قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ - [سُّورَةُ الْمَائِدَةِ : 55 - 56.]
أجمعت الأُمّة الإسلاميّة على أنّ الآيتان قد نزلتا في أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) لمّا تصدّق بخاتمه وهو راكعٌ ، فلقد قال القاضي عضدُ الدّين الأيجي في كتابه المواقف في علم الكلام - الجزء (3) - الصفحة (641) :- «وأجمعَ أئمّةُ التّفسيرِ أنَّ المرادَ عليٌّ» . وقال الشّريفُ الجُرجاني فِي شرح المواقف - الجزء (3) - الصفحة (641) :- «وقَد أجمعَ أئمّةُ التّفسيرِ على أنَّ المرادَ بـ(الّذين يقيمونَ الصّلاةَ) إلى قولهِ تعالى (وهُم راكعونَ) عليٌّ، فإنّهُ كانَ فِي الصّلاةِ راكعاً فسألهُ سائلٌ فأعطاهُ خاتمهُ، فنزلتِ الآيةُ» . وقال سعدُ الدّين التفتازاني في شرح المقاصد - الجزء (2) - الصفحة (288) :- «نزلَت باتّفاقِ المفسّرينَ فِي عليٍّ بنِ أبِي طالبٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - حينَ أعطى خاتمهُ وهوَ راكعٌ فِي صلاتهِ» . وقالَ القوشجي في شرح تجريد الاعتقاد - الصفحة (368) :- «أنّهَا نزلَت باتّفاقِ المفسّرينَ فِي حقِّ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ حينَ أعطى السّائلَ خاتمهُ وهوَ راكعٌ فِي صلاتهِ» . وقال إبنُ حجرٍ الهيثمي في الصّواعق المحرقة - الصفحة (120) :- «وقَد أجمعَ أهلُ التّفسيرِ على أنَّ المرادَ بالذينَ يقيمونَ الصّلاةَ ويؤتونَ الزّكاةَ وهم راكعونَ، عليٌّ، إذ سببُ نزولِهَا أنّهُ سُئِلَ وهوَ راكعٌ فأعطى خاتمهُ» . وقال الآلوسي في روحِ المعانِي - الجزء (6) - الصفحة (186) :- «والآيةُ عندَ معظمِ المحدِّثينَ نزلَتْ فِي عليٍّ كرّمَ اللهُ وجههُ» . وقال الآلوسي أيضاً في روحِ المعانِي - الجزء (3) - الصفحة (334) :- «غالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه» . وقال السّيوطيِّ في أسباب النّزول بعدَ ذكرهِ لمجموعةٍ منَ الرّواياتِ فِي الحادثةِ - الصفحة (104) :- «فهذهِ شواهدُ يقوّي بعضُهَا بعضاً» . وجاءَ فِي تفسيرِ أبي حاتمٍ - الذي صرّحَ في أوّلِ تفسيرهِ أنّهُ لا يوردُ فيهِ إلّا الأحاديثَ والآثارَ الصّحيحةَ - الجزء (4) - الصفحة (1162) :- «أنّهَا نزلَت فِي عليٍّ (عليهِ السّلامُ) حينَ تصدّقَ بالخاتمِ» .

وقصة تلك الحادثة كانت في مسجد رسول الله مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد صلاة الظهر ، وذلك عندما جاء أعرابي أشعث الحال رث الثياب والفقر بين عينيه ، فلما دخل المسجد سلّم وقال شعراً وذكر الأبيات ، فلّما سمع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك بكى بكاءًا شديداً ثم قال لأصحابه : «مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَبَقَ إِلَيْكُمْ جَزَاءً وَ الْجَزَاءُ مِنَ اللَّهِ غُرَفٌ فِي الْجَنَّةِ تُضَاهِي غُرَفَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُوَاسِي هَذَا الْفَقِيرَ ؟» . فلم يجب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحد منهم ولم يلق السائل ترحيباً من قِبل المتواجدين في المسجد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : «اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ يُعْطِنِي أَحَدٌ شَيْئًا» .
وكان الإمام علي (عليه السلام) يصلّي ركعات التطوع في ناحية المسجد كانت له دائماً ، وكان راكعاً وفي يده اليمنى خاتم ، فأومأ إلى الأعرابي بخنصره اليمنى ، فأقبل إليه حتى أخذ الخاتم من يده وهو في صلاته ، وانصرف الأعرابي وهو يذكر أبياتاً من الشعر ، وكل ذلك كان بعين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) . فلما فرغ الإمام علي (عليه السلام) من صلاته رفع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رأسه إلى السماء وقال : «اللَّهُمَّ إِنَّ مُوسَى سَأَلَكَ فَقَالَ : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ قُرْآنًا نَاطِقًا : سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا . اللَّهُمَّ وَأَنَا مُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَصَفِيُّكَ ، اللَّهُمَّ فَاشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ، عَلِيًّا أَخِي اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي» .
قال أبو ذرٍّ (رضي الله عنه) : فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَنَادَى : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَرَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ اقْرَأْ : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ .
وكان من صفات الخاتم الذي تصدّق به الإمام علي (عليه السلام) أنّ وزنه أربعة مثاقيل ووزن فصه خمسة مثاقيل ، كان من الياقوت الأحمر وسعره كان يعادل ضرائب أهل الشام (مقدار 300 حِمْل من الفضة وأربعة من الذهب من حُمولة الإبل) . وكان الخاتم لمروان بن طوق الذي قُتِلَ في الحرب على يد الإمام علي (عليه السلام) . ثم أخذه الإمام علي (عليه السلام) غنيمة حربية إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فردّه رسول الله إليه كهدية . عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ : « أَنَّ الْخَاتَمَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَزْنُهُ أَرْبَعَةِ مَثَاقِيلَ ، حَلْقَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ ، وَفَصُّهُ خَمْسَةُ مَثَاقِيلَ ، وَهُوَ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ، وَثَمَنُهُ خَرَاجُ الشَّامِ ، وَخَرَاجُ الشَّامِ ثَلاَثُ مِائَةِ حِمْلٍ مِنْ فِضَّةٍ ، وَأَرْبَعَةُ أَحْمَالٍ مِنْ ذَهَبٍ . وَكَانَ الْخَاتَمُ لِمَرْوَانَ بْنِ طَوْقٍ ، قَتَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَأَخَذَ الْخَاتَمَ مِنْ إِصْبَعِهِ ، وَأَتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ جُمْلَةِ الْغَنَائِمِ ، وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) أَنْ يَأْخُذَ الْخَاتَمَ ، فَأَخَذَ الْخَاتَمَ ، فَأَقْبَلَ وَهُوَ فِي إِصْبَعِهِ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى السَّائِلِ فِي أَثْنَاءِ رُكُوعِهِ فِي أَثْنَاءِ صَلاَتِهِ خَلْفَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ) » . (مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : ج7، ص259، ح8189-9.)
في الآية النازلة على رسول الله مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحقّ الإمام علي (عليه السلام) أهمية كبيرة ، فلقد بيَّن الله تعالى مَن له الولاية على الخلق والقيام بأمرهم ويجب طاعته عليهم ، فقال : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ، أي الذي يتولّى مصالحكم ويحقق تدبيركم فيها هو الله تعالى ورسوله مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ثم وصف الذين آمنوا فقال : ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ بشرائطها : ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي ويعطون الزكاة ﴿وَهُمْ رَاكِعُونَ ، أي في حال الركوع فقط . وكلمة (إِنَّما) تفيد الحصر والتخصيص ونفي الحكم عمن عدا المذكور ، كما يقولون : «إنّما الفصاحة للجاهلية» ، ويعنون نفي الفصاحة عن غيرهم . وكلمة (وليّكم) بمعنى المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها ، وهذه الولاية مساوية تماماً بين ولاية الله تعالى وولاية النبي وولاية الإمام ، فثبتت إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وانتفت إمامة غيره من الخلفاء ، وإلّا لبطل الحصر . ولا إشكال في التعبير عن الواحد بالجمع ، فقد ذكر علماء اللغة العربية أنّه يكون لفائدتين : الأولى تعظيم الفاعل وأنّ من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزلة جماعة كقوله تعالى : ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ، والفائدة الثانية هي تعظيم الفعل أيضاً حتى أن فعله سجية لكل مؤمن .
وهذه الآية من أوضح الدلالة على صحّة إمامة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بعد النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا فصل ؛ فالإمام علي (عليه السلام) هو الوحيد فقط الذي تصدّق بخاتمه في ركوعه ونزلت هذه الآية بحقّه ، ولم يفعل ذلك قبله رجلٌ أبداً ولن يأتي أحداً بمثل ما فعل الإمام علي (عليه السلام) أبداً ؛ فالمسألة ليس بنفس تلك الصدقة التي تصدَّق بها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولكن المسألة هي بيان هذا المنصب الرفيع المتمثِّل بالقيادة والوصية والإمامة بعد الرسول مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإرادة الله تعالى في ذلك ، فالولاية من مختصات الباري تعالى الذي يخلق ويختار لهذا المنصب الخطير ، قَالَ تَعَالَى : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ، إذ أنّه منذ الأزل قانونه في ذلك : ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ، كما أكَّد ذلك لخليله إبراهيم (عليه السلام) .

أمّا أنّهُ لماذا سمّى الله صدّقة الإمام علي (عليه السلام) في ركوعه اثناء صلاته بالزكاة ؟ فالجواب هو أنّ قوله تعالى : ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ النازل بحقّ الإمام علي (عليه السلام) ، يدُلُّ على أنّ صدقة التطوع أثناء الصلاة تُسمّى زكاةً . كما أنّ الصلاة مقرونة دائماً بالزكاة ، فجميع آيات الله تعالى في القرآن الكريم تذكر الصلاة ثم تذكر الزكاة ، مثل : ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 177.] . ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 83.] . ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ - [سُّورَةُ الْبَقَرَةِ : 277.] . ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ - [سُّورَةُ النِّسَاءِ : 162.] . ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ - [سُّورَةُ الْأَعْرَافِ : 156.]
هناك بعض الآراء الفاسدة تقول بانفتال الإمام علي (عليه السلام) عن صلاته وسهوه فيها بحسب زعمهم ؛ لأنّه انتبه للسائل المسكين وسمع صوته ! والإجابة على ذلك بسيطة وهي أنّ صلاة الإمام علي (عليه السلام) كانت تطوعية أي أنّها ليست فرضاً واجباً ، كما أنّه قام فقط بتحريك خنصر يده اليمنى من أجل الصدقة على الرجل ، وحركة الخنصر في الصلاة لا تؤدي إلى بطلان الصلاة ، فكلا العملين - أي الصلاة والصدقة - التي قام الإمام (عليه السلام) بهما في نفس الوقت كانا لله رب العالمين . كذلك لو أنّ الذين كانوا في المسجد من الصحابة والتابعين لو أنّهم استجابوا لأمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) القائل بمساعدة الرجل المسكين وأعطوا السائل لما اضطر الرجل أن يدعو ويقول : «اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَنِّي سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمْ يُعْطِنِي أَحَدٌ شَيْئًا» . فلو أنّ الرجل خرج صفر اليدين ولم يعطه أحد لكان ذلك منقصةٌ كبيرة بحقّ رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر المسلمين ! ولحسن الحظ كان الإمام علي (عليه السلام) موجوداً في المسجد فتصدّق على الرجل المسكين .
بيان صحّة وتواتر الأدلّة والشواهد :-
تفسير الطبري - الجزء (8) - الصفحة (530) :-
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، قَالَ: ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَنْ ، يَتَوَلَاهُمْ ، فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] هَؤُلَاءِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَكِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الْمَسْجِدِ ، فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ .
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، قَالَ ثَنَا عَبْدَةَ: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] قُلْنَا: مَنِ الَّذِينَ آمَنُوا؟ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا. قلْنَا: بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ: عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا .
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [المائدة: 55] وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ هَنَّادٍ عَنْ عَبْدَةَ .
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْرَائِيلَ الرَّمْلِيُّ ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ، قَالَ: ثنا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ ، قَالَ: ثنا غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [المائدة: 55] الْآيَةُ ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، تَصَدَّقَ وَهُوَ رَاكِعٌ .

تفسير ابن أبي حاتم - الجزء (4) - الصفحة (1162) :-
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، ثنا الْمُحَارِبِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] قُلْتُ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ ، قَالَ: عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا .
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو حَفْصٍ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَعَلِيٌّ مِنْهُمْ .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ ، ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] قَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ ، ثنا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55]

تفسير السيوطي - الجزء (3) - الصفحة (105) :-
أخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تصدق عَليّ بِخَاتمِهِ وَهُوَ رَاكِع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للسَّائِل من أَعْطَاك هَذَا الْخَاتم قَالَ: ذَاك الرَّاكِع فَأنْزل الله ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله .
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله الْآيَة . قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب .
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمار بن يَاسر قَالَ: وقف بعلي سَائل وَهُوَ رَاكِع فِي صَلَاة تطوّع فَنزع خَاتمه فَأعْطَاهُ السَّائِل فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعلمه ذَلِك فَنزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه ثمَّ قَالَ: من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ .
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين إِلَى آخر الْآيَة . فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل الْمَسْجِد جَاءَ وَالنَّاس يصلونَ بَين رَاكِع وَسَاجِد وقائم يُصَلِّي فَإِذا سَائل فَقَالَ: ياسائل هَل أَعْطَاك أحد شَيْئا قَالَ: لَا إِلَّا ذَاك الرَّاكِع - لعَلي بن أبي طَالب - أَعْطَانِي خَاتمه .
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: تصدق عَليّ بِخَاتمِهِ وَهُوَ رَاكِع فَنزلت ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله الْآيَة .
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله الْآيَة نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب تصدق وَهُوَ رَاكِع .
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ وَعتبَة بن حَكِيم مثله .
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى عبد الله بن سَلام ورهط مَعَه من أهل الْكتاب نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الظّهْر فَقَالُوا يارسول الله إِن بُيُوتنَا قاصية لانجد من يجالسنا ويخالطنا دون هَذَا الْمَسْجِد وَإِن قَومنَا لما رأونا قد صدقنا الله وَرَسُوله وَتَركنَا دينهم أظهرُوا الْعَدَاوَة وأقسموا ان لَا يخالطونا وَلَا يؤاكلونا فشق ذَلِك علينا فبيناهم يَشكونَ ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ . وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ صَلَاة الظّهْر وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَعْطَاك أحد شَيْئا قَالَ: نعم . قَالَ: من قَالَ: ذَاك الرجل الْقَائِم . قَالَ: على أَي حَال أعطاكه قَالَ: وَهُوَ رَاكِع . قَالَ: وَذَلِكَ عَليّ بن أبي طَالب فَكبّر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك وَهُوَ يَقُول ﴿وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون الْمَائِدَة الْآيَة 56 .
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن أبي رَافع قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ نَائِم يُوحى إِلَيْهِ فَإِذا حَيَّة فِي جَانب الْبَيْت فَكرِهت أَن أَبيت عَلَيْهَا فأوقظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخفت أَن يكون يُوحى إِلَيْهِ فاضطجعت بَين الْحَيَّة وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن كَانَ مِنْهَا سوء كَانَ فيَّ دونه فَمَكثت سَاعَة فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ الْحَمد لله الَّذِي أتمَّ لِعَلي نعمه وهيأ لِعَلي بِفضل الله إِيَّاه .
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب قَائِما يُصَلِّي فَمر سَائل وَهُوَ رَاكِع فَأعْطَاهُ خَاتمه فَنزلت هَذِه الْآيَة ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله الْآيَة . قَالَ: نزلت فِي الَّذين آمنُوا وَعلي بن أبي طَالب أوّلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله الْآيَة . قَالَ: يَعْنِي من أسلم فقد تولى الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا .
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي جَعْفَر أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة من الَّذين آمنُوا قَالَ: الَّذين آمنُوا . قيل لَهُ: بلغنَا أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب . قَالَ: عَليّ من الَّذين آمنُوا .
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان قَالَ: سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ عَن قَوْله ﴿إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ قَالَ: أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت يَقُولُونَ عَليّ قَالَ: عَليّ مِنْهُم .

عندما نزلت الآية على الرسول مُحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتلاها على مسامع الناس ، أنشأ حسانُ بنُ ثابتٍ شاعر نبينا الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شعراً وقال للإمام علي (عليه السلام) :-
أبا حسنٍ تَفديكَ نَفسي ومُهجَتي
*** وكلُّ بطيءٍ في الهَوى ومُسارعِ
أَيذهبُ مَدحي والمُحَبَّرُ ضائعاً
*** وما المدحُ في جنبِ الإلهِ بضائعِ
فأنتَ الذي أَعطيتَ إذ كنتَ راكعاً
*** زكاةً فَدتكَ النفسُ يا خيرَ راكعِ
فأنزلَ فيكَ اللهُ خيرَ ولايةٍ
*** وبَيَّنها في مُحكَماتِ الشرائعِ
وقيلَ في ذلكَ أيضاً :-
أَوفى الزكاةَ مع الصلاةِ مقامها
*** واللهُ يرحمُ عبدَه الصَّبَّارا
مَن ذا الذي بخاتمِه تصدَّقَ راكعاً
*** وأَسرَّه في نفسِه إِسرارا
مَن كانَ باتَ على فراشِ محمدٍ
*** ومحمدٌ أَسرى يؤمُّ الغارا
مَن كانَ جبريلٌ يقومُ يمينَه
*** فيها وميكالٌ يقومُ يَسارا
مَن كانَ في القرآنِ سُميَ مؤمناً
*** في تسعِ آياتٍ جُعلنَ كبارا
المصدر : (الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء : ج4، ص33.)

وقال الشاعر المرحوم دعبل بن علي الخزاعي في ديوانه (85) :-
نَـطَقَ الْـقُرانُ بِـفَضْلِ ألِ مُـحَمَّدٍ
*** وولايـةٍ لـعَلِيِّهِمْ لم تُجحَدِ
بـولاية ِ الـمختارِ مَن خَيْرُ الْوَرَى
*** بَعدَ النَّبيِّ الصَّادِقِ المُتَوَدَّدِ
إذ جـاءهُ الـمسكينُ حال صلاتهِ
*** فامتدَّ طَوْعاً بالذِّراعِ وباليدِ
فتناولَ المسكينُ منهُ خاتماً
*** هِبةِ الكريمِ الأجودِ بنِ الأجود
فـاختصهُ الـرَّحمنُ فـي تـنزيلهِ
*** مَـنْ حَاز مِثلَ فخارِهِ فلْيَعدُدِ