آثار أقدام آخر الديناصورات على الأراضي البريطانية كانت قبل 110 ملايين عام
نوع الديناصورات التي تركت آثار أقدامها بالمنطقة يعطي فكرة مسبقة عن نوع البيئة والظروف المناخية التي يمكن لها أن تعيش فيها وتتحملها.
آثار أقدام لأنواع مختلفة من الديناصورات المكتشفة في بريطانيا
تمكن فريق بحث دولي من اكتشاف آثار أقدام آخر الديناصورات التي كانت تمشي على أرض المملكة المتحدة، بالقرب من المنحدرات البيضاء في بلدة دوفر، حيث تم اكتشاف آثار مخالب الديناصورات في منحدرات وشاطئ "فولكستون" في منطقة "كنت"، بعد أن كشفت الظروف العاصفة حفريات جديدة في المنطقة.
نُشرت نتائج الاكتشاف في "دورية جمعية الجيولوجيين" (The Proceedings of the Geologists’ Association) في 17 يونيو/حزيران الجاري، وتكون فريق العمل من باحثين بريطانيين، والباحث المغربي عبد الواحد الكناوي، أستاذ الجيولوجيا بالمدرسة العليا للتربية والتكوين بجامعة الحسن الأول في مدينة برشيد.
يقول الكناوي، في حديثه للجزيرة نت، إن "هذه الآثار تعكس على الأقل 3 أنواع من الديناصورات، التي عاشت بهذه المنطقة والتي يعود تاريخها إلى حوالي 110 ملايين سنة".
آثار أقدام لديناصورات ثلاثية الأصابع آكلة اللحوم
اكتشاف استثنائي
وجاء في البيان الصحفي الذي أصدره فريق البحث -والذي حصلت الجزيرة على نسخة منه- أن "هذا الاكتشاف استثنائي للغاية، لأن هذه الديناصورات كانت آخر من يسافر في إنجلترا قبل الأزمة البيولوجية الشهيرة في أواخر العصر الطباشيري وانقراض الديناصورات؛ حيث كانت تسير بالقرب من منحدرات دوفر البيضاء".
وحسب الدراسة العلمية، فإن هذه الأنواع تتكون من ديناصورات مثل "الأنكيلوصورص" (Ankylosaurs)، والديناصورات المدرعة الخشنة التي كانت تشبه الدبابات أو المدرعات، بالإضافة إلى صنف "الثيروبودات" (Theropods) وهي ديناصورات آكلة لحوم ثلاثية الأصابع مثل: الديناصور "تيرانوصورص ريكس" (Tyrannosaurus rex)؛ وصنف "الأورنيتوبود" (ornithopods) وهي الديناصورات ذات الوركين التي تأكل النباتات وهي تشبه الطيور لكونها ذات هيكل حوضي.
ويضيف البيان الصحفي أن معظم الاكتشافات عبارة عن آثار أقدام منفصلة؛ لكن أحد هذه الاكتشافات يتضمن 6 آثار أقدام، وهو أكثر من أثر قدم متتال للحيوان نفسه، وحجم مسار آثار الأقدام يشبه حجم بصمة قدم الفيل، وقد تم تحديده على أنه من المحتمل أن يكون "أورنيتبود اكنوس" (ornithopodichnus).وتتجلى أهمية هذه الدراسة العلمية -حسب عبد الواحد الكناوي- في أنها تسلط الضوء لأول مرة على وجود مجموعة من الديناصورات في هذه المنطقة خلال فترة ترسب طبقات "فولكستون" (Folkstone Formation).
ويشير الكناوي إلى أن "وجود 3 أنواع من الديناصورات على الأقل، بما فيها العاشب واللاحم والمدرع، لهو دليل آخر على أن الظروف المناخية كانت ملائمة لعيش كل الأنواع، على سبيل المثال، كي يوجد ديناصور نباتي عاشب لابد من توفر الكلأ أو الغطاء النباتي، وكذلك بالنسبة للديناصور اللاحم المعروف بمطاردته لفرائسه، التي تكون غالبا من الديناصورات العاشبة. وبعبارة أخرى، كان كل ديناصور يبحث عن غذائه بالمنطقة.
حجم مسار آثار الأقدام المكتشفة يشبه حجم بصمة قدم الفيل
اكتشاف رائد
يضيف الكناوي أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على آثار أقدام ديناصورات في طبقات تعرف باسم "تشكيل فولكستون" (Folkstone Formation)، وهو اكتشاف استثنائي تماما؛ لأن هذه كانت آخر الديناصورات التي جابت أراضي المملكة المتحدة قبل أن تنقرض.
ووفق البيان الصحفي لفريق البحث، تم العثور في الصين على آثار أقدام مماثلة، ولكنها أصغر حجما في نفس الفترة الزمنية تقريبا، وتم تحديد أبعاد البصمة التي تم العثور عليها -بعرض 80 سم وطول 65 سم- على أنها تنتمي إلى ديناصور يشبه "الإغوانودون" (iguanodon).
وكانت الإغوانودونات من الحيوانات العاشبة أيضا، حيث يصل طولها إلى 10 أمتار، وتمشي على قدمين أو 4 أقدام، ويعد العثور على مثل هذه المجموعة الواسعة من الأنواع في مكان واحد أمرًا رائعًا، ومن المحتمل أن هذه الديناصورات استفادت من التعرض للمد والجزر -على مسطحات المد والجزر الساحلية- أو من البحث عن الطعام أو من طرق الهجرة الواضحة بين إنجلترا وأوروبا الوسطى.
أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، والمطرقة تشير إلى بصمة ثلاثية
نموذج جديد للبيئة القديمة بالمنطقة
وتقترح الدراسة العلمية الجديدة نموذجا جديدا للبيئة القديمة لمنطقة الاكتشاف؛ إذ يقول عبد الواحد الكناوي "بعد اكتشاف آثار الديناصورات بترسبات طبقات "فولكستون" (Folkstone Formation)، طرحنا مجموعة من الأسئلة عن الظروف المناخية والبيئة التي عاشت فيها هذه الديناصورات".
ويضيف "من خلال هذه الدراسة تبين لنا أن الباحثين الذين سبقونا يتحدثون عن بيئة بحرية مزامنة لترسب طبقات "فولكستون" (Folkstone Formation)، وهو ما لا يتوافق مع الاكتشاف الجديد كما يبدو لنا، إذ إن آثار الأقدام المكتشفة تعود إلى ديناصورات من النوع الذي لا يفضل السباحة، أو على الأقل لا يفضل السباحة طويلا في مياه عميقة نسبيا".
وخلصت الدراسة العلمية -بالاستناد إلى معطيات عن الترسبات وعن مجموعة من المستحاثات الأخرى، التي لم تتطرق لها الدراسة، بالإضافة إلى آثار أقدام الديناصورات- إلى أن بيئة ترسب طبقات "فولكستون" (Folkstone Formation) كانت عبارة عن شريط ساحلي، بظروف مناخية معتدلة تشبه مناخ المغرب الحالي.
أحد الاكتشافات يتضمن 6 آثار أقدام
وكانت المياه ضحلة لا تتعدى بضعة سنتيمترات من 10 إلى 40 سنتيمترا حسب المنطقة، وكانت الظروف مناسبة أيضا لوجود بعض أنواع الصدفيات وعلى مقربة من بعض المناطق الغابية أو بعض الأشجار؛ بل إن إنجلترا قبل 110 ملايين سنة كانت توجد في موقع المغرب الحالي أو على مقربة من موقعه.
ويختم عبد الواحد الكناوي حديثه، بشأن مستقبل البحث حول هذا الكشف العلمي الجديد، قائلا إن دراسة آثار الكائنات وخصوصا آثار أقدام الديناصورات تحتاج دائما إلى دراسة تكميلية، مثل دراسة الترسبات وظروف الترسب، الذي يعرف بـ"التافونومي" (Taphonomie)، لأن أنواع الديناصورات التي تركت آثار أقدامها بالمنطقة يعطي فكرة مسبقة عن نوع البيئة والظروف المناخية التي يمكن لها أن تعيش فيها وتتحملها.