها الجافية
ردتْ عليّ بتهكم :
ــ تعنين نفسك أليس كذلك ؟ قاطعتني وأنا أحاول شن حرب هاتفية عليها قائلة :
ــ افتحي الباب ولا تقضي على المتبقي من الرصيد أيتها الشئ , ضحكت وأنا أغلق الهاتف وأفتح لها الباب , قلتُ وأنا أعترض طريق دخولها منزلي :
ــ أليس من مفارقةٍ في أن أغلق الهاتف وأفتح الباب ؟!! كلاهما يحملك إليّ أيتها الصديقة مع إنهما على طرفي ضدّ !! انبرت كعادتها في تسفيه تأملاتي الارتجالية :
ــ ماذا لو ناقشنا كشفك المذهل هذا ونحن نطفح كوب قهوة أو شاي من يديك أيتها الفيلسوفة ؟!! على الأقل لن نواجه تكذيباً لثقافة الكرم خاصتنا , ابتسمتُ وأومأتُ لها بالدخول متنحية عن الباب , وبعد نصف ساعة كنت مع ( أمنية ) صديقتي المقربة ندلف إلى شارع المتنبي , إذ على عادتها كانت شوارع بغداد أقل زحاماً في أيام العطل وهذا ما مكّننا من الوصول بهذا الوقت القليل , لفت انتباهي رجل خمسيني يقف على ناصية الشارع الممتلئ كتباً وباعة ورواداً , لا أعلم لمَ تسمّرت نظرتي عليه , ونحن نمرّ بمحاذاته سمعته يقول لمرافقه :
ــ أحتجّ على الصلاة التي لا تأتي بكِ ...... , ولأننا كنا نتابع السير لم يتح لي أن أسمع قوله اللاحق الذي ربما يقدم تفسيراً لهذه الجملة المثيرة , بدت أنها جملة مقتطعة من نص شعري , لكنها بدأت مفعولها في ذهني ورحت أتتبع الاحتمالات الممكنة لمعنى ( بكِ ) أهي امرأة ؟ جملة ما من جمل الصلاة ؟ مظهر ما ؟ أم تراها الصلاة ذاتها ؟ ... قطعت عليّ أمنية تسلسل الاحتمالات وهي تشدني من يدي قائلة :
ــ تعالي وجدت ما تبحثين عنه .. أخيراً سنغادر هذا الشارع لندلل أنفسنا بالعصير والتسوق الممتع .. تعالي هنا
وأشارت بإصبعها إلى كتاب في أقصى يسار كتب تفترش الرصيف
ــ نعم إنه هو ، قلت وأنا أرفعه
فرحتُ لأني وجدته بسرعة , مرة أخرى تقاطعني ( أمنية ) :
ــ هل ستظلين تتأملينه أم أنك ستتجرئين وتقطعين الصمت بعدّ ثمنه من حقيبتك ؟ أم تراكِ لا تستطيعين تهجئة عنوانه ؟ حسناً عنوانه هو ( ما فوق اللون ) .. ، قاطعت تهكمها بدفع ثمنه وشكر البائع على تسامحه في الثمن , وعادت هي لأسلوبها المازح الذي غالباً ما تصطاد به الأجوبة دون عناء الاستفهام , فأجبتها بأنه رواية كنت أبحث عنها منذ زمن , وأطلقنا أشرعة الرغبة الجامحة في التسكع , وفي آخر المطاف وبعد رحلة تسوق بذّرنا فيها الكثير على الملابس وأشياء أخر تتعلق بالمظهر كنا على منضدة جميلة في ( ركن بعيد ) نشرب العصير ونتمتع بذوق صاحب المحل في انتقاء كل شئ بدقة عالية وذوق رصين , المكان يعجبني بشدة لا شئ فيه خارج إعجابي سوى اسمه ( ركن بعيد ) أحس أن صاحبه لم يوفق في ذلك فقط , واندهشت ( أمنية ) حين علقت على الاسم وأنا أنقد صاحب المحل ثمن العصائر ,
ــ سيدي ألم تك ثمة بدائل أفضل في اختيارك لاسم هذا المكان الرائع ؟
بدت عليه الثقة وهو يجيب :
ــ الأمكنة هي من تختار أسماءها .. ذلك لا يعني أبداً أن الأسماء هي هويات الأمكنة .. ولذلك قد تتغير أسماء الأمكنة لكنها هي ذاتها لا تتغير .. هنا ستجدين الإجابة بكل وضوح .
كانت إجابة دالة على ثقافة الرجل , ولكي أتجنب ما وراء دهشة ( أمنية ) من تصرفي هذا سألتها بعد أن غادرنا المكان مباشرة :
ــ يبدو أن الرجل أكثر من مجرد صاحب محل عصائر , ربما يكون متقاعداً كما يبدو من عمره , ربما كان موظفاً حكومياً , مدرساً ربما , أجابت متلقية الطعم :
ــ نعم هو كذلك , سألتُ بفضول :
ــ وما أدراك ؟
ــ أتذكرين المرة الأولى التي اكتشفنا فيها هذا المكان ؟
ــ نعم نعم ، أجبتها بلهفة , أكملتْ :
ــ حين عدت للبيت حدثت أبي عن المكان ونصحته بارتياده , فأجابني مبتسماً ابتسامة انتصار ورضا :
ــ أعرفه وقد سبقتك إليه بنيتي , هو لصديق قديم من أيام الجامعة , لم أره منذ أن تخرجنا , ولكن القدر شاء أن أرتاد محله هذا ذات نيسان , وأخذنا باستذكار أيام الجامعة مرها وحلوها , قاطعتُها بشغف :
ــ أكملي أكملي أمنية
بدا على وجهها ـ الذي أعرفه تماماً كما الطريق إلى بيتي ـ شيئاً من الحزن الخفي .
ــ للرجل قصة يا صديقتي , كان طالباً مميزاً في الجامعة , أنهى دراسته فيها في نهاية سبعينيات القرن المنصرم , في سنته الجامعية الأولى أحب طالبة مبتعثة من لبنان , كانت قصة حب جارفة امتدت لأربع سنوات متواصلة , حينها كانا يلتقيان في المكان نفسه ( ركن بعيد ) , والذي احتفظ باسمه القديم ذاته , كانا قد خططا بعد تخرجهما على اللقاء فيه ليعلنا ارتباطهما الرسمي فيه ، وحان الموعد فعلاً .. إذ مضى على حفل تخرجهما أسبوعاً وهو ما اتفقا عليه كموعدٍ للقاء .. ويمر الوقت عليه وحيداً .. حتى تسربت احتمالاته أمام مغادرة آخر مدعو للركن , دفع ثمن حجزه للمكان وغادره , لم يقف طوال هذه السنوات على سبب تغيبها , ولم يلتقِ بها بعد ذلك أبداً , بقي مع أسئلته فقط , ولو أنكِ لاحظت الزاوية التي كان يجلس فيها لوجدتِ أنها تغاير المحل المفترض الذي يمكن أن يتموضع فيه صاحب محل , إنها بعيدة نسبياً عن المكان المخصص الذي نلاحظه في أي محل , كان الركن الذي يجلسان فيه بالضبط ، احتفظ به لنفسه ,هو الآن في نهاية أيامه , صحته متدهورة بشكل شبه مستمر .
سكتت أمنية مطولاً ولذت أنا بصمتي أمامها , ورحت أكلم نفسي : لهذا كان جوابه عن الأمكنة بهذا الشكل , الأمكنة .. حين تعني مفردة ( ركن ) ( لا ركن ) ( بعيد ) ( لا بعيد ) حين يجئ بها قدرها من بيروت إلى بغداد لتلتقي به , أي عبث هذا ؟ هل يمكن أن يكون القدر مخططاً لهذا كله ؟!! وأي وفاء هذا الذي يحمله كي لا يقترن بواحدة غيرها ؟ أحقاً يستمر الحب ؟ أم تراه أثر الصدمة ووقعها عليه , لا أعلم حقاً أهو الحب أم الفقد من يعيش معه طوال هذه السنوات , تبدو لي أنها المعادلة ذاتها بين الأسئلة والأجوبة , بين قيمة الاستفهام ومؤدى الإجابة عليه , يبدو أن الصمت أوصلنا سريعاً لمنزلي , دعوت أمنية أن تقضي بعض الوقت معي في المنزل , فأجابت :
ــ لا أنتِ ولا أنا نستطيع تمضية وقت ممتع بعد أن غيرتُ اتجاه المزاج 180 درجة , آسفة حقاً على استرسالي في قصة صاحب المحل , عكرتُ لك مزاجك صديقتي , إلى اللقاء
ودعتها محتضنة إياها بحرارة , لا شئ في المنزل أكثر عطفاً عليّ من السرير , عسى أن يكون الصباح الآتي كصباح اليوم .