تمتلك حيتان العنبر أصواتا صاخبة ومتقطعة تستخدم في التواصل الاجتماعي ومعرفة أماكن الكائنات البحرية. ويحاول العلماء فك شفرات هذه اللغة المعقدة.
حوت العنبر من أكبر الحيتان المُسنَّنة في العالم ومن أكثر الحيوانات صخبا (غيتي)
يعتبر "حوت العنبر" (Sperm whales) من أكبر الحيتان المُسنَّنة في العالم، ومن أكثر الحيوانات صخبا على الأرض. إذ تصدر هذه الحيتان أصواتا تعرف بالنقرات ذات صرير ضارب ومتقطع وصدى يسمح لها بالتواصل مع أقرانها من الحيتان، التي توجد على بعد بضعة كيلومترات إلى مئات قليلة من الكيلومترات.
وتعتبر نقرات الحيتان تلك من أعلى الأصوات صخبا في العالم. غير أنها على درجة عالية من التعقيد، الذي لا يؤهلها لأن تعتبر لغة مكتملة. فهل نستطيع أن نعي يوما ما تقوله الحيتان؟.
كي نجيب على هذا السؤال، فإن أدلة وبيانات عديدة لا بد أن تجمع لأصوات الكثير من هذه النقرات. وهو بالفعل ما قامت به دراسة حديثة أودعت نسختها الأولية على موقع "أركايف" (arXiv) -المعني بنشر نسخ الأبحاث الأولية- في 14 أبريل/نيسان الماضي.
نظام صوتي معقد
تمتلك حيتان العنبر من نوع "فيستر ماكروسيفالَس" (Physeter macrocephalus) مخاخا أكبر 6 مرات من مخاخنا؛ مما يجعل منها هياكل اجتماعية معقدة تستخدمها الحيتان للتواصل الاجتماعي فيما بينها. وقد تتبادل الحيتان هذه الرسائل خلال 10 ثوان أو لفترة تزيد عن نصف ساعة.
وبحسب التقرير الذي نشره موقع "لايف ساينس" (Live Science)، فإن أعضاء الفريق البحثي يشيرون إلى "أن امتلاك حيتان العنبر لهذا النظام الصوتي المعقد يُمَكِّنهم -من حيث المبدأ- من تبني قواعد صوتية أكثر تعقيدا من الحيوانات الأخرى غير البشرية".
وقد قام الفريق بتسجيل العديد من أصوات هذه الحيتان. ثم استخدموا بعض أنظمة التعلم الآلي في محاولة منهم لفك تشفير تسلسلات تلك النقرات الصوتية، التي تصدرها الحيتان.
وقد اختيرت حيتان العنبر كنموذج للدراسة؛ لأنها تصدر نقرات ذات بنية مميزة تشبه شفرة مورس، التي تستخدم لإرسال المعلومات التلغرافية. وبالتالي فإن آليات الذكاء الاصطناعي قد تساعد في فك رموز هذه الشفرات بسهولة.
تستخدم الحيتان النقرات الصوتية كوسيلة للتواصل الاجتماعي فيما بينها (غيتي إيميجز)
اختراق السطح
يبدو أن حيتان العنبر تستخدم تلك النقرات الصوتية لأغراض مختلفة. فبينما تغوص هذه الحيتان إلى أعماق تصل إلى 1200 متر حيث الظلام الدامس، فإنه تعين عليها تطوير نظام صدى صوتي يساعدها على تحديد موقع الكائنات البحرية كالحبار. كما تُستخدم هذه النقرات الصوتية كوسيلة للتواصل الاجتماعي، غير أن بنية هذه النقرات المستخدمة في التواصل تكون أكثر إحكاما.
قام الفريق بجمع وتسجيل حوالي 100 ألف نقرة صوتية لحيتان العنبر على مدار سنوات عديدة، ضمن مبادرة دولية تُعنى بفك شفرات اتصالات حيتان العنبر، وتعرف باسم "مبادرة ترجمة الحيتان" (Cetacean Translation Initiative).
غير أن هذا العدد غير كاف أبدا؛ لكي تبني خوارزميات التعلم الآلي استنتاجات قيمة، والتي تتطلب جمع حوالي 4 مليارات نقرة صوتية. لذا قام العلماء بأتمتة العديد من القنوات حتى يمكنها جمع المزيد من أصوات حيتان العنبر.
شملت هذه القنوات ميكروفونات توضع تحت الماء في المناطق، التي يرتادها حيتان العنبر. كما استخدموا طائرات مسيرة يمكنها إسقاط ميكروفونات إلى سطح الماء حال اقتربت هذه الحيتان من السطح حتى تلتقط أصواتها.
تمتلك حيتان العنبر مخاخ أكبر بـ6 مرات من مخاخنا (غيتي)
وعلى الرغم من كمية البيانات التي جمعها الفريق، فإن خوارزميات التعلم الآلي ما زالت تجد صعوبة في فك شفراتها. وترجع براتيوشا شارما، باحثة الدكتوراه في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في معهد "ماساشوستس للتكنولوجيا" (MIT)، صعوبة تحليل الصوت مقارنة بتحليل النص إلى "صعوبة تحليل المكان الذي تبدأ منه الكلمة وإليه تنتهي". وبالتالي فإن إيجاد نسق لهذه الكلمات الغامضة وغير المنتظمة يتطلب جمع المزيد من البيانات.
غير أن هذه الصعوبات تجعل هذا المشروع جديرا بالاهتمام، خاصة أنه يحاول إدراج مجموعة متنوعة من القدرات التكنولوجية كي تتمكن من تتبع لغة غير بشرية. الأمر الذي قد يساعد يوما ما على دراسة مجتمعات أوسع نطاقا من الكائنات ومعرفة سلوكها الحيواني